أبو يمن ما في زيه
المرسى – فكري قاسم
يولد اليمني بجناحين وجواز سفر، ولو تخيره بين العالم وبلاده؛ يختار بلاده طبعا حتى ولو كانت خرابة. ولكنه على الدوام يختار العيش بعيدا عنها غصبا عنه وعن طموحه في البقاء فيها.
واليمني بشكل عام؛ لما يكون عايش في بلاده يجعثها وتجعثه؛ ولما يكون عايش في بلاد الناس يكون اكثر واحد متلزم بالأنظمة والقوانين ودائما يجري المقارنات ويقول “هيا لو بلادنا فيها نظام وقانون ماعيقع بنا؟”.
وفي الظاهر عموما يتحدث اليمنيون عن الفضائل كلها وينتقدون الرغبات؛ وقال الله وقال الرسول؛ عبارتين لزيمتين لدى السواد الأعظم من الناس.
وفي الباطن الله يستر، تحدث الأفعال والأهوال ويشاهد المرء مجتمعا باطنيا لا تنقصه الأخلاق ولا تنقصه المروءة وإنما تنقصه الحرية ليختار ما يريد.
وبسبب الكبت والقات يفكر اليمني بالجنس بشكل متكاثر ويعتبر الحديث عنه قلة أدب، وأول ما يتزوج “يسمن” فيسع، وبعد سنتين ينحل ويضعف وتسأله مسرع يا فلان؟ يقلك:
– خلاااص كمل ابو الليم.
وهو كائن ظريف تسأله كيف الأوضاع يا فلان؟ يختصر لك كل ما هو حاصل في العالم بكلمتين اثنين ويقلك:
– الدنيا معصودة عصيد.
وكسر رأسه لما تسأله كم الساعة لأنه الكائن الوحيد على كوكب
الأرض الذي يعيش الحياة متحمل الأيام فوق “أعدانه” وما يصدق متى يجزع اليوم ومتى يخلص الشهر ومتى تنتهي السنة وتجي التي بعدها وكل الأيام والشهور والسنين عنده متشابهة وكل البُرم عنده لسيس الأمر الذي يجعل منا شعبا تائها يتزوج باكرا ويشيخ باكرا ويأوي باكرا الى تل الخسارات.
وفي حياته اليومية يكلمك اليمني في السياسة أكثر مما يكلمك عن أطفاله وعن شغله وعن هواياته وخيباته ونزواته.
ويخجل من الإطراء ويكره الانتظار والوقوف في الطابور.. وهو في كل أحواله كائن ودود لا يجيد التعبير عن وداده بيسر.. وهو متقلب المزاج بطريقة ظريفة، تسأله في الصباح:
– كيف حالك يا فلان؟
يقلك بتفاؤل: نحمد الله ونشكره على كل حال.
وفي العصر أول ما يبدأ تخزينة القات تسأله:
كيفك؟
يرد منتعش: اووه في نعمة.
وبعد القات تسأله: كيف الحال؟
يرد عليك بوجه مقلوب وصوت ضجر:
– من حق هذه الأيام.
وفي اليمن عموما يستقبلك الكبير والصغير بكلمة اهلا يا استاذ.. وحياك الله يا فندم؛ حتى لو كنت عاطل بلا عمل.
وكل حدث عظيم ينساه اليمني بسرعة ويعيش حياته بذاكرة مثقوبة وكل حدث جسيم يدخل فيسع الى دائرة المألوف والمعتاد ويصبح بسهولة من لوازم الحياة اليومية.
وتقول لسواق التاكس: اليوم ارتفع سعر الدبة البترول
يرد متذمرا:
– الله يلعن ابوها بلاد.
وينبع فيسع قبل الزحمة الى السوق السوداء يشتري الدبة بكم ما وقعت. وفي اليوم الثاني وانت راكب معه فوق التاكس تسمع صوت المذيع في راديو السيارة يتحدث في نشرة الاخبار عن موجة غلاء فاحشة عصفت بالمواطنين في بنجلادش، وتسمعه يتنهد عليهم من قلبه ويقلك وهو يسوق:
– مساكين الناس في بنجلادش ياخي، الغلاء طحنهم! لكن الله يلطف بالعباد!
يعني مفكود عليهم؛ اما هو قد حل مشكلته وخارج نفسه من السوق السوداء.
وفي الحروب أول يوم يرتعب اليمني على “لقمته” وتشوف الناس في اليوم الثاني في الاسواق ساع الجراد يشتروا قمح وسكر ومقاضي البيت وتتحول الحرب عندهم من اليوم الثالث الى مجبر يومي يتوالهوا به اثناء القات.
وتتحول أصوات القوارح والانفجارات الى مجال مفتوح للفرجة وللشجن. وتسمع “قبول” تتصل بجارتها خديجة في الحارة الثانية تسألها:
-ضربوا عندكم اليوم والا لا؟
ومرشد يسمع صوت قارح في الليل ويتصل فيسع لمهيوب يبشره: – سمعت الدبيج؟
يقوله: أيوه سمعت لكن القوارح حق اليوم رابخات مشهن سع حق أمس.
ومرشد يؤكد له:
– أيوه ياخي ما حق أمس إلا يالطيييف ما خلونا نهجع ولا نرقد! يعني الآدمي مرشد ما يشتيش يهرب، يشتي يهجع ويرقد وعيال اللذينا ما خلوه يهجع.
وعند اشتداد المحن بالذات يتحول إنسان اليمن -بقدرة ذهنية سريعة- إلى قلب ضحوك يسخر من كل شيء.. من الموت ومن الحياة ومن الحظوظ.. ومن الشخوص الذين تسببوا في صناعة العذاب والمحن.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك