موظف يروي عن أربعاء الحوثي: تمجيد لإيران ومهاجمة العرب وتكفير الخصوم والاستدلال بـ”الجزيرة”
المرسى – نيوزيمن
كانت الساعة العاشرة وخمس دقائق من صباح الأربعاء حين وصلت إلى مبنى إحدى الوزارات بصنعاء من أجل استخراج شهادة خبرة بغية الاستفادة منها في الوظيفة الجديدة في إحدى شركات القطاع الخاص.
أسمي محمد وعمري يقارب الثامنة والأربعين وأعيل أسرة مكونة من سبعة أشخاص هم زوجتي وأختي وأربعة أبناء، منهم ثلاثة ذكور وبنت أكبرهم يدرس في الثانوية وأصغرهم في الصف الثالث الأساسي، وكنت أعمل في هذه الوزارة منذ ما يقارب 18 عاما وتحديدا إلى العام 2015م حين تم إقصائي من عملي وتعيين بديل لي هو أحد عناصر المليشيات الحوثية الذراع الإيرانية في اليمن، والتي سيطرت على مؤسسات الدولة عقب انقلابها في 21 سبتمبر 2014م.
حين سألت أحد الموظفين عن الشخص الذي يفترض أن يوجه بمنحي شهادة الخبرة رد عليَّ بأنه موجود في الطابق الأخير مع بقية الموظفين المداومين، حيث يستمعون إلى ما يسمى بمحاضرات (اليوم الثقافي) الذي تفرضه المليشيات الحوثية على جميع موظفي المؤسسات الحكومية كل يوم أربعاء من كل أسبوع، وبحيث بات حضور هذه المحاضرات بمثابة القانون الملزم لكل موظف ممن تبقى في عمله في أي مؤسسة رسمية ولم يتم الاستغناء عنه أو إقصاؤه أو تهميشه أو فصله، بالإضافة إلى الموظفين الجدد الذين عينتهم المليشيات في المؤسسات بديلا للكوادر الإدارية الوطنية التي كانت تدير هذه المؤسسات.
صعدت إلى آخر دور في المؤسسة وعند باب الصالة التي يستمع فيها الموظفون لمحاضرة (اليوم الثقافي) كما تسميها المليشيات، سألت أحد الموظفين عن المدير الذي سيوجه بمنحي شهادة الخبرة فرد عليَّ: (أول ادخل استمع للمحاضرة وبعدى عتشوف المدير).. فقلت له ولكني مستعجل وأريد الذهاب. فأردف: (مستعجل ايش؟ هذه محاضرات السيد أو مش أنت داري يا تدخل وتنتظر ولا رح لك).
كان ذلك الموظف هو سكرتير مدير المؤسسة التي كنت أعمل فيها حسب ما عرفت فيما بعد، ولحرصي على الحصول على شهادة الخبرة قررت أن أحضر معهم المحاضرة وأسمع ما تحتويه من كلام يفرضون على الموظفين الاستماع له كل أربعاء.
وجوه جديدة تابعة للمليشيات
حين دخلت كان عدد الحاضرين يقارب الثلاثين موظفا لم أتمكن من التعرف سوى على ثلاثة أشخاص فقط. هم ما تبقى من إجمالي نحو مائة وخمسين موظفا ممن كانوا يعملون في المؤسسة قبيل انقلاب المليشيات، فيما البقية كلهم وجوه جديدة من صغار السن الذين عينهم الحوثيون بديلا عن الموظفين الذين تم فصلهم أو اقصاؤهم أو إحالتهم إلى التقاعد..
وباستثناء الموظفين الثلاثة القدامى الذين كانوا يلبسون بدلات رسمية، كان بقية الحاضرين يلبسون اللبس الشعبي (القميص والكوت والجنبية والشال)، وبعضهم ظهر مشغولا بالرد على اتصالات هاتفية، حيث كانوا يخرجون من مقاعدهم إلى باب الصالة ثم يعودون، فيما كان ثمة شخص آخر يقوم بتصوير الحضور كنوع من التوثيق، وفي الوقت نفسه كان ثمة كشف يمرر بين الحضور لتدوين أسمائهم وإثبات حضورهم بالتوقيع.
عرفت من الموظفين الثلاثة عقب المحاضرة أن بقاءهم ضمن قوام الموظفين سببه طبيعة وظائفهم التي لم تتمكن المليشيات من توفير بدلاء لهم من عناصرها، مشيرين إلى أنهم الزموا بتعليم بعض العناصر الحوثية الذين عينوا في المؤسسة استعدادا لتعيينهم مكان هؤلاء رغم عدم امتلاك تلك العناصر لأي إمكانيات أو معايير تناسب شغل هذه الوظائف.
قال لي أحد الموظفين الثلاثة: لا زلنا نحصل على نصف مرتب كبقية موظفي الدولة في سلطة الحوثيين كل ستة أشهر ومع ذلك نحن ملزمون بالدوام، وملزمون بحضور محاضرات يوم الأربعاء من كل أسبوع.
أردف: الكشف الذي رأيته يمرر ليوقع عليه الحاضرون هو المعيار الوحيد الذي يتم بناء عليه صرف مستحقات ومكافآت للموظفين المداومين ومن يتخلف عن حضور محاضرات الأربعاء فإنه يحرم من هذه المستحقات إلا إذا كان أحد القيادات التابعة للمليشيات.
واختتم بالقول: ولمعلوماتك فقيادات المليشيات نادرا ما تحضر هذه المحاضرات إلا إذا كان وجودها في هذا اليوم مرتبطا بعمل شخصي يخصها، فيما يلزم الموظفون الصغار سواء ممن عينتهم المليشيات، أو ممن تبقى من الموظفين السابقين بحضور هذه المحاضرات كل يوم أربعاء حد أن الحوثيين يضفون طابع القداسة على هذه المحاضرات ويعتبرونها سلاحا لمواجهة خصومهم، ووسيلة مهمة لترسيخ ونشر أفكارهم وثقافتهم المذهبية والعنصرية، وأيديولوجيتهم السياسية.
محاضرات تمجد إيران وثقافة القتل
على مدى أكثر من ساعة ونصف تجاهد المليشيات الحوثية في ترسيخ أفكارها الكهنوتية والظلامية في عقول موظفي مؤسسات الدولة من خلال محاضرات يوم الأربعاء التي تتضمن مقدمة طويلة من محاضرات زعيم المليشيات الحالي عبدالملك الحوثي، يتبعها أجزاء منتقاة من تسجيلات مؤسس المليشيات الصريع حسين الحوثي، مدعمة ببعض المعلومات المستخرجة من تقارير إعلامية، لتنتهي
المحاضرات بإظهار بعض أسماء قتلى المليشيات والتفاخر بهم والدعوة للاقتداء بهم في طلب ما يزعمونه الشهادة في سبيل الله.
وبمتابعة المضامين التي تركز عليها هذه المحاضرات يجد المتابع أن جلها إن لم يكن كل مضمونها مرتكز على تكرار تسجيلات لمؤسس المليشيات الصريع حسين الحوثي التي يمجد فيها جمهورية إيران ويشيد بتجربتها، ويثني على ثورتها الخمينية، وعلى نهجها السياسي، وعلى مزاعم تزعمها لمحور مواجهة أمريكا وإسرائيل، في الوقت الذي تتضمن تسجيلات الصريع حسين الحوثي هجوما لاذعا على البلدان العربية وزعمائها وأنظمتها وبالأخص دول الخليج، والدول المتحالفة معها، كما هو الحال بالنسبة للجمهورية اليمنية أثناء حكم الرئيس السابق الشهيد علي عبدالله صالح، ومصر، والمغرب، والأردن.
ويصف المحللون لنيوزيمن، ذلك بأنه دليل وبرهان على حقيقة عمالة وارتهان المليشيات الحوثية لإيران باعتبارها مجرد ذراع مسلحة أخرى لها في المنطقة كباقي الأذرع المتمثلة في حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي في العراق أو فصائلها في سوريا، أو حركات الإخوان التي تدعمها طهران في المنطقة.
وفيما يخص الداخل فإن محاضرات المليشيات ليوم الأربعاء، تتضمن تكرارا لما تبثه من خطاب التكفير وإطلاق أوصاف المنافقين والخونة والعملاء والمرتزقة على كل خصومهم اليمنيين، والدعوة للقتال ضدهم وقتلهم باعتبار ذلك جهادا في سبيل الله، كما تزعم المليشيات.
واللافت في مضامين التقارير الإعلامية التي تستند إليها محاضرات المليشيات لموظفي الدولة، يوم الأربعاء أسبوعيا، هو اعتمادها بشكل كبير على فقرات من بعض البرامج والأفلام الوثائقية التي تبثها قناتا المسيرة الناطقة باسم المليشيات، وقناة الجزيرة القطرية وخصوصا تلك البرامج والأفلام التي تتضمن هجوما على السعودية والإمارات ومصر.
وحين سألت أحد الموظفين الثلاثة عما إذا كانت محاضرات كل أربعاء تستدل بفقرات من برامج قناة الجزيرة أكد ذلك وأضاف بالقول: لا تخلو محاضرة من محاضرات المليشيات من استدلال بفقرة أو فقرتين من برامج وأفلام قناة الجزيرة القطرية، وهو أمر يراه الكثير دليلا على حقيقة العلاقة الوثيقة والتنسيق الخفي الذي يتم بين إيران وقطر من جهة وبين قطر والإخوان وأذرع إيران المسلحة في المنطقة وعلى رأسها حزب الله والحشد الشعبي في العراق، وإخوان فلسطين (حماس) واليمن (الإصلاح) ومليشيات الحوثي (اليمن).
ويرى المحللون أن ما تفرضه المليشيات الحوثية من أفكار ومفاهيم وثقافة مذهبية عنصرية مقيتة على موظفي الدولة من خلال ما تسميه باليوم الثقافي كل أربعاء أسبوعيا، هو أشبه بعملية القطرنة التي انتهجها أسلافهم الأئمة خلال حكمهم لشمال اليمن قبل الإطاحة بهم في ثورة 26 سبتمبر 1962م.