يستلهم الحوثيون اعتقالاتهم القسرية واتهامات “العمالة لأمريكا وإسرائيل” أو “التجسس” ضد مجموعة من موظفي السفارة الأمريكية والمنظمات ومؤخراً أكثر من 60 عاملاً في منظمات الإغاثة والتنمية والمجتمع المدني الكثير من التجربة الإيرانية.
منذ عام 1979، اعتقل النظام الإيراني قسرياً المئات من الإيرانيين العاملين في المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية الغربية تحت ذرائع مماثلة وفي ظروف سياسية مختلفة. كان الهدف من هذه الاعتقالات تبرير بعض السياسات، أو الإلقاء باللوم على البعض لتعزيز حملة النظام الدعائية، وتوطيد سيطرته على مفاصل المنظمات، وتعزيز نفوذه وأوراق تفاوضه أمام المجتمع الدولي وسحق المعارضة. أدت هذه الاعتقالات بالإضافة لممارسات مماثلة تستهدف الأجانب وغيرها من المواضيع إلى تعزيز سردية التهديدات الخارجية داخلياً، وفي مقابلها خارجياً شجب دولي قوي، وعقوبات اقتصادية متتالية وخفض للاستثمار الدولي وعزل إيران دولياً رغم التفاوض حول إخلاء سبيل المسجونين قسرياً من الأجانب عبر تبادل الأسرى أو دفع الفدية.
أما كثير من الإيرانين فقد نُسيوا. وهناك أمثلة مشابهة في كوريا الشمالية وأفغانستان والصومال وسوريا وغيرها لدوافع متعددة.
يستخدم الحوثيون اليوم هذه الشريحة والتي ستتوسع مع مرور الوقت لتحقيق أهداف مماثلة وعلى رأسها تعزيز سردية التهديدات الخارجية لخلق مزاج عام دافعه ظاهرياً “وطني” ليمكنه من التحشيد بلا حدود لأي هدف يختاره، ناهيك عن ترهيب المجتمع، وتعزيز دور أجهزته وكوادره التي مُكنت وقت الحرب، وقمع أي صوت لا يشبهه أو يتماهى معه، وتشويه صورة البعض لمنع التضامن المجتمعي معهم، واستخدام المواطنين، أي الشعب، كورقة تفاوضية للحصول على ما يريد من الخارج، دولاً ومنظمات، أو حتى الوصول إلى موارد مالية.
لكن كلفة هذا التوجه على المدى الطويل تعني خفض الدعم الدولي لليمن، وتوسع بؤر وإطالة فترات الصراع، وتعميق المعاناة الإنسانية، والتشديد والعزل الدوليين، والتراجع بالبلاد على خارطة التنمية أعواماً ضوئية إلى الوراء.
ذكرني بيان الأمين العام للأمم المتحدة بحصره 13 معتقلاً من منظمات المجتمع المدني في وقت اعتقل فيه أكثر من 60 إنسانا بالمنسيين من المعتقلين الإيرانيين وخصوصاً غير العاملين في منظمات أممية. تُنسى كأنك لم تُكن، تُنسى!
مؤسف ومؤلم وجائر هذا المنحنى اللاأخلاقي والخارج عن القانون الذي يجعل من الشعب ورقة تفاوضية والفرد كبش فداء لأهداف غير وطنية.
الأسوأ أن لا ترى أفقاً حقيقياً ينتصر للمدنيين ومعاناة اليمنيين عموماً في الداخل والخارج الذين عانوا لأكثر من عقد حتى يفرجها الله من عنده. ولله في خلقه شؤون!
من صفحة الكاتب على اكس