“موت النخيل”.. حرب الحوثي تحرق “سلة غذاء اليمن”

المرسى – وكالات

تواجه أكثر من مليون نخلة مثمرة في “وادي الجاح” غربي اليمن خطر الاندثار إثر تحويل مليشيا الحوثي للبلدة ثكنة عسكرية ضخمة.

ومنذ 2018 يتمركز مسلحو مليشيا الحوثي وسط غابات ومزارع النخيل الكثيفة في “وادي الجاح” الواقع غربي مديرية بيت الفقيه بمحافظة الحديدة، عقب تهجير معظم سكان الوادي وتحويله إلى حقول ألغام وثكنات للقناصة وللمجاميع الهجومية.

ويتحصن الحوثيون خلف الغطاء النباتي لغابات النخيل الممتدة عبر 8 كيلومترات على جانبي الوادي الذي ينتهي إلى البحر الأحمر، استحدثت فيها المليشيا الإرهابية مئات الخنادق والثكنات والأوكار لتنفيذ الهجمات والتسللات، فيما قامت بتلغيم أجزاء واسعة من مزارع المواطنين.

وتسببت الاعتداءات الحوثية بموت مئات الآلاف من أشجار النخيل في السهل التهامي بالحديدة المعروف بسلة غذاء اليمن وفقاً لتقديرات مختصين لـ”العين الإخبارية” أكدوا جفاف مساحات شاسعة من المزارع لعدم قدرة مالكيها على الوصول إليها أو ريّها.

ويعد وادي الجاح أحد أكبر أودية النخيل في اليمن ويمتاز بجودة إنتاجه من التمور والرُطب المعروفة محلياً بـ”المناصف”، كما تحظى أشجار النخيل بمكانة خاصة في الوجدان والتراث الشعبي حيث كان يقام مهرجان النخيل سنوياً ابتهاجاً بموسم جني الثمار باعتباره محصول استراتيجي للأمن الغذائي.

كما تعد البلدة نموذجا لمئات المزارع في “الدريهمي” و”بيت الفقيه” و”التحيتا” والتي تضررت بشكل كبير إثر زرع الحوثيين للألغام المموهة والتي أعاقت وصول المزارعين لهذه المزارع، فضلاً عن عملية تهجير حوثية أجبرت الآلاف للنزوح وتركهم خلفهم مزارع النخيل ومحصول التمور ما تسبب بانخفاض حاد في الإنتاج.

وأدت عملية الكر والفر الهجومية لمليشيات الحوثي في قرى ومزارع “الجاح” للنخيل إلى حرمان آلاف الأسر الفقيرة، التي تعتمد على زراعة النخيل وبيع التمور، من مصدر رزقها الرئيسي بعد أن أصبحت نخلها “أعجازاً خاوية”.

وتشير التقديرات إلى تضرر نحو مليون نخلة من بين 4 ملايين نخلة بين محافظتي الحديدة وحضرموت، بلغ محصولها خلال الخمسة سنوات قبل الأزمة اليمنية نحو 57 طنا متريا من التمور، وفقا لتقارير دولية.

– سلامة.. حصاد العمر

مزرعة صغيرة تحوي 500 نخلة، هي كل ما تمتلكه الحاجة “سلامة إبراهيم” التي ربّت كل غرسة حتى كبرت كإحدى بناتها، حد وصفها.

في عمر الـ 85 جاء مسلحو مليشيا الحوثي إلى مزرعة “سلامة” في وادي الجاح وأرغموها تحت التهديد على المغادرة والنزوح بعد أن كانت قد رفضت ترك منزلها ومزرعتها رغم القصف المدفعي الحوثي وتدمير نخيلها.

تحدثت “سلامة” عن مأساتها لـ”العين الإخبارية” قائلةً إنها كانت وعائلتها مكفوفة الحال قبل مجيء الحوثيين ثم أصبحت معدمة بين عشية وضحاها عقب تدمير وموت نخيلها واحتلال مليشيا الحوثي لمزرعتها ومنزلها.

ومن مخيم النزوح تحكي “سلامة” بحسرة: “كان يأتي الموسم وكنا نبيع محصولنا من الرُطب (المناصف) ونخزن التمر ونصنع منه الدبس (القُطارة) ونجني عائداً مناسباً، أما الآن حتى المساعدات الإغاثية لم تعد تصل إلينا”.

وتضيف العجوز الطاعنة في السن: “لم يترك الحوثيون لنا شيئاً، لقد دمروا كل ما زرعناه طوال حياتنا”.

– من يعوض فتيني؟

عقب 7 سنوات من غرسه ألف نخله، كان “عبدالله فتيني” ينتظر أول جنىً لثمارها عندما هاجم الحوثيون مزرعته في وادي الجاح منتصف 2018.

الحلم الذي طال انتظاره قرابة عقد من الزمان، تلاشى في لحظات، حسب تعبير “فتيني”، فقد باغتت عناصر مليشيا الحوثي مزرعته ليلاً وتمركزت فيها ومنعته من دخولها، وهددته إن حاول العودة إليها.

وعقب احتلال الحوثيين لمزرعة “فتيني” قاموا بحفر الخنادق في أرجائها وزراعة الألغام في أطرافها، وبعد مضيّ عامين ماتت جميع النخيل وذهب “مشروع العمر وتعب السنين” أدراج الرياح.

اليوم أصبح “عبدالله فتيني” يعمل على متن دراجة نارية، بالكاد يجني ما يسد رمق أسرته، بانتظار من ينصفه ويعوضه عن خسائره التي ألحقتها به مليشيات الإرهاب الحوثية.

ورغم انتكاسته، فقد استطاع “فتيني” أن ينفذ بجلده وروحه على الأقل بعكس ضحايا آخرين ممن سقطوا بآلة الموت لمليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا ليعيش مشردا تاركا خلفه مزارع النخيل والأراضي الزراعية للمجهول.

– لغم يقتل المزارع معوضة
على أطراف وادي الجاح، لم يكن “يحيى معوضة” في مأمن من العمليات العسكرية الحوثية البعيدة نسبياً عن مزرعته.

بالكاد كان “معوضة”، المنهمك في عمله، يشعر بتحركات الحوثيين حول مزرعته رغم أن المنطقة قد تحولت إلى حقل ألغام في غضون ليالٍ معدودة، غادر “معوضة” في إحداها ولم يعد إلا أشلاء ممزقة.

لم يكن على الحوثيين وضع لوحة تحذيرية لـ “منطقة ملغومة” فتلك من الاختراقات الأمنية التي يخشاها الحوثيون ولا بأس أن يدفع “معوضة” والمزارعون حياتهم ثمناً لاحتياطات المليشيا الأمنية.

ترك “معوضة” خلفه 5 من أفراد أسرته لمصير مجهول بعد موته كما ماتت نخيله أيضاً جراء الإهمال والهلع الذي أصاب أهالي قريته من رؤية جسده الممزق بألغام مليشيا الحوثي الإيرانية.

أصبح مزارعو الجاح، أو من تبقى منهم، يذهبون إلى مزارعهم في كل مرة وكأنها الأخيرة، يتساقطون واحداً تلو الآخر ومعهم تتساقط مليون نخلة سجلت تحت ظلالها تاريخ المنطقة.

Exit mobile version