لهذا نرفض الإمامة من الرسي إلى الحوثي (نقاش)

المرسى – عدن

نظمت وكالة “2 ديسمبر”، اليوم السبت، حلقة نقاشية عن “معضلة الإمامة في اليمن”، شارك فيها باحثون وأكاديميون وإعلاميون، تناول فيها المتحدثون الرئيسيون د. ثابت الأحمدي، أ. عبدالله إسماعيل، د. صادق القاضي، د.محمد جميح، وأ. عبدالسلام القيسي، طبيعة الصراع اليمني مع أدعياء الانتساب السلالي لنبي الإسلام، ابتداءً من يحيى الرسي أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وصولاً إلى عبدالملك الحوثي في السنوات الراهنة.

الهُوية و”الهاشمية السياسية”

في الحلقة النقاشية، لفت الدكتور صادق القاضي إلى مقاربات تاريخية، خاصة باندماج الوافدين في نسيج هوية البلد المضيف، أو الانعزال عنها، ضاربا المثل على الحالة الأولى بمحمد علي في مصر، وعمر بن علي بن رسول في اليمن، وعلى الثانية بالرسية (أدعياء السلالة) باليمن، مؤكداً أن القضية تتعلق “دائمًا بنوعية الولاء والمشروع الذي حمله وعمل عليه هذا الغريب، وخدم به البلد الذي حل فيه، وحكمه”.

وقال، في نقاش مقاربته، إن حكام الدولة الرسولية برهنوا على يمنيتهم بكل الوسائل، وحاولوا تكريسها في الوعي اليمني بشتّى السبل، بما فيها الادعاء أنهم من نسل الملك “جِبلّة بن الأيهم” آخر ملوك الغساسنة اليمنيين في الشام!

وتابع: لم يكن لديهم مشكلة مع أعراق الناس وأفكارهم وعقائدهم.. ولم يضعوا حواجز من أي نوع بينهم وبين الشعب، وأقروا الحرية المذهبية والدينية، واندمجوا روحيًا واجتماعيًا وفكريًا وثقافيًا بالمجتمع اليمني.

أما “الأئمة -على العكس تمامًا- حاولوا جاهدين طوال تاريخهم التأكيد على تميزهم الطبقي، وامتيازاتهم السلالية، وتكريس أنفسهم في الوعي والواقع اليمني كعنصر غريب بهوية مختلفة مغلقة ومعزولة عن الهوية اليمنية الجامعة!”. وكانت لهم “ألف مشكلة ومشكلة، مع كل شيء في اليمن”.

ونبه القاضي إلى أن المعضلات الإمامية لا تتعلق بالفئة “الهاشمية” كعنصر أجنبي وافد يمكن توطينه، وإنما بـ”الهاشمية السياسية”، التي لم ” تكن مشاريعها -في الأغلب- تتجاوز دائرة الأسرة الحاكمة، أو السلالة الهاشمية، حتى إلى دائرة الطائفة الزيدية!”.

وأكد أن “الهوية” كانت وتصبح يومًا بعد يوم، استحقاقاً للعقيدة الوطنية والمواقف ونوعية المشروع.. بجانب، أو بدون الجينات الوراثية التي أصبحت شيئاً غير ذي بال في مسألة الهوية، في معظم بلدان العالم المعاصر.

ألقاب الوكالة الإلهية

وفي مشاركته استكمل عبدالسلام القيسي، ما طرحه القاضي من مقاربة “الرسولية” و”الهاشمية”، من حيث علاقتهما بالهوية اليمنية.

وقال إن «العصر الرسولي» واحد من أزهى الفترات في تاريخ الجزيرة العربية؛ “حيث اهتم الرسوليون بمحاربة الجهل وإرساء العلم وذلك ببناء المدارس والتحريض على التعلم ومكافأة العلماء، كما أقروا الحرية المذهبية والدينية”.

واستطرد: ويعتبر “العصر الهادوي” واحداً من أظلم الفترات في تاريخ الجزيرة، حيث اهتم الهادويون بمحاربة العلم وإرساء الجهل، وبناء السجون، وتأصيل الاستعلاء والعنصرية، وأحدثوا المذابح الكثيرة من أجل تسيد مذهبهم الواحد، وقتل المخالفين”.

وحول الاستغلال الكهنوتي للدين، استعار القيسي شاهد الألقاب لدى الدولتين، الرسولية والهادوية، مشيرا إلى استخدام السلاطين الرسوليين ألقابا من قبيل الأشرف، المظفر، المنصور، دون “مناصفة الله”، مثلما هو الحال في اتخاذ الهادويين ألقاب الهادي إلى الله، الذي لُقب به يحيى الرسي مؤسس الدولة الإمامية في اليمن، والمختار من الله، والداعي إلى الله، في تأصيل للطابع الكهنوتي وربط حكامها بالوكالة عن الله والحكم باسمه.

واختتم القيسي مشاركته بالقول: “نجح الرسولي الغريب في تأصيل هويته اليمنية، ولا يزال اليمني يستحضر افتخاره بالرسولي إلى الآن، وفشل الهادوي في فرض نظريته رغم المذابح، ولا يزال غريباً إلى هذه اللحظة”.

نقيض المواطَنة

وفي مداخلته، سفير اليمن لدى اليونيسكو، الأكاديمي محمد جميح، تطرق إلى تناقض فكرة الإمامة مع المواطنة والانتماء اليمني، مشيرا إلى أن الإمامة تقوم على فكرة السلالة والتفوق العنصري الممزوجة بفكرة الاصطفاء والحق الإلهي، ما يتناقض مع مفهوم المواطنة باعتبار “الانتماء للوطن يعني المساواة في الحقوق والواجبات، لكن الإمامة تعني عدم المساواة، لأن الحقوق السياسية لسلالة دون غيرها، ولأن الخمس لتلك السلالة دون غيرها”.

وزاد جميح: عندما تختلف الحقوق السياسية والاقتصادية يختل ميزان المساواة وإذا اختل ميزان المساواة اختلت المواطنة، واختلال المواطنة يعني أن من يرى نفسه مميزاً على بقية اليمنيين لا يرى نفسه منهم ولا يرى انتماءه انتماءهم، ولا وطنه وطنهم.

وقال إن هذا الفكر السلالي لا ينظر لليمن إلا كونه خانة في شهادة الميلاد، ولذا وردت عبارات من مثل “الإمام فلان الهاشمي نسباً اليمني مولدا”.

وشدد بتأكيده على أن “لا وجود لفكرة الدولة الوطنية، ويمكن أن يرى اليمني الإمامي في الإيراني الإمامي قربى أكثر من قرابته لشريكه في الوطن؟”. أما لماذا؟، فيجيب جميح: لأن الإمامة لا تؤمن بالانتماء للوطن، ولكن تؤمن بالانتماء للسلالة والمذهب.

حروب وتدمير

واستهل الدكتور ثابت الأحمدي حديثه بالسؤال: لماذا نرفض الإمامة الهادوية في اليمن؟ موردا إجابته في عدد من النقاط، أولها أن الهادوية جسم غريب لم “يتـيْمـننْ”.

وأشار في السياق إلى أن الإمامة منذ الرسي المؤسس الأول مع رفاقه من الجيل والديلم، حتى الحوثي بقيت “فارسيةَ الهوى والهُوُية”، مستشهدا ببعض الأمثلة من الحقائق التاريخية بينها أن العلاقة بين أئمة الدولة القاسمية في اليمن والصفويين الإيرانيين كانت وطيدة، وتجاهل طوابعُ البريد الإمامي “اليمني” في عهد الإمام أحمد كلّ معالم اليمن التاريخية ووضع صورة “فرح الشهربانو” الفارسية، بجانب مشاركة جهاز “السافاك” الإيراني في مواجهة ثورة 26 سبتمبر 62م، ووقوفه إلى جانب النظام البائد بقوة.

وأورد الأحمدي سببا آخر لرفض الإمامية، يتلخص في سياسة الحروب والتدمير الممنهج، لليمن أرضا وإنسانا ومعالم، كتشريد اليمنيين في أصقاع الأرض، وتدمير المآثر اليمنية، وبالمقابل عدم تحقيق أي إنجازات يمكن العثور عليها طيلة التاريخ الإمامي.

ونوه إلى أن كتب التاريخ اليمني زاخرة بأمثلة لا تحصى، ذكر منها تدمير قصر غمدان، وموروثات المكتبة الطاهرية برداع، والمكتبة الأشرفية في تعز، وهدم ضريح الفقيه الصالح أحمد بن موسى بن عجيل في تهامة، وقبر أحمد بن علوان في يفرس من تعز، وكذلك تحطيم ما ظهر من آثار مأرب.

وفي آخر مشاركته قال ثابت الأحمدي: نرفض الإمامة؛ لأنها نظرية كهنوتية غاصبة، لا تشبهنا ولا نشبهها، إن كنت جمهوريًا فهي ضد جمهوريتك، وإن كنت سنيًا فهي ضد معتقدك الديني، إن كنت مؤتمريًا فقد قتلت زعيمك، وإن كنت إصلاحيًا فقد سجنت وقتلت قيادتك، وإن كنت يساريًا فهي إقطاعية ضد قيم اليسار، وإن كنت ليبراليًا فهي ضد حريتك وضد قيم المساواة.

مشكلة بنيوية

من جانبه ركز الإعلامي عبدالله إسماعيل في تناولته على ما وصفها بـ”المشكلة البنيوية للمشروع الإمامي السلالي”، مؤكدا أن هذا المشروع قائم على شعوره الدائم بانفصاله عن الشعب اليمني، “لأن الفكرة الإمامية ابتداءً تنطلق من رؤية فوقية، محملة بمنطلقات عنصرية، لا ترى في اليمنيين شركاء في الحكم والثروة، بل تابعين، مهمتهم -في رأي السلالة- الخدمة المقدسة”.

وقال إن ما يؤكد على تلك المشكلة البنيوية في مشروع السلالة، أن الأئمة في كل مراحل حكمهم، المتفاوت والمتقطع زمانا ومكانا، كانت الهوية اليمنية في رأس قائمة استهدافاتهم، وجوهر ممارساتهم وحربهم.

وأضاف إسماعيل إن اليمنيين تساهلوا كثيرا، “فقدموا فرصا متكررة وحقيقية لمحاولة قبول السلاليين بمبدأ اليمننة والشراكة والمسألة، وتغافلوا عن جرائمهم، وتناسوا عنصريتهم، ثم لا تلبث تلك العصابة إذا ما تمكنت، أن تعود إلى مشروعها، وعنصريتها، وحربها ضد اليمنيين”.

Exit mobile version