المرسى – وكالات
على مدار شهور عديدة، ظل القيادي القبلي الحوثي حميد التوعري يدفع بالمئات من طلبة المدارس كوقود لجبهات القتال الحوثية الخائبة في محافظتي مأرب والجوف ومن ثم إزهاق أرواح الأطفال وإعادتهم لذويهم جثامين هامدة، قبل أن يلقى حاطب الليل للمليشيا الانقلابية المصير ذاته.
وكشفت المليشيا الحوثية، ليل الإثنين، عن مقتل “التوعري” متأثرا بإصابته في غارة جوية للتحالف العربي بقيادة السعودية، في محافظة الجوف، شمالي اليمن، والتي تزداد رقعة المعارك فيها ضراوة يوما بعد آخر بهدف تخفيف الضغط على مأرب النفطية.
وللمرة الأولى، أفصحت المليشيا الحوثية عن مقتل القيادي البارز بغارة جوية، حيث تلجأ عادة إلى التكتم خشية من انهيار معنويات مجاميعها، ولكنها قدّمته بصفة “التربوي”.
ووفقا لمصدر قبلي، يعد التوعري من أبرز القيادات العقائدية للمليشيا الحوثية منذ عام 2012، حيث شارك بعشرات المعارك التي خاضها الانقلابيون في عدد من المحافظات على رأسها اجتياح العاصمة صنعاء أواخر سبتمبر/أيلول 2014.
وسُجن عدة أشهر في مقر الأمن المخابرات العامة بصنعاء، على خلفية اتهامه باغتيال الدبلوماسي السعودي، خالد العنزي، عام 2012، فضلا عن قيادة عصابات مسلحة سطت على العديد من أراضي منطقة “شيراتون” شرقي العاصمة صنعاء.
وينحدر من مديرية “خولان الطيال” في محافظة صنعاء، ورغم سجله الإجرامي وتورطه بعدد من الجرائم على رأسها اختطاف أجانب قبيل الحرب، إلا أن المليشيا الحوثية قامت في العام 2017 بتعيينه مديرا لمكتب التربية بمحافظة ريمة، شمالي غرب البلاد، رغم أنه ليس من أبنائها.
ولأن “ريمة “محافظة زراعية ولا يمكن تصنيفها كحاضنة شعبية للمليشيا الحوثية مقارنة بمحافظات صعدة وعمران وحجة، أرسل الانقلابيون عددا من القادة العقائديين لتقلد أبرز المناصب الحكومية، وتم إيكال إدارة التربية للتوعري، القادم من خارج السياق التربوي.
وقالت مصادر محلية في ريمة إن التوعري، المصنف سابقا كقاطع طريق بريف صنعاء الشرقي، بدأ بممارسة مهامه التربوية في ريمة بإطلاق الوعيد لمديري المدارس بفصلهم وإحالتهم للمجالس التأديبية في حال عدم استجابتهم لدعوات تحشيد عناصر لجبهات القتال.
وبدعم من محافظ ريمة المعين من قبل المليشيا فارس الحبّاري بدأ “التوعري” بممارسة الاستقواء على المستضعفين وخصوصا أبناء مديريتي “يامن” و”بلاد الطعام”، وأجبر عشرات الأسر على تسليم 2 من أطفالهم إلى جبهات القتال.
ووفقا للمصادر، فقد تركزت مهامه في ريمة على إقامة محاضرات طائفية بساحات المدارس، تحرض الطلاب على القتال، والتغرير بهم بأنهم سينالون شرف الجهاد ضد إسرائيل وأمريكا.
وبعد إرساله مئات الطلاب من أبناء ريمة إلى محارق الموت، أعد “التوعري” كتيبة من المعلمين الذين تم تدريبهم لعدة أشهر في مديرية “بلاد الطعام”، وقادها بنفسه متجها إلى محافظة الجوف، لكن مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية كانت له بالمرصاد.
وطبقا لمصادر عسكرية، فقد حاولت المليشيا الحوثية تضليل التحالف العربي بنقل كتيبة المقاتلين عبر حافلات نقل جماعي وليس دوريات الدفع الرباعي التي تنقلها مجاميعها عليها بالعادة، وأطلقت على تلك الكتيبة “قافلة تربوية لدعم الجبهات”.
وأكدت المصادر أن القافلة الحوثية كانت مقتصرة على مديري المدارس الذين جنّدهم” التوعري” للتغرير بالتلاميذ طيلة الفترة الماضية، وكانت المليشيا تنظر لهم باعتبارهم الورقة الرابحة التي ستغير مجرى المعارك بالجوف وصولا إلى مأرب.
وأسفرت غارات التحالف عن مقتل عدد من القيادات الحوثية التربوية التي قدمت من محافظة ريمة، فيما تم نقل التوعري إلى صنعاء لتلقي العلاج إثر إصابة بالغة.
وجندّت المليشيا الحوثية عشرات الأطباء لمحاولة إنقاذ حاطبها الذي رفدها بمئات التلاميذ من مدارس ريمة فضلا عن عشرات المعلمين، لكن دعوات أمهات الطلاب اللاتي كن ينتظرن أطفالهن يصلون إلى أرياف مديريتي بلاد الطعام و”يامن” داخل توابيت خضراء ملفوفة بيافطات الصرخة الإيرانية، اقتصت منه قبل أن يعود لتجريف المزيد من الطلبة.