نبيل الصوفي يكتب.. في علي الشاطر وفيصل الصوفي
المرسى – رأي
علي حسن الشاطر وفيصل الصوفي..
هنيئاً لكما الانتقال إلى رحاب الله، إلى حيث لا يحتاج البشر إلى أحد، ولا يمكن لأحد منهم أن يكون لا ظالماً ولا مظلوماً..
فيكما الكثير من الاختلاف، لكن من تعاملي القليل مع كل واحد منكما رأيت كما عناد وانقسم نصفين..
لم يترك الأستاذ علي برنامجه الشخصي اليومي رغم كل الظروف.
كان آخر لقاء لي به عشية الثاني من ديسمبر.. حيث رتبنا البلاغ الأخير للزعيم، وكانت المرة الوحيدة التي جلسنا معاً لوحدنا، قال إنها حرب الشجاعة والواجب ولا تهم نتيجتها.
كان هادئاً ووحيداً في مقيله الذي لطالما جمع كل مثقفي اليمن.. حتى خلال سنواته الأخيرة أثناء الحرب، من بقي منهم في صنعاء كنت تجده في ديوان “الأستاذ”.
ثم لم أسمع صوته بعدها إلا قبل أسبوع من وفاته، منّيت نفسي بوقت طويل للحديث.. لكن الأقدار كان لها قرار آخر.
خروجه من صنعاء كان مكسباً كبيراً، في تصورنا، هكذا اعتقدناه.. وحين سمعت صوته الواهن لم أدرِ ما أقول، كنت شخصياً أراهن على خروجه ليعيد جمع شتات وجاهات الذاكرة الجمهورية فقط كذاكرة نساهم في نقلها للأجيال القادمة.. وحين أخبرته ضحك بهدوء كأنه يقول: حتى في ظروفنا هذه تنتظرون مني عملاً كهذا.
قهرني رحيلك يا أستاذ.. تتسرب بلادنا حاضراً وماضياً منا، يالفشل جيلنا في الحفاظ حتى على الماضي..!
الجمهورية في أعظم صفاتها، إنها تفتح الطريق للمثابرة والكفاءة، في مواجهة كل التراتبيات التي يصنعها الإنسان لتحمي إنجازات العائليات والجماعيات فيه.. وكان “الشاطر” أحد تجليات هذه الجمهورية، مثله مثل الزعيم نفسه، ابن عائلة عادية اتكأ على ذاته من لا شيء حتى أصبح الرجل الأول في ميدانه.
العسكري المنضبط الذي كان حلقة الوصل الأصدق والأنقى بين السلطة العليا وشخصيات العمل الوطني الحداثية بشقيها اليسار واليمين.
كنا نظن نجاحه مرتبطاً بما توافرت له من إمكانات في التوجيه المعنوي، ثم كشفت الأحداث أن إدارة المؤسسات الإعلامية العسكرية ليست مجرد إمكانات.. وأن “علي حسن الشاطر” قانون لهذا النجاح مع مساحات بشرية للخطأ والصواب والاتفاق والاختلاف.
وفيما لم أفق من صدمة رحيل الشاطر فجعنا موت “الجنرال”.
فقيدنا الذي رحل في ذات الأسبوع “فيصل الصوفي”.
هكذا كنا نسمي فيصل في مجموعتنا الإعلامية الأولى التي التحقت بمعسكر “بئر أحمد” في عدن مع تشكيل اللواء الأول حراس جمهورية بعد الاتفاق بين اللواء عيدروس الزبيدي والعميد طارق صالح برعاية الأشقاء في التحالف.
لم نكن ندرك طبيعة المهمة التي يمكن لنا كإعلاميين أن نؤديها داخل مجموعة عسكرية يعاد تشكيلها من الصفر عقب اكتمال حلقات سقوط دولة الجمهورية والمواطنة.
فقرر العميد طارق إدخالنا دورة عسكرية ضمن اللواء، وكان “فيصل” الأكبر سناً والأكثر حماساً وانضباطاً وتفاعلاً.. وأعدنا تعريف ذواتنا في ميدان الجندية، وها نحن نودع الثاني منا بعد الأول: أحمد الرمعي.
وكنا نعتقد صفة الجنرال مزحة تبادلها الصوفي ورفاقه في عنبر الخدمة، لكن انتقالنا للساحل الغربي، كشف لنا ما لم نعرفه من قبل عن “المناضل” الحقيقي فيصل الصوفي.
عشنا ظروفاً وما زلنا نعيش بعضها، في غاية القسوة، مزحومة بادعاءات بعضنا عنا بأننا رجال دولة وأننا المتفردون وادعاءات كانت قيوداً تزيد من إرباكنا في واقع لا تنفع معه الادعاءات إطلاقاً..
ولم أرَ واقعياً ملتزماً مثل الأستاذ فيصل، وبدا يتلفت حوله كأنه شاب في مفتتح العمر، يعيد بناء وعيه ومعرفته بالزمان والمكان.. كان لرجل في مثل عمره أن يستسلم لالتزامات الزمن، فيقلل من حركته ويزيد من شروطه ويكثر التأفف، لكن هذا “العجوز” الذي كان ينادينا جميعاً “يا ابني” لم يكن أياً من ذلك.. سكن في بلكونة دار مهجورة في جبهات الدريهمي، وكان يتحدث عن مسكنه كأنه الدار كله.
يحاضر.. يكتب.. يبحث.. يدون.
تولى إدارة المركز الإعلامي للمقاومة الوطنية لأشهر، وعاد لبرنامجه اليومي بعد تغييره كأن شيئاً لم يكن..
الله يا فيصل، لا يحق لنا معاتبة رحيلك.. فقد حررك الله من المرض الذي نهش كبدك، لكنك ستترك فراغاً لا يملؤه إلا الفقد والوجع.
- من صفحة الكاتب على الفيسبوك