المرسى- راي
مع تزايد حدة الاستقطابات السياسية، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب والانقسام السياسي والتدمير الممنهج الذي طال منظومة الإعلام في اليمن، برز دور المؤسسات الإعلامية المستقلة كعامل أساسي في مكافحة خطاب الكراهية وبناء جسور التفاهم.
يُعد الإعلام المستقل، بما يمتلكه من حياد ومهنية، أحد أهم الأدوات التي تسهم في تحويل السجالات العدائية إلى نقاشات بنّاءة، وتوجيه الأنظار نحو القيم المشتركة التي تجمع المجتمعات، بدلًا من التركيز على الاختلافات التي تُفرِّقها.
توقفت عن الصدور حوالي 119 مجلة وصحيفة مستقلة إضافة لعدد من القنوات التلفزيونية منذ سبتمبر/أيلول 2014، وذلك عندما سيطر الحوثيون على صنعاء، وفق لبيان نقابة الصحفيين اليمنيين، واليوم، لم يتبق في اليمن سوى 13 وسيلة اعلامية فقط إما مستقلة أو تابعة للحكومة.
هذا التصحر في منظومة الإعلام عموما، والإعلام المستقل على وجه الخصوص ينعكس سلبا على جود المحتوى وموضوعيته والقضايا التي يثيرها ويناقشها، حيث تصدر خطاب الكراهية و الدعاية السياسية، على حساب القضايا الإنسان والمجتمع والثقافة، أبرز المشتركات التي يفترض التركيز عليها خلال فترة الحرب.
بطبيعة الحال يتمثل الإعلام المستقل، ثقافة الحوار بين الخلفيات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وبإمكانه أن يسلط الضوء على النماذج الإيجابية للتعايش، وتعزيز وعي الجمهور بخطورة خطاب الكراهية وآثاره المدمرة على الاستقرار الاجتماعي.
يناط بالإعلام الذي ننشده ألا يكتفي بنقل الأخبار، بل يتحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية في نشرها وتحليها، وإعادة صياغة النقاش العام بطريقة تعزز من تلاحم المجتمع وتقلل من حدة الانقسامات.
في هذا الصدد تتجلى إحدى أبرز مساهمات الإعلام المستقل في محاربة الأخبار الزائفة التي تغذي الانقسامات وتؤجج مشاعر الكراهية، وهو أحد أهم الأدوار التي لمسناها في منصات تحقق مستقلة.
من خلال التزامه بالمصداقية والتحقق من المعلومات قبل نشرها، يقف الإعلام المستقل سداً منيعاً أمام الشائعات التي قد تحول خلافات بسيطة إلى نزاعات كبيرة.
كما تُعد هذه المؤسسات منصات تعليمية تساعد الجمهور على التفكير النقدي وتمييز المعلومات الصحيحة من تلك المغلوطة، مما يقلل من تأثير الحملات التحريضية والخطابات العدائية.
علاوة على ذلك، يساهم الإعلام المستقل في إعطاء صوت لكافة الأطياف المجتمعية، مما يعزز الشعور بالعدالة والانتماء ويقلل من مشاعر الإقصاء.
هذا التوازن في الطرح يجعل من الإعلام المستقل أداةً فعالة في معالجة القضايا الحساسة دون الوقوع في فخ الانحياز أو التحريض، ما يُسهم بشكل مباشر في تعزيز السلام المجتمعي.
تلك السمات والأدوار والنماذج، كفيلة بأن تأكد بأن دعم الإعلام الحفاظ على استقلاليته يُعدان مسؤولية جماعية، من أجل التصدي لخطاب الكراهية والحفاظ على المجتمع من التشظي والتصدع، إذ لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي دون إعلام حر ونزيه يعكس تطلعات الشعوب والمجتمعات نحو العيش المشترك في عالم أكثر تسامحاً وإنسانية.
*تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع إعلاميون من أجل السلام الذي تنفذه مبادرة Light Art بتمويل من مؤسسة القافلة للتنمية.