بقلم/ محمد عوض ابن الوزير
زيارة رئيس الصين الى الرياض وانعقاد القمم الثلاث فيها بداءت في تغير الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وإيران الخاسر الاكبر. ردة الفعل الايرانيه بإستدعاء السفير الصيني لديها لم يكون سببها الرئيسي محتوى بيان القمة الخليجية الصينية، وانما تخوفها من زيادة التقارب العربي الصيني بقيادة السعودية على حساب مصيرها الداخلي ونفوذها الاستراتيجي في منطقة والعالم.
ايران أبرمت إتفاقيات طويلة المدى مع الصين ضمن مبادرة الحزام وطريق، لتكون الطريق البري للصين الى أسواق أوروبا والشرق الاوسط. حاليًا، تقوم الصين ببناء العديد من السكك الحديدية والموانئ بمليارات الدولارات من اجل نقل لبضائعها للعالم بعيدًا من مضيق ملقا الاستراتيجي، الذي اذا اغلق من قبل اعداء بيجين، سوف تتوقف ٨٠ بمئة من تجارة الصين مع العالم!
تلك الاتفاقيات الايرانيه الصينية تعد المصدر الاهم للاستقرار النظام في طهران. النفوذ الايراني في العراق، لبنان، سوريا واليمن ليس من اجل بناءً علاقات اقتصادية طويلة المدى، وانما استراتيجية امنية للحفاظ علي نظام الحكم في طهران خارجيًا. ولكن داخليًا، ايران تحتاج الصين لبناء اقتصادها، لتوظيف الشباب وزيادة المستوى المعيشي لشعبها، هنا الاستقرار المستدام الذي تبحث عنه ايران مع الصين.
روسيا لا تستطيع ان تقدم شي لإيران سوا صوتها في مجلس الأمن. موسكو غنية بموارد الطبيعية وانتاج الاسلحة، ولكن ايران كذلك غنية بموارد الطبيعة وخصوصًا ألغاز الطبيعي. واما عن الأسلحة، فروسيا هي التي تشتري المسيرات والصواريخ الايرانية في حربها على اوكرانيا. لن تستفيد ايران اقتصاديًا من روسيا، علما بان الدولتين تحت العقوبات الغربية. ولكن الصين هي الرئة التي تتنفس منها ايران لحماية امنها داخليا ولتمويل نشاطاتها الخارجية، حتى اتا ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وضغط على المجرى الجيوسياسي والاقتصادي لإيران في آن واحد.
زيارة ألرئيس شي جين بينغ الى الرياض فتحت الباب أمام الصين لحماية وزيادة مصالحها الاقتصادية في العالم وتنفيذ مبادرة طريق الحرير الجديد. علينا ان نفهم جيدا بان الاستقرار السياسي في بيجين وثبات الحكم للحزب الشيوعى الصيني يعتمد بشكل اساسي على النمو الاقتصادي، وإذا تعثر الاقتصاد الصيني، سوف يتاثر الاستقرار السياسي سلبًا. ولسبب بسيط، يعيش في الصين اكثر من مليار و أربع مائة الف انسان، بمختلف الأعراق والديانات. الاستقرار هناك يعتمد على نمو الاقتصادي لتوظيف الشباب والانفاق على الامن الداخلي، الذي تعد ميزانية اكبر من ميزانية الجيش! فاستمرار النمو في الصين هو استمرار للاستقرار الامني والسياسي لها. وهذا ما قدمته قمم الرياض للصين.
بقيادة المملكة العربية السعودية، عرضت دول الخليج والدول العربية الاخرى على الصين الشراكة الاستراتيجية طويلة المدى لتشمل جميع القطاعات الاقتصادية والامنية والسياسية وغيرها. فماذا سوف تختار الصين ؟ ايران التي تعيش عزله دولية ومظاهرات شعبية ضد النظام؟ ام ٢٢ دولة عربية من آسيا الى حدود أوروبا في افريقيا ؟ تشمل اهم الممرات البحرية في العالم؟ ومنها سوف تدخل الاسواق الاوروبية والافريقية معا؟
طبعا، وبلغة الارقام تقول ان من مصلحة الصين الاقتصادية وللحفاظ على وحدتها وامنها القومي، اختيار العالم العربي إستراتيجيًا، اكثر من طهران. هذا ما انجزته قمم الرياض وهو ماجعل ايران تستدعي سفير الصين لديها. نحن نشاهد تحولًا جيوسياسي جديد في المنطقة ليس لصالح ايران، فالمملكة العربية السعودية استطاعت التاثير في المراكز القوى في الشرق والغرب وايران ورطت نفسها في حرب اوكرانيا، حربا لا ناقة لها فيها ولا جمل.