المرسى – العين
أصبح تفعيل آليات ملاحقة القضاة والمحاكم منعدمة الولاية الخاضعة للحوثيين ضرورة ملحة ومطلبا شعبيا وحقوقيا عقب شرعنتها للجرائم الوحشية للمليشيات.
وتستغل مليشيات الحوثي قضاة موالين لها وآخرين نصبتهم بالقوة عقب هيكلتها للقضاء شمال وغربي اليمن في إصدار أحكام جائرة من محاكم بلا ولاية وصلت إلى حد الإعدامات ونهب ممتلكات ومنازل النازحين الفارين من بطش الانقلابيين وتوفير غطاء قانوني للعناصر الإرهابية.
وأخطر هذه المحاكم “المحكمة الجزائية المتخصصة” بصنعاء اليد الغليظة لزعيم المليشيات الإرهابي عبدالملك الحوثي وتخضع لسيطرته وتوجيهه المباشر عبر رئيسها القاضي المدعو مجاهد العمدي، وفق تقارير أممية وحقوقية يمنية وقضاة تحدثوا لـ”العين الإخبارية”.
وبجانب العمدي وجزائية صنعاء قائمة طويلة من القضاة والمحاكم التي تخضع للحوثيين وتشرعن جرائم المليشيات، كان آخرها نهب مئات المنازل لنازحين وسياسيين وبرلمانيين ومسؤولين في عدة محافظات.
وفيما تنعقد المشاورات اليمنية في الرياض، حث يمنيون في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، المتشاورين لبحث آليات تفرض وضع مشرعو الجرائم على اللائحة السوداء ورفع الحصانة عن قضاتها لردع استغلال المليشيات للقضاء ضد شرائح مختلفة من اليمنيين.
أدلة أولية
ويجري الحوثيون محاكمات شكلية تفتقر لأدنى شروط التقاضي بحق نشطاء وصحفيين ومعارضين سياسيين وشخصيات اجتماعية ودينية وتجار مواطنين في نهج إجرامي يستهدف قمع المناهضين لهم وتصفية من تعتبرهم المليشيات خصوما لها في مناطق سيطرتها.
وتوفر هذه المحاكمات أدلة دامغة ضد القضاة والمحاكم الذين شرعنوا جرائم المليشيات، منها إصدار الحوثيين خلال 4 أعوام فقط( 2017 – 2020) 343 حكماً بالإعدام بحق مئات اليمنيين، بينهم 35 برلمانيا.
ومؤخرا أصدرت مليشيات الحوثي مئات الأحكام لشرعنة ومصادرة نهب عشرات الشركات وأموال خصوم سياسيين وحتى منازل نازحين فروا قسريا للمناطق المحررة.
ففي أحد الأحكام، اتهمت مليشيات الحوثي في سبتمبر 2018، 24 يمنيا ينتمون إلى الديانة البهائية، بينهم 8 نسوة وطفل بتهم تنطوي على حكم الإعدام من طرف المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء.
وفي حكم آخر، نفذت مليشيات الحوثي في سبتمبر الماضي إعدامات بحق 9 يمنيين بينهم قاصر بموجب حكم جائر من ذات المحكمة الجزائية المتخصصة وذلك بتهمة الاشتراك في عملية قتل القيادي البارز صالح الصماد الذي لقي مصرعه بضربة للتحالف 2018.
وافتقرت هذه الأحكام الجائرة للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وتؤكد تقارير أممية أن مليشيات الحوثي غير قادرة على ضمان العدالة النزيهة وأنها منذ سيطرتها على نظام العدالة أواخر 2014، استخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء لاستهداف الخصوم السياسيين أو حتى المنتقدين فقط.
محاكم بلا ولاية
يكيف الحوثيون كل قرارات الاتهام وأحكامهم الجائرة خاصة الإعدام كخيانة وتقديم دعم عسكري لخصومها.
ووفقا للخبير القانوني ورئيس مركز العدالة اليمني مختار الوافي فأن المحكمة التي تستخدمها مليشيات الحوثي ضد خصومها ولأهداف سياسية هي المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة منعدمة الولاية ومعها كل المحاكم التي تقع تحت هيمنة مليشيات الحوثي.
وصدر عن المحكمة الجزائية المتخصصة أحكاما كثيرة وأعدم بموجب هذه الأحكام عدد من القيادات السياسية والاجتماعية فيما تواصل هذه المحكمة انتاج الأحكام وفق ما تريده المليشيات الحوثية ودونما أي اعتبار لشروط التقاضي ونزاهة العدالة.
ويؤكد القانوني اليمني في حديث لـ “العين الإخبارية”، أن مجلس القضاء الأعلى المعترف به دوليا أصدر قرارا اعتبر كل ما يصدر عن المحاكم التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية منعدم ولا يترتب عليه أي آثار.
وحول كيفية ملاحقة القضاة في تلك المحاكم جنائيا، أوضح أن القضاة في تلك المحاكم الحوثية هم موظفين رسميين ويمكن معاقبتهم بجرائم ميل القضاة المبينة بالمادة 289 من قانون الجرائم والعقوبات أو بجرائم اساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ وهي أعمال مجرمة أيضا في القانون الدولي.
وفيما أشار الوافي الى أن محاكمة القضاة جنائيا مقيدة بحصانه منصوص عليه في قانون السلطة القضائية المواد 87، 88، لفت إلى أن محاكمة أي قاض يتطلب إذن من مجلس القضاء الأعلى بناء على طلب النائب العام ويحدد مجلس القضاء المحكمة التي تحاكمهم.
رفع الحصانة.. قائمة سوداء
تشكل مشاورات الرياض فرصة ثمينة لأن يضغط مئات الضحايا ممن تم مصادرة أملاكهم أو صدر بحقهم إعدامات جائرة لتفعيل آلية ملاحقة مشروعي الإجرام.
وبحسب الخبير القانوني اليمني الوافي فأنه لا يوجد ما يمنع حاليا اتخاذ أي إجراءات أو محاكمة لهؤلاء القضاة الذين يعملون لصالح المليشيات الحوثية وأنه بالإمكان تجاوز صعوبة إيصالهم بمحاكمتهم فارين من وجه العدالة بعد إعلان ذلك عبر الصحف المحلية.
ودعا مختار الوافي المتضررين من الأحكام الصادرة من محاكم المليشيات الحوثية إلى تقديم شكاوى لدى النائب العام لرفع الحصانة عن هؤلاء القضاة ومحاكماتهم على خطى ملاحقتهم دوليا.
وأكد الوافي أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يجرم إساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ.
وتنص المادة الـ7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
على أن الناس جميعا سواء أمام القانون يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
وتؤكد المادة 10 من ذات الإعلان أنه لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه وتوفر جميع جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
وتعتبر منظمات يمنية ودولية محاكمات الانقلاب الحوثي أنها استهزاء بالعدالة وتأكيد على أن القضاء، وخصوصا المحكمة الجزائية المتخصصة، تحَّول إلى وسيلة للقمع بيد المليشيات الإرهابية.
وطالبت مؤخرا منظمة حقوقية بوضع قائمة سوداء بالقضاة الذين أصبحوا أداة للحوثيين عقب تزايد استخدام القضاء للانتقام من خصوم المليشيات ونهب أموالهم.
ودعت الجهات الدولية وجميع المؤسسات الحقوقية التي تراقب احترام مبادئ العدالة إلى التحرك ضد أحكام الإعدام الصادرة عن الحوثيين ووضع قائمة سوداء بالقضاة الذين أصبحوا أداة في حرب مليشيات الحوثي.
وتقول مصادر قانونية لـ”العين الإخبارية”، إن مليشيات الحوثي أجرت تغيرات واسعة النطاق شملت أدنى مرتبة تراتبية في السلطة القضائية والتشريعية بدا من الأمناء الشرعيين المكلفين بإصدار وثائق بيع وشراء العقارات إلى النيابات والمحاكم الابتدائية والاستئنافية وحتى المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى.