مناورات الموقف من “ستوكهولم”: رعاية الشرعية للتمدُّد الحوثي الجديد

رأي – أمين الوائلي

رفضت تعليقات ومصادر سياسيّة يمنية تلاعب الشرعية بالموقف من “ستوكهولم”، واتهمتها بممارسة “المناورات الدعائية والإعلامية”، دون قيمة سياسيّة أو التزام تجاه الدعوات المتزايدة إلى إلغاء الاتفاقية التي تراكم المكاسب المجانية في رصيد مليشيات الحوثي الانقلابية.

ومثلت معركة نهم سبباً إضافياً لاستعراض نوايا الشرعية المتخبِّطة والعقيمة إزاء اتفاقيات كارثية ووخيمة تحافظ على خط خدمة وتدعيم الحوثيين ومنحهم الامتيازات الكبيرة والكثيرة فيأمنون في جهات وجبهات استراتيجية، بينما يتفرَّغون لتسوية جبهات وانتزاعها تباعاً من يد الشرعية.

وتركزت الاتهامات الصَّريحة للشرعية والسُلطات الحكومية التي راحت تناور بتصريحات إعلامية هزيلة ومكشوفة لا ترقى إلى مستوى الموقف، وضاعفت من أزمة الثقة بكفاءة وجدارة السُلطات الحاكمة إن لم يكن بنزاهتها وسلامة نواياها بالنظر إلى الحصاد الكارثي الذي يتراكم تباعاً منذ ديسمبر 2018 وسريان اتفاقية ستوكهولم بشأن الحديدة.

وتلاقت أسباب وعوامل الانتكاسة والخذلان مجدَّداً، تبعاً لحالات حجور حجة والعود بإب والضالع وذي ناعم بالبيضاء، في مجريات التطورات العسكرية الدراماتيكية خلال الأيام العشرة الماضية (النصف الثاني من يناير كانون الثاني 2020) في الجبهة الشمالية الشرقية بين صنعاء ومأرب والجوف، وما أسفرت من نتائج وُصفت بالانتكاسة المريرة لجهة التقهقر الذي مُنيت به قوات الجيش الوطني واستيلاء الحوثيين على مواقع ومساحات حاكمة واستراتيجية في فرضة نهم أو ما تُعرف بالبوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، وعودة الجيش عن مكاسب مبكّرة انتزعها بتضحيات كبيرة في بدايات الصراع 2015/ 2016.

التطوُّرات المؤسفة في نهم وجهة الجوف مأرب وما قيل وسيقال عن الأسباب والعوامل المتشابهة مع سابقاتها من حالات ولا تخرج عنها أعقبت القصف والاستهداف الصاروخي على مأرب ومعسكراتها وما خلف من ضحايا بالمئات، أعادت إلى الواجهة مسألة الجدوى من الإبقاء على الحوثيين آمنين ينعمون بمكاسب وامتيازات ستوكهولم في الحديدة والساحل الغربي، بينما يضاعفون مكاسبهم وحروبهم الانفرادية في غير جهة وجبهة وصولاً إلى نهم ويتهدَّدون مأرب جدياً، معقل تركز القوات والسلطات والإمكانات الكبيرة للشرعية وللتحالف معاً.

وكان طارق صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية وعضو القيادة المشتركة في الساحل الغربي، جدَّد وعبر صحيفة الوطن السعودية المطالبة “بإلغاء مؤامرة ستوكهولم”، مطالباً من جديد الشرعية والرئاسة بأخذ قرار صريح بإنهاء العمل باتفاقية ستوكهولم، الأمر الذي كان قد طالب به مراراً خلال الأسابيع الماضية وأواخر 2019، مؤكداً جاهزية القوات المشتركة لاستكمال تحرير الحديدة وهزيمة ذراع إيران في اليمن.

وإزاء الضغوط والتنديد الشعبي والسياسي والإعلامي، أخذت الشرعية مناورات مكشوفة عبر تغريدة لوزير الخارجية الحضرمي في تويتر وتصريح لناطق الحكومة راجح بادي، لخصا في المجمل عقم وانعدام مصداقية وكفاءة صانع القرار السياسي البعيد كلياً عن شروط اللحظة وحسابات الربح والخسارة سياسياً وعسكرياً وميدانياً.

وبينما المطلوب قرار سياسي بإنهاء عمل وصلاحية ستوكهولم، فإن الشرعية تلطت وراء مظاهر تهرب ومناورات مفضوحة من خلال تصريحات إعلامية لا تسمن ولا تغني وقيمتها في المحصلة صفر كبير، حيث أكد المتحدث باسم الحكومة أن اتفاق ستوكهولم “بات مشكلة وليس حلاً”، مكرراً ما سبق وقيل آلاف المرات في الإعلام والسياسة، مبيناً أن “الاتفاق وفر مظلة وغطاءً للحوثيين في عملياتهم العسكرية، ولم تكن له أي آثار إيجابية.”

ومن الواضح أن الخطاب الرسمي منخفض التمثيل والمستوى بصفة المتحدث الثانوية، يراوح في العجز والتواطؤ الرسمي الفاضح مع ما يساق من شواهد حتى على لسان الرسميين، حيث أضاف بادي: “بعد سنة ونصف السنة وفر هذا الاتفاق مظلة للحوثيين وغطاءً لعملياتهم العسكرية في أكثر من جبهة، إلى جانب عمليات التحشيد في الجبهات العسكرية الأخرى، ولم نجد له أي أثر إيجابي طيلة الفترة الماضية”.

وقال: “كان من الواضح أن هناك استغلالاً من الميليشيات الحوثية لهذا الاتفاق في ظل صمت مخجل من قبل المبعوث الأممي والأمم المتحدة، وعليه فإن التصعيد العسكري الذي حصل في نهم هو ما أنهى هذا الاتفاق وعمل على إعلان وفاته بشكل نهائي ورسمي”.

في الجملة فإنّ كل هذه المعطيات سيقت في التحليلات والكتابات والتقارير طوال أكثر من عام وترفض الشرعية الإصغاء أو التوقف أمامها وما تفرض من تبعات. وتواصل الشرعية هذه المنهجية بإهداء الحوثيين مزيداً من الجبهات والمكاسب بالمجان، وبدلاً من أخذ موقف وقرار تتدرع بتصريحات وتغريدات من هذا القبيل وعلى نحو ما قال وزير الخارجية قبل أيام في تويتر.

وكان وزير الخارجية محمد الحضرمي قال إنه “لم يعد ممكناً أن يستمر هذا الوضع المختل وإن التصعيد العسكري الحوثي الأخير يهدد بنسف كل جهود السلام، والشعب اليمني لن يتحمل المزيد من الصبر في سبيل البحث عن عملية سلام هشة توفر الفرصة لميليشيا الحوثي لتغذية وإعلان حروبها العبثية”.

وأضاف: ”لن نسمح بأن يتم استغلال اتفاق الحديدة لتغذية معارك ميليشيا الحوثي العبثية في الجبهات التي يختارها”، محملاً ميليشيا الحوثي الانقلابية وحدها مسئولية انهيار جهود السلام ودعوة المبعوث لوقف التصعيد وإفشال اتفاق استكهولم.

وقال ”نحن في ظل هذا التصعيد لم نعد نرى جدوى حقيقية من اتفاق الحديدة”.

لكن كل هذا السرد النظري لا معنى له ولا قيمة سياسية ترجى منه طالما كان المطلوب والمتوقع بحكومة وسلطة شرعية أن تأخذ قراراً لا أن تجاري وتنافس المغردين والكُتّاب الناقمين في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

المصدر: نيوزيمن

Exit mobile version