صنعاء عاصمة بمعايير ما قبل الميلاد، لا شأن لها بمعايير العواصم اليوم.
عاصمة خُبئت بين أحضان الجبال، بعيدا عن العالم، لا تزال تعكس خوف اليمنيين القدماء من الغزاة.
خيارها يناسب توجّس الإمامة من العالم الخارجي، بل ممّا وراء أسوارها العتيقة.
والطريق إليها في الأساس عائق طبيعي، وُجد ليصعّب مهمة القادمين من خلف الأسوار.
العاصمة ليست بالضرورة أكبر المدن، أو أهمها، أو أكثرها ارتفاعا، كذلك لا يهم تاريخها وقدسيتها.
بهذه المعايير، يجب أن تكون نيويورك لا واشنطن، اسطنبول لا أنقرة، سيدني لا كانبيرا، شنغهاي لا بكين.
وستحل كراتشي محل إسلام اباد، ومومباي محل نيودلهي، وكيب تاون محل بريتوريا.
تتجّه الشعوب إلى بناء عواصمها قريبا من العالم، في الأراضي البكر، قرب خطوط التواصل.
حتى العواصم الداخلية مثل الرياض والقاهرة بدأت تفقد شيئا من مكانتها لصالح مدن أخرى.
أنشأت مصر العاصمة الإدارية الجديدة قريبا من قناة السويس، وعلى الطرف الآخر من خليج السويس ظهرت نيوم من العدم.
وضعت المملكة كل رهانها في نيوم، في منطقة ربما لم تطأها قدم بشرية على مر العصور.
الفرق بين الرياض وصنعاء أن اليمن لا تمتلك -حاليًا على الأقل- الموارد اللازمة للتغلب على التضاريس.
إنشاء بنية تحتية في صنعاء، تليق بعاصمة البلاد، يكلف أضعاف كلفتها في الحديدة أو حضرموت أو عدن.
يمكنك بناء شبكة طرق وجسور في المكلا بتكلفة شق طريق واحد إلى صنعاء.
التضارس الوعرة التي كانت قديما ميزة تحمي من الأعداء أصبحت لعنة بعد نجاح الحوثي في إسقاط العاصمة من الداخل.
بعد عشر سنوات من التخبط وتوحّش المركزية أيقن العليمي أن نقل العاصمة أسهل من استردادها.
بدأ بسحب البساط شيئا فشيئا، البنوك والاتصالات والمنظمات الدولية.. نقلٌ جماعي إلى عدن.
شعر الحوثي بتلاشي سطوة المركزية، وبعد أن كان يغلق الطرق الواصلة بصنعاء كورقة عقابية؛ أدرك أن الوضع سينقلب ضده.
قريبا لن تكون الطرق إلى صنعاء بذات الأهمية بعد تجريدها من مركزيتها المؤسسية.
تظاهر الحوثي بالمبادرة لفتح طريق تعز صنعاء وهو يعي أنه بات يفك الحصار عن نفسه الآن.