المرسى – عدن
نعى قائد الحزام الأمني الأسبق، وضاح عمر عبدالعزیز، رفيقه كرم المشرقي قائد القطاع الثامن والذي اغتيل بعملية إرهابية في عدن اليوم الثلاثاء.
وكتب وضاح عبارات مؤثرة في استشهاد رفيقه، عبر صفحته على فيسبوك نعيد نشرها:
انت أيها البطل الذي يموت ، أنت حيث تقف وتنحني وتموت، أنت الذي تتساقط في قطرات دمه أخر اللحظات وأخر الاحتمالات.
كأنك ،وانت تقف وسط الغبار وانت تهبط الدرج الطويل وحولك البنادق، كأنك وأنت تتلقي الشظايا والرصاص، وتنحني على دمك ، كأنك لست أنت.
منذ رأينا الشمس يبتلعها الوحش، كنا مطاردين وكنت يومها تكتب لنا احرف النصر،وحينها قررت أن تكتب الموت،يومها لم تعد أنت حاولت كل شيء ،قاتلت هناك في الشمس الحارقة ووسط البرد والصقيع، حملنا الحلم من مكان إلى أخر ومن مدرعة الى طائرة، حملنها ولبسنا معطفا نخبئ تحته رشاشا صغيرا وغادرنا هناك رأينو رفاقنا يموتون واحد واحد، كانو يموتون غرباء في المقابر، شهداء في الحروب، التي ارادوا إشعالها، وكنا ننظر الى الموت ونسأله، لم يكن الموت يأتي، كنا منذورين للنهايات التي لم يراها الأخرون.
وكنا نعرف أنك يا اخي ستكتب الموت ويكتبك الموت ،فذهبت إلى دمك ولم تلتفت الى الوراء.
وها انت الأن صوت يأتي من أماكن متفرفة كصوت الرصاص الذي يخبرك بالاستعداد…
كنت الشاهد الأخير وكنت الشهادة .كأنك صورة لقوس ينكسر بين يدي حامله،وعوض أن نكون نحن القوس صرنا الى بقايا،وعوض أن نندفع في موتك ، نقف ولانجد الكلمات ولا الدموع.
ففي زمن الموت تنتهى المراثي،وكأنها لا تكون الا لأزمنة أخرى، أما حين يصير الموت قريبا من العين كأنه عين أخرى،حين يصير سطورا سوداء لاتنتهي ، حين يأتي هكذا ليصبح سببا وسط ركام الكلمات وركام الأيدي، يغيب الرثاء وتغيب الدموع.
كأنك موتك لم يكن الا هذا الموت الا هذا البارد الأبيض القادم من المجهول، كأنك أنت تتحداه وتتحدى الهزائم ، كنت فارسا، وها وهو الفارس يموت ولا يبقى الا الشظايا واصداء صوت المكان ، وبطولات تحضر وتغيب خلف هذه المدن التى تسعى للنور.
كأنك موتك يا أخي كان الرسالة الأخيرة. فأنت لم تكن تملك شيئا ، كنت تملك هذا الجسد، وها هو جسدك حيل الى اشلاء وهو جسدك حوله طبول لا تقرع وعيون جفت دموعها ، وها أنت قد تحررت من كل شيء ، تذهب الى الأشياء البعيدة تذهب الى العيون التي غادرت الوجوه وتقيم هناك.
لن اسألك لماذا قتلت ؟ فأنت لا تعرف الجواب هذه المرة كنت أمام البنادق التى ترمي الرصاص، وكنت متأكدا أن هذا رصاص الخونة لا يقتل. ولكنك فوجئت بالموت. فوجئت برصاص يخترق الجسد ولايحدث فيه الما ، فوجئت بالام الروح التي لاتنتهي.
لقد اوجعتنا الرصاصات حين لن تؤلم الجسد .أوجعنا نزيف الروح وانهيار الأزمنة .
ولكنك أيها القائد فعلت تماما كما كنت تتوقع ، لم تصرخ ولم تتأوه ،سقطت دفعة واحدة ،سقطت كما يسقط الشهداء،
أنا اعرف كيف تكون عيون الضحايا ، ونحن لانعيش الا وسط عيون الضحايا،وسط ذلك البياض وسط ذلك البياض الذي يكبلنا ويحيلنا الى اشلاء . وانت ،كما عرفناك ،خفت من وضوح عينيك ، خفت أن يرى القاتل في عينيك هذا البياض الذي يكشف سرك ، لذلك لم نتظر الى القاتل ،انحيت على دمك وذهبت في الغياب البعيد.
أرجوك لا تسألني لماذا قتلوك ؟ فأنا أيضا لم أكن اعرف. أنا أيضا لا أريد أن تشطرني الحقيقة إلى انصاف لاتحصى. ها انت تضحك منا ، وتهم بأن تخبرنا كيف حدقت إلى الموت الالف المرات ،وكيف أشعلنا الحرائق من أجل أن نبدد هذا الظلام. ولكني لا أعرف لماذا قتلوك،ولست أنا وحدي من لايعرف ، الجميع لا يعرفون ، كلهم قالوا انهم لا يعرفون وانهم لايقبلون وانهم فجعوا..
حين تركناك تموت كنا نترك أرواحنا على الأرصفة ونمضي كالأشباح في مدينة الموتى. تركناك ليس لأننا نخاف ، لم يعد أحد يخاف من شيء أو على شيء، تركناك لأننا لم نعد نعرف ماذا وأين وكيف ، لم نعد نعرف كيف نحمل بنادقنا وأيدينا ، لم نعد نعرف كيف يجب ان نعيش أو كيف يجب أن نموت . لذلك لا احد يريد ان يعرف لماذا قتلت . لا أحد يجروء على ان يعلن الحقيقة ، حقيقة أن موتك لم يكن موتا ، كان رمزا . وانت ايها يا اخي قاتلت الوحش الذي يفترس ارضك ويزرع اسنانه على شواطئها . ها أنت في الرمز الكامل في الاشارة الكاملة الى هذا الموت البطيء الذي يحتاج كل شيء.
لن نقبل ان ننحنى لن نقبل ان ينحل الحلم الى اشلاء في عصر الانحطاط والخيانات. لن نقبل ان نبتلع هذه الرمل المملئ برائحة النفط والثروات ولن نقبل ان نتحول الى شهود زور على اعتاب مهترئة وامام عروش تتساقط. لذلك ، ربما ، لن نموت الا بلا مجد ، لن نموت الا كما مت أنت .
اخي ، رايت بعينيك كيف تحولنا الى ضحايا ، رأيت بعينيك كيف نموت لنحمى الحلم من السقوط لم تذهب الى الليل البارد أنت لاتخون نفسك لا تخون رفاقك ، ولأنك رأيت كيف يأكلنا الظلام ويسود علينا الوحش ، قررت أن الموت طريقا للنور.
المدينة التي قتلت فيها لا تستحق ان نموت من أجلها . ولكننا لن نموت الا من أجلها. مفارقة نحار فيها ولكننا لا نملك الا خيارا واحدا . وانت توافق معنا . وانت مطعونا وجريح وقتيلا توافق . لم يعد لنا خيارا اخر ، ومنذ البداية لم يكن هنا خيارا اخر . نحن لم نختر حربنا ، ولم نختر عدونا ، ولكننا نختار أن لا نصبح مثل العدو الذي قاتلناه طويلا والا بطل كل شيء .
وها نحن نقرأ في دفتر الموت كلمات لم تكتبها ، نقرأ كيف كنت أنت الكلمات ، كيف تحول جسدك الى انوار ومشاعل يكتب بخط خاص على تلك العيون.
كتبتها لك ولكل بطل لن يترك أرضه للوحوش والفساد.
//وضاح عمرعبدالعزيز.
رحمك الله أخي كرم المشرقي. وجعلنا الله على درب الشهداء ، هنيئا لك طوبى في الجنة..
استشهد بتاريخ٢٩ مارس لعام ٢٠٢٢ ..