تتجه الماكينة العسكرية للجيش الأمريكي على لسان قادتها نحو تضخيم المواجهة مع الحوثي، حد القول إنها لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، وهو قول مخاتل أو يقدم أنصاف الحقائق، فمن جهة نعم الحوثي قوي بما هي عليه الأطراف الداخلية الأُخرى، من ضعف مقصود وتهميش مدروس، وهو ضعيف في الوقت ذاته بمقارنته مع جيوش بحجم الولايات المتحدة وبريطانيا، وعموم أوروبا.
تضخيم قوة الحوثي أمريكياً يأتي لتوفير المبرر، للهروب من أسئلة المهتمين بالمنطقة، حول أسباب عدم الحسم وإطالة أمده، والتعاطي مع هجمات الحوثي بقدر كبير من المراعاة حد التدليل، وتقطير الضربات بما لا تخرج عن قصف مسيرة هنا وصاروخ هناك، دون تقويض البُنى العسكرية والقاعدة التحتية التسليحية وتوسيع بنك الأهداف، وهي معلومة للأمريكان بالضرورة.
هناك اتفاق يشبه اتفاق الجنتلمان، تتلاقى فيه الحسابات ويتم ترسيم قاعدة الاحتكاك، حيث تأخذ الطابع الرقمي: عدد كم صارخ حوثي يقابله كم هجمة امريكية، مع الحفاظ على الخطوط الحمراء المستوعبة حوثياً: الاقتراب من الأساطيل والمدمرات الأمريكية، وهو الخطأ المميت إن أراد الحوثي الانتحار، من الإطاحة بأكبر رأس سياسي قيادي حتى أصغر قائد ميداني.
ليندر كينج في المنطقة بين الرياض ومسقط، يحمل في حقيبته اللاءات المكررة والجزرة، حيث فك الاشتباك المنخفض مع الحوثي في البحر الأحمر، يقابله تعميده طرفاً رئيساً ومنتفعاَ أكبر من العملية السياسية، وفي الأفق المنظور ترتيب صفقة سريعة، عنوانها وقف الهجمات مقابل إعادة النظر بالإجراءات الاقتصادية للحكومة الشرعية، وإن لم تكن بالأمر المباشر، فبتخريج صيغ تلتف على تلك الإجراء المالية، الموجعة للحوثي كياناً سياسياً وآلة حربية.
تدرك الإدارة الأمريكية أن أفعال الحوثي بالنتيجة تخدم مصالحها الاستراتيجية، يشرعن لحضورها المسلح في المضائق المائية الدولية، ويؤسس لمتلازمة بقاء النظام الخليجي مرهوناً ببقاء القوات الأمريكية في المنطقة.
الحقيقة أن الحديث عن قوة الحوثي، عملية تشبع غرور الجماعة، وتطيل الحبل السري لبقاء سيطرتها على الداخل، المؤجلة كل استحقاقاته الحياتية على شماعة الحروب المتناسلة، مع أن واشنطن تدرك جيداً أنه -الحوثي- قوة ليست خرافية ليست مهولة وليست عصية على الاحتواء، هو قوي تجاه ضعف الشرعية، وهش بما لا يجوز معه القياس، أمام القوة الأمريكية العالمية الأعظم.
في نقطة ما، عند منعطف ما، ستتعزز المصداقية الحوثية المضروبة شعبياً، وتُحدِث انعطافة حاسمة، تلك الانعطافة تكمن في استهداف بالإصابة المباشرة أصغر قطعة عسكرية امريكية، وسقوط جندي واحد، وما دون ذلك يبقى الحوثي مجرد قرصان سفن مدنية، وقوة هامش حركته مسوح به أمريكياً.
من صفحة الكاتب على إكس