المرسى – العين الإخبارية
مسمار أخير يدقه الحوثي في نعش منظومة العدالة اليمنية، بإحياء ما يسمى بـ”وكلاء الشريعة”، تمهيداً لإحلالهم بدل المحامين.
موروث جهل كما يتفق محللون على توصيفه، تنبشه المليشيا الانقلابية, في محاولة لتركيع المحاماة وتطويعه، بهدف خلق قطاع ومهنة تمثيلية موازية أمام القضاء.
وزارة العدل الخاضعة لحكومة المليشيا غير المعترف بها، منحت تصاريح مزاولة مهنة المحاماة لوكلاء الدعاوى الشرعية أو من يطلق عليهم “وكلاء الشريعة”، في انتهاك صارخ للقانون والدستور اليمني.
هذا الخرق ينتهك القانون اليمني الذي أغلق الباب أمام فئة “وكلاء الشريعة” ممن كانوا يمارسون المهنة قبل سبعينيات القرن الماضي، وذلك بعد فتح أبواب الجامعات وانتشار كليات الشريعة والقانون والحقوق.
إلا أن مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، أصدرت مؤخراً ترخيصاً لإنشاء نقابة “وكلاء الدعاوى الشرعية” ككيان موازٍ إلى جانب نقابة المحامين اليمنيين، رغم أن الدستور ينص على أن المحاماة هي المهنة الوحيدة المخولة بتمثيل الغير أمام القضاء.
ويأتي ذلك ضمن استهداف ممنهج للمحامين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، حيث تمثل نقابة المحامين شوكة في حلق الانقلاب الحوثي لكشفها مئات الجرائم التي ترتكبها المليشيا الانقلابية بحق المعتقلين والماثلين أمام محاكمها غير الدستورية.
واعتبر مجلس نقابة المحامين اليمنيين في صنعاء، في حالة انعقاد دائم، رداً على الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها مليشيا الحوثي لإزاحة النقابة من الساحة، والسيطرة الكاملة على القضاء وخصخصته.
وتهدف الممارسات الحوثية التعسفية ضد نقابة المحامين إلى تقويض المهنة وإلغاء دورها الدستوري والقانوني، واستعادة الإطار القديم لإجراءات التقاضي القائم على اعتبار وكيل الشريعة تابعا للقاضي وليس المحامي طرفا في المعادلة القضائية.
ووفقاً لبيان نقابة المحامين اليمنيين الصادر منتصف ديسمبر/ كانون أول الماضي، يلاحظ وجود توجه لتدمير مهنة المحاماة واستبدالها بوكلاء الشريعة، وذلك من خلال إعطائهم دوراً ومجالاً واسعاً للحلول مكان المحامين.
وتنوعت الانتهاكات والاعتداءات ضد مهنة المحاماة؛ أبرزها الحبس الذي يطال المحامين من قبل بعض القضاة وأعضاء النيابات المنفذة لتوجهات الحوثيين، وبالمخالفة الصارخة لأحكام القانون.
وبحسب بيان النقابة، فإن بعض وكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية يقومون بالتحقيق مع المحامين رغم أنه لا ولاية ولا اختصاص لهم مطلقا، بل يعود الأمر لنيابة الاستئناف كون المحامي يعتبر موظفاً عاما وفقاً للقانون.
ورغم استمرار وتكرار هذه الانتهاكات وقيام النقابة بإبلاغ الجهات ذات العلاقة، إلا أن النقابة لم تتلق أي تجاوب أو تفاعل جاد من مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي الخاضع لسيطرة الحوثيين، على حد تعبير البيان.
كما تهدد الانتهاكات الحوثية ضد النقابة مصير آلاف المحامين البالغ عددهم أكثر من 10 آلاف، موزعين على جميع المحافظات اليمنية.
وتزايدت في الآونة الأخيرة مشاريع قوانين وتعديلات قوانين، قدمتها حكومة الانقلاب إلى ما تبقى من أعضاء مجلس النواب الخاضع لسيطرتها في صنعاء.
“دعشنة” القضاء
وخلال الأشهر القليلة الماضية، قدمت مليشيا الحوثي أكثر من 10 مشاريع لتعديل قوانين ومشاريع قوانين، عبر مجلس النواب الخاضع لسيطرتها، آخرها مشروع تعديل “قانون المرافعات” الخاص بفصل الدعاوى في القضاء اليمني، والذي يمنح المحامين حق التمثيل بجانب الأقارب.
“العين الإخبارية” حصلت على وثائق تظهر بعض التعديلات الحوثية لمواد “قانون المرافعات” المطروحة لدى البرلمان غير المعترف به بصنعاء، والذي يعد انتكاسة غير مسبوقة، وينص صراحة على إلغاء مهنة وقانون المحاماة، في مخطط لشرعنة وكلاء بلا مؤهلات علمية لفصل الخصومات، عبر إحياء محاكمات العصور القديمة.
وتعليقا على الوثائق التي تأتي في شكل صفحات ونموذج لأجزاء التعديلات الحوثية والمشاريع المقدمة، ترى مصادر يمنية أنها تهدف لتحويل المحاكمات في صنعاء إلى نسخة مماثلة لمحاكم التفتيش التي سادت أوروبا في عصر ما قبل النهضة .
وبحسب المصادر لـ”العين الإخبارية”، فإن مليشيا الحوثي تحاول فرض فقرات تكفيرية متشددة توسع من دائرة التطرف وتضيف حالات إعدام جديدة إلى القانون اليمني الذي يتضمن أكثر من 300 عقوبة إعدام، في إشارة إلى مخطط حوثي لتوسيع أحكام الإعدام ضد مئات المعتقلين المدنيين في سجونها غير القانونية، وإسقاط حق توكيل محامي للترافع بالتهم الملصقة بهم.
وترفض نقابة المحامين اليمنيين هذه التعديلات، وتؤكد أن مهنة المحاماة كانت وعلى الدوام – رغم الظروف السياسية- تتمتع بقوة المبادئ السامية المقدسة، بحيث لا يمكن المساس بها دون أن يتعرض النظام القضائي برمته إلى الاهتزاز، ودون أن ينتقص حق الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين.
وحذرت النقابة، إلى جانب اتحاد المحامين العرب، في بيانين منفصلين،من التعديلات الحوثية للقوانين النافذة، معتبرين أن أي مساس بمنظومة التشريعات والقوانين في هذه المرحلة، عبر إقرار أو تمرير أي تعديلات، من شأنه تكريس الانشقاق والانفصال والمساس بوحدة اليمن وتشريعاته.