المرسى- رأي
ما قاله طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ذكّرني بتاريخ طويل من العواصم العربية التي وقعت بين مطرقة الوصاية الإيرانية وسندان المناكفات الداخلية. أقرأ تصريحاته وأدرك أنه لا يتحدّث عبثاً؛ ليس من أولئك الذين يسرفون في إطلاق الشعارات، ولا ممن يكتفون بالحماسة اللفظية.
في مداخلته الأخيرة عبر الدائرة الضوئية، خاطب قيادات المقاومة الوطنية والمكتب السياسي، فتولّدت لديّ قناعة بأنّ صنعاء أقرب إلى التحرّر ممّا يظنّه البعض، وأنّ اليمنيين قادرون، إن تجاوزوا فرقتهم، على استعادة عاصمتهم من براثن النفوذ الإيراني.
لا حاجة لطارق صالح أن يسمّي الأسماء، فالصورة معروفة حتى لمن يدّعي الجهل. صنعاء اليوم تشبه دمشق بالأمس، والحوثيون ليسوا أكثر من امتداد لمشروع إيراني عابر للحدود، تماماً كما كانت حالة النظام في سوريا.
أعرف، ويعرف معي كل قارئ نبيه، أنّ إيران تستخدم أدواتها ثم ترميها حين ينتهي دورها. وما حدث في سوريا ومن قبلها في ساحات عربية أخرى ليس سراً مدفوناً، بل أكّدته تقارير أممية وصحف غربية عريقة.
طهران لا تقيم مشروعات تنموية مستدامة، بل تزرع ميليشيات مسلّحة تستخدمها كما تستخدم الألبسة البالية، تغيّرها كلما اهترأت.
الحوثيون—لنكن صرحاء—ليسوا حركة وطنية نشأت من رحم الأرض اليمنية، بل بضاعة مستوردة مغلّفة بشعارات خاوية، دعامتها الأساسية دعم إيراني موثّق بتقارير الأمم المتحدة وفِرق الخبراء. حين يُعلِن مسؤولون إيرانيون أمثال عباس عراقجي تساؤلاتهم عن “مسار التواصل” مع اليمن، فهم يعترفون ضمناً بأن هذه الجماعة مجرد أداة يمكن التحكّم بها عن بُعد.
ما نراه هو وصاية إيرانية لا تستطيع الحياة بلا مظلّات خارجية ولا أسلحة تُهرّب هنا وهناك، في مشهد وثّقته بحوث دولية وإقليمية موثوقة.
طارق صالح يفهم الدرس. صنعاء تمرّ اليوم بحالة تشبه دمشق حين استنزفتها إيران. وكما انكشفت الوصاية الإيرانية في سوريا لاحقاً، ستنكشف في اليمن قريباً.
لا أقول ذلك جزافاً، بل أستند إلى وقائع ظهرت في أزمات عربية سابقة، حيث لم تنجح إيران في بناء مشروع دائم، بل تركت خلفها حطام نفوذ حين تبدّلت مصالحها.
هنا مربط الفرس: الوحدة الوطنية هي كلمة السرّ. قالها طارق صالح صراحةً: بلا وحدة سياسية داخلية، ستبقى المياه عكرة تصطاد فيها طهران وميليشياتها.
أما حين يضع اليمنيون خلافاتهم جانباً، ويقدّمون مصلحة الوطن على أنانياتهم، فحينها يتلاشى نفوذ الحوثيين وتخمد نار الطائفية والدعايات المسمومة. هذا ليس درساً نظرياً، بل حقيقة رأيناها في ساحات عدة، من العراق إلى لبنان، إذ ما إن يصحو الشعب على حقوقه حتى تتهاوى أجندات الوكلاء الخارجيين.
إيران، في نهاية المطاف، ليست حليفاً مخلصاً لأدواتها. اليوم تمنحهم السلاح، وغداً قد تتخلى عنهم متى استنفدت الغرض. وقائع الأزمات العربية أثبتت هذا السلوك. لسنا أمام جمعية خيرية، بل قوة إقليمية تلعب بورق ميليشياتها لتضغط على خصومها، ثم ترمي الورقة متى ضعُفَت قيمتها.
بحديثه الواثق، يضع طارق صالح إصبعه على مكمن الداء. المجتمع الدولي اليوم ينظر للحوثيين كمصدر تهديد عابر للحدود، لا مجرد قضية يمنية. تغيّرت المعادلة، وقد يقترب يوم الخلاص. صنعاء لن تبقى رهينة الوصاية الإيرانية، والحوثيون مرحلة ستمضي.
ما يقوله طارق صالح يشبه رؤية رجل يُشاهد المعركة من ارتفاع شاهق، فيرى نهاياتها قبل أن تدركها عيون المقاتلين على الأرض.
هذا يوم مقبل، وليس سراباً. صنعاء للعرب، لليمنيين، ليست جارية تُبعث كمكافأة لإرضاء طهران. حين تتقاطع الإرادة المحلية مع الإقليمية والدولية، يصبح التحرير أقرب ممّا يظنّ البعض. أأجانب الحقيقة إن قلت إن زمن الوصاية في نهايته؟ لا أظنّ. والآتي من الأيام سيكون الشاهد على ذلك.
*من صفحة الكاتب على منصة إكس