المرسى – العين الإخبارية
تتوالى نجاحات عملية “سهام الشرق” التي تنفذها القوات الجنوبية ضد التنظيمات الإرهابية في محافظة أبين اليمنية.
فقد حققت العملية انتصارا غير مسبوق بعد تحرير القوات الجنوبية للمرة الأولى سلسلة مرتفعات “عومران” في محافظة أبين من القاعدة.
وخاضت القوات الجنوبية معركة وصفها مراقبون بـ”المعجزة”، للوصول إلى قلب وادي “عومران” المحاط بسلاسل جبلية سوداء تقع إلى الجهة الشرقية من مديرية مودية في المحافظة المطلة على بحر العرب.
واستطاعت القوات الجنوبية اختراق خط دفاعي حصين شيده تنظيم القاعدة الإرهابي في عومران وجبالها عبر زراعة مئات العبوات الناسفة المموهة على نهج مليشيات الحوثي فضلا عن الدراجات النارية المفخخة على جنبات الطريق والشراك الخداعية المتصلة بالأشجار والصخور.
تضم عومران أحد أخطر معسكرات للقاعدة على مستوى جنوب اليمن ويوصف بأنه “المعقل الأول للتنظيم في الجزيرة العربية”، وظل موقعا شديد التحصين منذ سنوات طوال، لدرجة أن كافة الحملات العسكرية للحكومات اليمنية المتعاقبة لم تصله.
ويقع وادي عومران شرق مديرية مودية الحدودية لمديرية المحفد، وكذا مديرية حطيب بمحافظة شبوة وهي مناطق ينشط فيها الإرهاب منذ سنوات.
يكتسب المعسكر أهمية استراتيجية كبيرة لتنظيم القاعدة، فالجغرافيا الصعبة التي تتمتع بها البلدة إلى جانب كثافة أشجارها، يجعلها إمارة مصغرة ومنصة لتنفيذ وإدارة الهجمات باليمن والعالم.
وقالت مصادر محلية لـ”العين الإخبارية”، إنه شوهد عناصر إرهابية للقاعدة تفر باتجاه مديرية المحفد للمرة الأولى من معسكر “عومران” الذي شيده التنظيم قبل نحو 10 أعوام لإدارة عملياته في عموم جنوب اليمن، وذلك بالتزامن مع اقتحام البلدة الاستراتيجية.
وأوضحت أن “المعسكر يحوي أهم ما يملكه تنظيم القاعدة الإرهابي، إذ يعد مركز القيادة والسيطرة، وتخزن فيه أهم الأسلحة والمتفجرات، وتنطلق منه كافة العمليات، وفيه يحتجز التنظيم مختطفيه إثر جغرافيته الصعبة”.
“تورا بورا” اليمن
ذكر مصدر أمني، أن وادي عومران تحول في السنوات الأخيرة إلى منصة عملياتية لتنظيم القاعدة في إدارة نشاطه الإرهابي وخلاياه في أبين وعدن ولحج والبيضاء وشبوة، وكذا إدارة تهريب الأسلحة عبر بحر العرب، ويمتد ذلك إلى الصومال في الضفة الأخرى.
وأشار إلى أن المعسكر يتوسط جبالاً وعرة، وكان يستخدم في تجهيز العبوات الناسفة والسيارات والدراجات المفخخة ومركزا لتدريب العناصر الإرهابية بنهج “الذئاب المنفردة”، إلى جانب استخدامه كمقر للإنتاج الإعلامي والفني للقاعدة وتنظيم “أنصار الشريعة”.
ولعل خطورة لمعسكر “عومران” تكمن في أنه كان في عام 2012، منطلقا للقاعدة لإسقاط مدينة “زنجبار” أكبر حواضر أبين على بحر العرب؛ مما يعد سقوطه ضربة قاصمة للقاعدة في المحافظة وجنوب اليمن.
ويشبه بعض المراقبين معسكر “عومران”، بتورا بورا شرقي أفغانستان الذي سيطرت عليه القوات الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول 2001 بعد معلومات عن اختباء مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فيه، وتعني “تورا بورا” في اللغة الأوردية الغبار الأسود.
مسار المعركة
ويعد تحرير المعسكر أهم ثمار عمليتي “سهام الشرق” و”سهام الجنوب” في شبوة وأبين، حيث جرى ذلك بعد تضحيات جسيمة الجنود والضباط من القوات الجنوبية، بدعم جوي ولوجستي مباشر من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية.
واعتمدت القوات الجنوبية المشتركة من الحزام الأمني ومحور، وأمن أبين خطة مدروسة لإسقاط معسكر عومران، بدأت بالسيطرة على مرتفعات استراتيجية ثم الاقتحام من عدة محاور تحت غطاء ناري كثيف، وذلك بعد أيام من استماتة شديدة لتنظيم القاعدة في جبال البلدة.
وسيطرت القوات الجنوبية بداية على مرتفعات “الحميمة” قبل أن تقتحم الوادي، الذي كان بمثابة إمارة سوداء للقاعدة من المحورين الشمالي والجنوبي تحت ضربات وسعة للمدفعية الثقيلة، وذلك رغم تفجير تنظيم القاعدة عن بعد أكثر من 20 عبوة شديدة الانفجار.
وجاءت عملية الاقتحام بعد معلومات دقيقة عن تفخيخ تنظيم القاعدة المداخل الرئيسية لوادي عمران شرقا وغربا لتنجح القوات الجنوبية بعد الوصول إلى قلب المنطقة في تعبيد الطريق للوصول إلى “جيشان” و”المحفد” على حدود محافظتي البيضاء وشبوة.
ومن شأن الوصول إلى مديرية جيشان أن تكسر القوات الجنوبية الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيات الحوثي على المديرية، فضلا عن توجيه ضربة مزدوجة للإرهاب والانقلاب على حد سواء في آخر معاقلهما جنوبا.
الإخوان في خدمة القاعدة
يرى ناشطون يمنيون أن الحصانة الذي اكتسبها معسكر عومران للقاعدة طيلة 10 أعوام كانت بسبب تحالفه الخفي مع تنظيم الإخوان الذي يتخذ من الإرهاب كورقة لضرب المحافظات الجنوبية ولخدمة أجندته المشبوهة.
وقال الناشط السياسي في محافظة أبين أحمد الجعدني إن “أهمية سقوط معسكر “عومران” تمكن في أنه المعقل الأول لتنظيم القاعدة بالجنوب عامة، ويتحصن فيه التنظيم منذ سنوات طويلة، ولم تصله حملات عسكرية نظرا لجغرافيته الصعبة”.
وأوضح في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أنه “في 2019 أطلقت قوات الحزام الأمني حملة لتطهير عومران من عناصر القاعدة، وبعد أكثر من شهر من المعارك ومع تحركات للقوات الإخوانية في شبوة وعدن توقفت الحملة، وعادت إلى مواقعها بعد فشل استكمالها” بسبب الإخوان.
وأشار إلى أن القوات الجنوبية في شبوة، وأبين تطبق الحصار على تنظيم القاعدة وعزلته من أي إمدادات تمهيدا لاجتثاث وجوده في آخر معاقله في مدينة المحفد الذي انتقلت إليها العناصر الإرهابية من معسكر “عومران”.
فضيحة مدوية
من جهته، يقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في اليمن سعيد بكران، إن إسقاط وادي عومران بمثابة فضيحة مدوية لتنظيم الإخوان الذي ينكر وجود الإرهاب باليمن ويصفه بـ”الشماعة”.
ويرى بكران أن معسكرات القاعدة تعد أحد الملفات السرية لحزب الإصلاح الإخواني، والتي تتساقط تباعا ليرى الناس “خبايا عقود الظلم والظلمات”.
وأضاف: “اليوم أبين تكشف المستور ولن تنفع حزب الإصلاح الإخواني أي محاولة لتغطية الفضيحة؛ لأن هذا الحزب والتنظيم هو صانع الإرهاب ولازال يحميه حتى اليوم”، مؤكدا أن المعسكر يعد أحد تحصينات الجناح العسكري لإخوان اليمن.
يذكر أن التحالف العربي سبق، وحرر ضمن عمليات مكافحة الإرهاب في أبريل 2016، مدينة المكلا عاصمة حضرموت في عملية خطفت أنظار العالم، وحرمت تنظيم القاعدة الإرهابي من استغلال أهم الحواضر على بحر العرب في شن عملياته فيما يعد عومران ثاني أكبر معاقل يتم إسقاط للتنظيم على مدى 6 أعوام مضت.