المرسى – عدن
في ظل ارتفاع الأسعار وتفاقم الوضع المعيشي، وجد المزارع اليمني مصطفى سالم في زراعة أعلاف الماشية الحل الأنسب لضمان مصدر دخل لإعالة أسرته.
يزرع سالم (32 عاماً) الأعلاف في مزرعته الصغيرة في بلدة مديرية الخوخة في الريف الجنوبي من محافظة الحديدة (غرب)، والتي نزح إليها بعد فراره من مدينة الساحلية إثر بطش مليشيات الحوثي الإرهابية مطلع 2018.
من حسن حظ سالم أنه أصبح في بلدة خاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها على عكس المزارع اليمني “أحمد بدر”، اسم مستعار، الذي ما زالت بلدته خاضعة لمليشيات الحوثي وبات عاجزا عن بيع محصول الأعلاف لهذا العام بسبب قرار مفاجئ للانقلابيين.
وأصدرت ما يسمى الهيئة العام لتطوير تهامة الخاضعة للحوثيين فرمانا قبل أيام، بحظر بيع وشراء أعلاف المواشي بحجة أن ذلك يسبب عجزا في الأمن الغذائي في البلاد.
ووصف الفرمان مزارعي أعلاف المواشي وتجار الأعلاف بـ”ضعاف النفوس” بتهمة “حصد المحاصيل قبل نضوج الحبوب”، كما طالب قيادات مليشيات الحوثي الأمنية بضبط أي مركبة أو شاحنة تقل الأعلاف مع سائقها ومالكها والمشترين وإحالتهم لما يسمى نيابة الأموال.
وتعتبر زراعة الأعلاف ملاذاً لآلاف الأسر اليمنية التهامية المكافحة، لكن ارتفاع أسعار البذور والجفاف وقيود مليشيات الحوثي يهدد مصدرها الرئيسي لكسب الرزق، بل تعد أحد شرايين الحياه المتبقية لسكان المناطق الريفية.
كما تهدد قيود مليشيات الحوثي على الأعلاف بشكل رئيسي بعض مربي المواشي والثروة الحيوانية إجمالا، إذ يعتمد غالبية الفقراء في شمال اليمن لا سيما صعدة على الأعلاف القادمة من السهل التهامي كغذاء لماشيتهم.
حرب على صغار المزارعين
بالنسبة للمزارع اليمني “بدر”، فإن فرمان مليشيات الحوثي يعد حربا واضحة على الفقراء في الأرياف اليمنية الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة وتربية الماشية.
وقال في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن الفرمان الحوثي “كارثي جدا لقد سبق وتم منعنا من بيع الأغنام والماشية بحجة الاكتفاء الذاتي من اللحوم والآن تصل هذه المليشيات إلى محاصيل الأعلاف آخر مصادرنا للرزق”.
ونفى بدر مزاعم مليشيات الحوثي بحصد المحصول قبل نضوج الحبوب قائلا إن “زراعة الحبوب من الذرة والذرة الشامية والدخن لها مواسم معروفة ويرتبط ذلك بجودة البذور العالية، لكن أعلاف الماشية تزرع مدار العام ولا تنتج حبوبا”.
ما قاله “بدر” أكده المزارع “سالم” الذي اعتبر في حديثه لـ”العين الإخبارية”، فرمان مليشيات الحوثي تكتيكا لابتزاز المزارعين والمواطنين الفقراء من سكان الأرياف ماليا.
وقال “من غير المعقول أن يبيع المزارع العجور (الأعلاف) دون أن ينتظر بضعة أسابيع لجني محصول الحبوب، لأنه لاحقا أيضا سيبيعه كأعلاف للمواشي”، مشيرا إلى أن مليشيات الحوثي تعمل على محاربة صغار المزارعين بدلا من مساعدتهم وتزويدهم بالمدخلات الزراعية الضرورية.
وهناك 150 ألف هكتار فقط تُزرع بأعلاف المواشي من إجمالي الأراضي الزراعية في اليمن وبسبب قيود مليشيات الحوثي تراجعت خلال العام الجاري إلى النصف وهي آفة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع في اليمن .
ابتزاز مالي
يرى خبراء وناشطون يمنيون قيود مليشيات الحوثي على بيع أعلاف المواشي يعد فصلا جديدا من فصول الابتزاز المالي لصغار المزارعين وأصحاب الماشية في تهامة والبلاد ككل.
وقال عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان باليمن غالب القديمي إن مليشيات الحوثي تسعى بهذا القرار “إلى القضاء على تربية المواشي في تهامه كونها أحد المصادر الرئيسيه لكسب الرزق”.
كما تستهدف “القضاء على ما تبقى من مجالات دخل لصغار المزارعين كون زراعتهم للقصب العجور (الأعلاف) هي آخر ما تبقى من مصادر الرزق لأطفالهم وأسرهم”.
ونبه الحقوقي اليمني أن مليشيات الحوثي تريد “فرض أسلوب النهب والابتزاز على غرار النظام الإمامي (المملكة المتوكلية سابقا) من خلال مصادرة ثلث المحصول من الذره بكل أنواعها كما كان يحصل أيام الصريع الإمام وأجداد سلالة الحوثيين)”.
من جهته، قال الناشط والإعلامي اليمني أحمد غازي في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن إجراء مليشيات الحوثي لا يعدو كونه ابتزازا لصغار المزارعين بعد أن أصبح بيع أعلاف المواشي جريمة تستوجب السجن.
وأوضح أن مليشيات الحوثي لم تقدم أي بذور صالحة أو معالجة للمزاعين أو حتى مرشدين ومهندسين زراعيين بل ذهب لفرض جبايات تصل لـ200 ألف ريال (نحو 400 دولار) على كل مزارع يستخدم المنظومة الشمسية، أو الطاقة البديلة.
وأضاف “ليس هذا فحسب، بل إن مليشيات الحوثي أغلقت كل أبواب المساعدة لصغار المزارعين لاستعادة سبل معيشتهم وتعزيز قدراتهم الغذائية وتعمد إلى فرض جبابات بغطاء الزكاة وتحصر المحصول وتأخذ الخمس بقوة السلاح”.
وتشير منظمة الأغذية والزراعة الأممية “الفاو”، إلى أن قطاع الزراعة في اليمن يوفر فرص عمل لما يقارب 60% من القوة العاملة، وتوفير سبل العيش لحوالي 70% من إجمالي السكان، إلا أن الحرب الحوثية ألحقت به أضرارا بالغة مما أضر بتوافر الغذاء المحلي.
وهناك نحو 36.6% من نسبة السكان يعتمدون على العمل في الزراعة ويفتقرون للمدخلات الزراعية الهامة، وقد تسبب حرب مليشيات الحوثي بخفض مساهمة قطاع الزراعة في الاقتصاد اليمني بنسبة 10%.