السلام مع الحوثي.. واقعة أفغانستان في اليمن
المرسى – رأي
عمليتان جاريتان في البحر وعلى طاولات التفاهمات، ينفذها الحوثي بالصواريخ والقرصنة، ويفر من تبعاتها بالمناورة السياسية التفاوضية، لكسب الوقت بالدوران حول بنود خارطة الطريق، ودون أن يلغي دور الشرطي الأزعر في المنطقة، لتكثير مكاسب إيران جراء العبث بالمصالح الدولية، وتحصين نفسه عن أي رد فعل مسلح بالقول إنه يقبل بخارطة طريق للحل وإنه جماعة غير مارقة.
بمحاولة عدم قطع شعرة معاوية بين عدوانيته المعلنة، ودرع الحماية التي تمنحه أياه ورقة التفاهمات، يدرك الحوثي جيداً أنه يشتري الوقت، ويحيِّد الخصوم الإقليميين، ويعطل دولياً مشروع الضربة المرتقبة لمعقل ومفاصل قوته.
الحوثي يسوق الوهم للجميع، ينفذ بجلده من العقوبات، ويحاول أن يكسر الحصار السياسي من حوله، بإعادة تعريف نفسه كطرف سلام يتعاطى بإيجابية مع مسودة التسوية في نسختها الأخيرة، ما استدعى التئام، على وجه الاستثنائية والسرعة، اجتماعات في الرياض دعا إليها العليمي أعضاء مجلس القيادة والبرلمان والحكومة والنواب والشورى، لإقرار خارطة طريق في صياغتها الكاملة، بشقيها الثلاثة الإنساني والاقتصادي والسياسي، ومسقط عُمان ترحب والرياض في منتهى السعادة لأريحية الحوثي، الذي يقصف ويخترق أجواءها ويهاجم اقتصادها النفطي في البحر، ثم يهمس لها بسخرية: نحن لم نسقط خياري القتل العبثي والسلام..!
الحقيقة، الحوثي فاوض حول ورقة التفاهمات، وأقر الخارطة عبر الزيارات المتبادلة بين صنعاء والرياض والقنوات الخلفية، والآن سيفاوض مرة أُخرى إلى ما شاء الله حول آلية التنفيذ، ليخرج قوته بعيداً عن خطر الاستهداف، والتعطيل ما أمكن لقرار إبعاده من مناطق الحساسية الدولية في البحار، إلى الداخل قليل النفع باستثناء مناطق الثروة المرشحة للتصعيد حولها، وسيتم تحصين مناطق المصالح الاقتصادية الدولية، وتأمين الحدود السعودية، باتفاقات ثنائية، في ما سيُترك الداخل يتعفن بالحرب الأهلية، أو بفرض واقعة أفغانستان في اليمن: انسحاب مفاجئ لقوات التحالف، وانقضاض حوثي كأمر واقع على الحكم.
لن نقول إن طرفاً قد ابتلع الطُعم في منح الحوثي طوق نجاة عبر رفع سقف الأداء الدبلوماسي الأممي الإقليمي المحلي، حول التسوية في هذا الفاصل الزمني بالغ الخطورة على الحوثي، ولكن جميع الأطراف باستثناء الحوثي يراهنون على أنه يشاغب، وبضمه تحت سقف العائلة، يمكن تحويله من الولد السيئ إلى الولد الصالح قليل المخاطر.
لا يهم هل سيتم خلال أيام التوقيع على خارطة الطريق، أم ستجري عملية تحنيطها في أضابير صنّاعها وتصنيمها، الواقع أن هناك طرفاً يتهافت على إنجازها، حد التنازل للحوثي في ذروة عدائيته، وطرف آخر يدرك جيداً ما يريد وهو يناور بقبول الخارطة، ويصنع منها حائط صد لحمايته وإفساد مشروع عسكري دولي هو قيد الإنجاز، مشروع يدعم مناهضيه ويطيح به كقوة مفصلية من قوى الصراع في اليمن، وحرمانه من الحديدة وموانئها، ومناطق القوة الجيوسياسة.
الترويج لخارطة التفاهمات الآن، يأتي ليجمع المتنافرات: الحديث عن سلام وإدانة لعربدة الحوثي في البحر في آنٍ معاً، والمضي بإصرار غير مبرر على تحويل العصابة إلى جماعة سياسية وطنية، والقرصان إلى شريك في بناء وإدارة دولة.
وسط تعب الجميع من الحرب لن نصنع غلالة يأس، ونفسد احتفالات قرع أنخاب التسوية في مسقط والرياض، ولكننا في الوقت نفسه من باب الحيطة لن نصادر حقنا في التحذير من أن استحقاق السلام وورقة التفاهمات، هو لصنعاء هدية يلتقط فيها الحوثي أنفاسه، يغادر مساحة عزله، يفرغ حمولة الضغوط من حوله، ويعيد متى شاء تصدير عدائيته للداخل والإقليم، ومصالح العالم على حد سواء.
- من صفحة الكاتب على إكس