المرسى – العين
يعتمد الحوثيون في حربهم باليمن على الخرافة كجزء أصيل من استراتيجية ترسيخ المشروع الطائفي والعنصري، إذ توظف المقابر والخرافات سياسيا.
فرغم أن الموت حقيقة كونية كبرى، إلا أن المراجع الدينية لجماعة الحوثي الإرهابية، حولت الموت ومقابر القتلى، إلى أوكار لتكريس الخرافة وثقافة الموت في عقول الأحياء، بهدف ترسيخ المشروع الطائفي المتطرف.
فمن “كرامات” القتلى ورائحة قبورهم إلى تجميل المقابر وتزينها بالبناء والصور وعبارات التبجيل إلى حشد الأتباع وزعم تلقين الموتى لتجنب العذاب، باتت مقابر أنصار الحوثي بقاع خضراء للتدجين والخرافات التي لم يألفها اليمنيون ولا تتفق مع جلال الموت.
وأحدث هذه الخرافات التي لطالما حاول الحوثيون إخفاءها عن وسائل الإعلام، ظهور أحد الدعاة بمعقل الجماعة بصعدة، محمد عبدالعظيم الحوثي، في مقطع مصور، وهو يلقن أحد الموتى في القبر لتجنب العذاب.
ويظهر محمد الحوثي في مقبرة وهو يطلب من جموع تحيطه اسم المتوفى ثم يتمتم بكلمات خارج سياق الدعاء والقرآن بزعم أنها تجنبه العذاب، بما فيه التشبث بـ”الإمامة إلى يوم القيامة”، وهي خرافة الولاية التي لطالما سعت المليشيات لتكريسها بين الأحياء.
وتداول مقطع الفيديو مئات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر كثر ما ورد فيه، للدلالة على تفشي الخرافة وانتشار الجهل في مناطق سيطرة الانقلابيين بشكل خطير.
ومحمد عبدالعظيم هو إحدى المرجعيات المنحدرة من أسرة زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، ويملك مدرسة دينية في صعدة ومئات الأتباع الذين ينظرون له كرجل علم وصاحب كرامات، ويحاول الانقلابيون تقديمه للإعلام كمعارض لمشروع الحوثي وإيران.
لكن مصدرا قبليا يمنيا قال لـ”العين الإخبارية”، إن محمد عبدالعظيم الحوثي يطمح للزعامة، وجوهر خلافة مع عبدالملك الحوثي هو اعتقاده أنه الأحق بزعامة المليشيات الانقلابية، ويعد من كبار المرجعيات التي تسعى لتكريس خرافة الولاية للسلالة الحوثية في اليمن.
ولا تعد بدع محمد عبدالعظيم الحوثي ظاهرة فردية في مناطق المليشيات، لكنها خرافات يسعى الحوثيون لجعلها نمط حياة عبر المرجعيات الدينية المنضوية تحت مظلة عائلة الحوثي أو الموالية لها، مثل ناصر اليماني مدعي ما يعرف بـ”المهداوية”، ويشتهر بأنه “الأكثر نسجا للأباطيل”.
وبصفة عامة، تسعى الأيديولوجية الحوثية لترسيخ البدع وخرافة الولاية رغم المنافسة وصراع الإخوة وأبناء العمومة على الزعامة، وفق مراقبين.
خرافات أسبوعية
وسعيا لتثبيت الخرافة وثقافة الموت في أذهان الأتباع، تضع مليشيات الحوثي برنامج زيارات أسبوعية لمقابر قتلاها لكل أتباعها الملتحقين حديثا، تحت شعارات “الدورات الثقافية” و”المراكز الصيفية” وغيرها من العناوين التي توظفها لتجنيد المقاتلين.
كما تخصص المليشيات الإرهابية، مناسبة سنوية خاصة تسميها “يوم الشهيد” وتتضمن أخذ أبناء القتيل وكذلك الأتباع المجندين لزيارة المقابر المزينة، بزعم امتلاك صرعاها الكرامات، وأن رائحة العطور تفوح من قبورهم، في خرفات لا تعد ولا تحصى.
إلى جانب ذلك، تغذي مليشيات الحوثي عقول أنصارها بخرافة التأييد الإلهي وحتمية الانتصار في الحرب التي يقودها زعيمها عبد الملك الحوثي الذي يحظى بقداسة لم يحصل عليها أحد قبله، بحسب خرافة المليشيات المعروفة باسم “الاصطفاء لتمثيل السماء”.
قصة قديمة
وقال الناشط السياسي عمار علي القدسي إن اعتماد الخرافة داخل مليشيات الحوثي كمنهج يستهدف تعزيز سطوتها على اليمنيين والتغرير بهم في حربها المدمرة، وهي منهجية تعد امتداد لمشروع الأئمة باليمن قبل نحو 1200 عام.
وأضح القدسي في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن الذاكرة الشعبية تحفل بعشرات الخرافات التي كانت تنسج عن كل “إمام” يحكم اليمن منها قدراته الخارقة للطبيعة، والتي تصل إلى مخاطبة الجن وكل الكائنات.
ولا يستغرب القدسي خرافات الحوثيين على المقابر، مؤكدا أن مشروع المليشيات قائم كله على الخرافة.
وأوضح أن “فكرة الولاية العنصرية وحصر الحكم بسلالة معينة تقوم أصلا على خرافة ما يمسى بيوم الغدير وزعم أن النبي أوصى بالولاية لعلي بن أبي طالب ونسله من بعده وهي حادثة لا سند تاريخي لها إلا في تراثها الشيعي”.
وعن كيفية ترسيخ الانقلابيين للخرافة، استشهد الناشط السياسي بقصة عايشها بنفسه عام 2011 في غمرة النشاط السياسي للحوثيين، بما فيه دعوة فريق من الإعلاميين والنشطاء السياسيين، كان القدسي أحدهم، لزيارة المعقل الأساسي في صعدة، ضمن زيارات كانت تنسق لها المليشيات حينها لتسوق لنفسها كجماعة سياسية تعرضت للظلم من قبل النظام الحاكم.
وأضاف أن مليشيات الحوثي وضعت برنامج مسبق للزيارة، بما فيه زيارة إحدى مقابر قتلى الجماعة بحروب صعدة الست”، متابعا “خلال الزيارة، كانت عناصر الحوثي تكرر الحديث عن الكرامات وعن مشاهدات لقتلاها مبتسمين أثناء الدفن، والروائح التي تنبعث من الجثث”.
“كهنة الحوثي”
يضعف الحوثيون عقول أتباعهم لدفعها للاستسلام أمام الخرافات، انطلاقا من إرث ثقافي وديني مزيف، يهدف في النهاية لبناء شخصية المقاتل الخانع المنقاد المطلوب منه الموت من أجل أن يعيش قادة المليشيات الذين يتحركون بأوامر سماوية، وفق مراقبين.
زرع هذه الخرافات لا يقتصر على المراجع الدينية، وهم كهنة بأثواب رجال دين، بمن فيهم محمد عبدالعظيم الحوثي، لكنها تمتد إلى المقاتلين غير المتعلمين وحتى كبار القادة الحوثيين والعناصر ذوي المؤهلات التعليمية العليا.
وفي تعليق على فيديو محمد عبدالعظيم الحوثي المتداول مؤخرا، قال البرلماني اليمني عبدالرحمن صالح معزب إن مليشيات الحوثي ترسخ بالفعل عودة الخرافة إلى بعض مناطق اليمن “كما يعود الجرب إلى الجسد”، على حد وصفه.
وأضاف أن الداعية الحوثي “أتى ليلقن الموتى كيف يجيبون على منكر ونكير”، ويزعم أن إتباع حكم خرافة ولاية الإمامة السلالية إلى يوم القيامة، تنجي من العذاب، ما يعكس توظيف الأيديولوجية الدينية سياسيا.
ووصف معزب، وهو رئيس الكتلة البرلمانية للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، مرجعية المليشيات الدينية محمد عبدالعظيم الحوثي، بـ”الكاهن”، مدللا بقصة قديمة من زمن الخرافات عندما كانت النسوة تقدم القرابين لعلاج أبنائها من الأمراض بما فيه ذبح الحيوانات للكهنة.
وتشكل الخرافة أحد أسلحة مليشيات الحوثي التي تختطف مؤسسات الدولة وترفض تحمل أدنى مسؤولية تجاه السكان الرهائن، من أجل تحويل مناطق سيطرتها إلى بيئات للتدجين والموت معتمدة على خبراء نفسيين واجتماعيين من إيران ولبنان، وفقا لخبراء يمنيين.