الخوف من سبتمبر: لماذا تخشى مليشيا الحوثي الاحتفال بذكرى الثورة اليمنية؟
المرسى- محمد الصلاحي
يعد يوم 26 سبتمبر (ايلول) 1962واحداً من أكثر الأيام الوطنية أهمية في التاريخ اليمني الحديث، حيث يحيي اليمنيون ذكرى هذه الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي الإمامي وفتحت الباب أمام الجمهورية.
ومع ذلك، يلاحظ بوضوح أن مليشيا جماعة الحوثي تتجنب الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، بل وتواجهها بالقمع والرفض.
يتساءل كثيرون عن أسباب هذا الخوف العميق لدى جماعة تدعي أنها تمثل مطالب الشعب وتطلعاته.
فما الذي يدفع مليشيا الحوثي إلى معارضة الاحتفال بهذا اليوم التاريخي؟ في هذه السطور سنحاول تحليل الأسباب الكامنة وراء هذا الموقف المعادي لثورة 26 سبتمبر.
تضارب الأيديولوجيات: عودة إلى الملكية المقنعة أحد أبرز الأسباب وراء خوف مليشيا الحوثي من 26 سبتمبر هو أن هذه المناسبة تمثل تذكيراً شعبياً بنهاية النظام الملكي في اليمن.
الحركة الحوثية تستمد جذورها من النظام الإمامي الذي أسقطته الثورة، وهذا يجعلها تشعر بأنها تواجه تهديداً لشرعيتها.
فعلى الرغم من التغييرات الشكلية التي تحاول مليشيا الحوثي إدخالها على خطابها السياسي، إلا أنها في الواقع تسعى إلى إحياء شكل من أشكال الحكم الملكي عبر تحكمها المركزي بالقوة.
الاحتفال بذكرى الثورة الجمهورية يعيد إلى الأذهان الفكرة المركزية القائلة بأن الشعب اليمني قادر على الإطاحة بالأنظمة المستبدة، وهو ما يزعج الجماعة التي تعتمد في حكمها على الاستبداد والتسلط.
الخوف من الوعي الشعبي المتزايد
ترى مليشيا الحوثي في أي احتفال بذكرى 26 سبتمبر تهديداً مباشراً لسيطرتها الفكرية والإعلامية على المناطق التي تحكمها.
الاحتفال بهذا اليوم يعزز الروح الوطنية ويشعل مشاعر الشعب حول قيم الحرية والمساواة، مما قد يؤدي إلى زيادة الوعي لدى الجماهير بخطورة استمرار حكم المليشيا.
ومن ثم، فإن الحوثيين يخشون من أن تتحول هذه المناسبة إلى نقطة تجمع للمقاومة الفكرية والسياسية ضدهم.
التناقض مع رواية الحوثيين التاريخية
تحاول مليشيا الحوثي إعادة كتابة التاريخ اليمني بما يتناسب مع مصالحها وأيديولوجيتها.
في هذا السياق، تمثل ثورة 26 سبتمبر عقبة كبيرة أمام هذه المحاولات.
الثورة الجمهورية جاءت ضد النظام الملكي الذي كان أجداد الحوثيين جزءاً منه، ولذلك فإن الاحتفال بهذه المناسبة يتعارض بشكلٍ صارخ مع الرواية الحوثية التي تسعى إلى تصوير الحكم الإمامي كجزء مشروع من التاريخ اليمني.
أي الاعتراف بثورة 26 سبتمبر يعني عملياً اعترافاً بشرعية النظام الجمهوري، وهو ما لا يتناسب مع طموحات الجماعة في فرض نظام حكم جديد يقوم على الوراثة والتسلط.
مخاوف من توحد القوى السياسية ضدهم
يعد يوم 26 سبتمبر مناسبة وطنية جامعة لجميع الأطياف السياسية اليمنية.
فهو يوم لا يقتصر الاحتفال به على فئة معينة، بل يمثل رمزاً للوحدة الوطنية الجامعة والحرية والمساواه.
مليشيا الحوثي، التي تعتمد على سياسة “فرق تسد” للسيطرة على اليمن، تخشى من أن يشكل هذا اليوم فرصة لتوحيد القوى السياسية ضدها.
وأي تجمع شعبي في هذه المناسبة قد يتحول إلى حراك سياسي أو شعبي ضد سلطتها، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً للمليشيا.
الخوف من فقدان السيطرة العسكرية والسياسية
تدرك مليشيا الحوثي أن الاحتفال بذكرى 26 سبتمبر قد يعيد إحياء الشعور بالمقاومة لدى الشعب، وخاصة في المناطق التي ما زالت تعاني من سيطرتها العسكرية والسياسية.
الثورة اليمنية التي انطلقت في 1962 هي بمثابة رمزية للقدرة على الإطاحة بالنظام الاستبدادي الإمامي ، وهو درس قد يكون محفزاً لليمنيين للتحرك مجدداً ضد الحوثيين.
الجماعة تدرك أن استمرار سيطرتها يعتمد إلى حد كبير على قمع أي حركات مقاومة محتملة، وبالتالي فإن أي احتفال بهذه الذكرى يعد تهديداً مباشراً لبقائها في السلطة.
مليشيا الحوثي تخشى يوم 26 سبتمبر لأنه يرمز لكل ما يعارض مشروعها السياسي والأيديولوجي. هذا اليوم يذكر الشعب اليمني بأن الجمهورية هي الخيار الذي ضحى اليمنيون من أجله، وأن الاستبداد لا مكان له في اليمن الحديث.
بينما تحاول الجماعة قمع أي مظاهر احتفالية بهذه الذكرى، حتى لا يتنامى الوعي الشعبي بثورة 26 سبتمبر ويبقى حاضراً في قلوب اليمنيين، وهو ما يجعل هذا اليوم يشكل تهديداً دائماً لسلطة الحوثيين ويقظ مضاجعهم.