رأي – سعيد بكران
قبل فترة كتبت عن الصدام بين تيار السيدة توكل (كرمان) وم.غ (مروان الغفوري) وتيار الشيخ العديني والزنداني.
الكثير ظن أن محاولة الفهم التي وردت في المنشور هي نوع من العمل على إثارة المشاكل في معسكر الحركة الإسلامية والانقسامات وبعضهم اعتبره نوعا من الشماتة، وهاتان نظريتان خاطئتان.
أولاً: لأن التيارين هما نتاج الحركة الإسلامية (تنظيم الإخوان فرع اليمن) وهذه حقيقة.
وثانياً: الفكرة الإسلامية الحركية واحدة، لكن التعبير عنها هو المختلف بسبب البعد المرحلي والزمني لكل طبقة من الطبقتين.
ففي زمن التأسيس الدعوي الحركي كانت طبقة الدعاة والمشايخ وأئمة المساجد صاحبة الحضور الطاغي والأوحد، وكان لهم أدواتهم المناسبة للمرحلة ومقتضياتها.
اليوم تخطت الحركة الإسلامية مرحلة التأسيس وأصبحت بالفعل موجودة وبات المتطلب الحركي الدفع بجيل إسلامي جديد قادر على الاندماج ونقل المشروع الإسلامي من منابر الدعاة إلى دوائر صنع القرار ومن منظومة الجمعيات الخيرية الدعوية إلى نظام المنظمات والهيئات الدولية.
وهذا الانتقال الاستراتيجي من وجهة النظر الحركية الإسلامية يحتاج لانتقال تنظيمي وحركي داخل الجماعة من زمن التأسيس إلى عهد الاندماج والتكيف من متطلبات الإطار الزمني والواقعي، ومن خطاب الدعوية المسجدية السياسية إلى نهج السياسية الحركية الإسلامية، على طريق ونهج العالمية الإسلامية الحركية التي تنقل التأثير الإسلامي السياسي من جغرافيا التأسيس الإسلامي المحلية إلى نطاق العالمية.
لهذا الانتقال أيضا أسباب واقعية تتعلق بفشل تيار التأسيس الدعوي الحركي الذي يمثله الشيوخ والدعاة كأمثال العديني والزنداني في المواكبة السريعة لحاجات التنظيم بانتقال سريع، وهذا التلكؤ هو أحد أسباب فشل مشروع الربيع العربي بانعدام القدرة لدى طبقة الدعاة المؤسسين من التحول أو ترك جماهير الجماعة تنتقل بشكل سريع وآمن لمرحلة وخطاب مرحلي جديد قادر على التخفي والاندماج والارتباط بالأطر الدولية والتيارات العالمية غير المسلمة.
يبدو أيضاً أن هناك اتفاقاً إقليمياً على طي صفحة مرحلة الدعاة والشيوخ والدفع بالطبقة الجديدة من الجماعة الأكثر قدرة على التكيف.
بمعنى أن إزاحة الطبقة والمرحلة الدعوية التأسيسية ورجالها وأدواتها هو مصلحة مشتركة للتنظيم نفسه وحتى للأطراف الإقليمية المعادية له.
فالتخلص من قدرة الطبقة القديمة على الإمساك بزمام الواقع عبر الخطاب الدعوي الديني التقليدي هو خطوة جيدة ومريحة للأطراف المعادية للتنظيم تجعل الجماعة بعد التحديث مجردة من القداسة الدينية وبالتالي ربما يرى هذا المعسكر أن احتواء الجيل الجديد أسهل من التعامل مع الطبقة القديمة والزمن القديم.
على أن المنطقة ودولها التي ترى الإخوان وفكرهم خطراً ومعيقاً للتطوير تمر اليوم بمشروع تحديث كبير في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية إلى حد ما.
وربما خضعت سياسة ونهج التعامل مع الإخوان إلى التحديث أيضاً وذلك بالانتقال من سياسة الاستئصال إلى نهج فرض التحديث على الإخوان أنفسهم وسلخ الجماعة من عهد الدعوة والدعاة إلى عهد الاندماج والانفتاح والتجريد من القداسة الدينية.
المؤكد من كل ذلك أن ملامح توجه حقيقي لطي مرحلة شيوخ الجماعة المؤسسين وخطابهم وأدواتهم وتصعيد جيل إسلامي حركي سياسي جديد ينظر لشيوخ الجماعة التقليديين وخطابهم الديني كما ينظر الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) لشيوخ الدعوة الوهابية وميراثهم في المملكة العربية السعودية على أنهم كانوا مرحلة لا يمكن أن تستمر مهيمنة من الماضي إلى اليوم.
يمكن من كل هذا فهم عملية الاستبدال التي تحدث اليوم في الدوائر الحساسة في مكتب رئيس مجلس الرئاسة ما بين عهد الداعية عبدالله العليمي، الأقرب إلى طبقة الشيوخ التقليديين، وعهد الإسلاميين القادمين من تركيا برؤية تيار توكل كرمان وجيلها الحركي.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك