المرسى -تقارير
ملخص تنفيذي
يعاني اليمن من الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم، وفي الوقت ذاته يمتلك أكبر استجابة إنسانية في العالم. كان اليمن على شفا المجاعة خلال السنوات الأربع الماضية، ويعاني من الإهمال، والنقص الشديد في التمويل، ويتصف بكونه خطرًا للغاية. هذه هي الرواية التي صاغها وعززها من يقودون الاستجابة الدولية في اليمن على كلا المستويين الإنساني والسياسي، من شاغلي المناصب في اليمن إلى القيادة الإنسانية العليا في نيويورك وجنيف وروما. كانت الصورة المرسومة للجمهور التي ضُخمت عبر وسائل الإعلام وأُظهرت للمانحين تقول إن البلد يعاني من حاجة شديدة وملحة. وكونها جمعت أكثر من 17 مليار دولار أمريكي منذ العام 2015، فقد كانت رواية فعالة للغاية من حيث جمع الأموال، كما أنها نظرة تبسيطية بشكل خطير.
إن تصوير اليمن كدولة ترتبط فيها المشاكل بالحرب، وأنه مشكلة يمكن حلها بمزيد من الأموال لتقديم المزيد من سلال الغذاء لعدد أكبر من الأشخاص المحتاجين هو أمر مباشر وواضح بشكل مغري بقدر ما هو غير دقيق في الوقت ذاته. تستمر هذه السردية التي نادرًا ما تُحدد جزئيًا لأن الاعتراف بعيوبها يتطلب الاعتراف بفشل بحجم مليارات الدولارات. كما أن الاعتراف بعيوبها سيُلزم المسؤولين عن الاستجابة بتغيير أنظمتها الداخلية الراسخة وسياساتها ومواقفها تغييرًا جذريًا، ويجعلهم مسؤولين عن تلبية احتياجات اليمن الحقيقية والمهمة بشكل فعال، لا سيما احتياجات الفئات السكانية الأكثر ضعفًا. في ظل تراكم الأخطاء في الأسس واستمرار القرارات السيئة، يعمق الاستثمار المؤسسي للنظام الإنساني ككل في دعم الروايات المبسطة للوضع.
ما يمكّن استمرار هذه الروايات دون التحقق من صحتها هو الافتقار إلى الشفافية والتحديات الحقيقية الموجودة في أوضاع الصراع المعقد والطويل، إضافة إلى عدم وجود حافز للتغيير. كان من الصعب الحصول على تحليل مستنير في الاستجابة الإنسانية باليمن التي عابها وجود استعداد لقبول البيانات الجزئية والتسامح معها، وهي غالبًا بيانات متحيزة، وعادة ما تكون قديمة وتفتقر إلى الفروق الدقيقة، ما جعل من السهل التلاعب بها أو تجاهلها لتتوافق مع الأولويات. إطار العمل الأمني غير المرن الذي يمنع عاملي الإغاثة من المشاركة في العمل الميداني اللازم للحصول على فهم حقيقي للبيئة التشغيلية وتقييم الاحتياجات، وتحديد ما هو مطلوب للإيفاء بتلك الاحتياجات هو ما سمح لهذه البيانات المعيبة بالاستمرار. في الوقت نفسه، تنازلت الممارسات التي وُضعت للتعامل مع التحديات التشغيلية عن التحكم بالاستجابة للذين يمتلكون مصالح خاصة في تحويل المساعدات في اتجاه معين مما قد يطيل أمد الحرب، وخلق استجابة غير قائمة على المبادئ تبعد عاملي الإغاثة عن الناس الذين يريدون، بل يجب عليهم خدمتهم. أشارت دراسة استقصائية أُجريت مؤخرًا إلى أن المساعدات لا تصل حتى إلى الفئات الأكثر ضعفًا.[1] كُرست موارد غير مسبوقة لليمن، لتكون الاستجابة -وما تزال -ثاني أفضل استجابة من حيث التمويل في العالم على مدى جزء كبير من العقد الأخير، لكن البلد ما يزال يفتقر إلى استجابة مناسبة أو مستدامة أو هادفة.
في العام السابع للاستجابة الإنسانية، تبدو التقارير الواردة من اليمن قاتمة، فقد وُثق جيدًا وجود تحويل للمساعدات عن مسارها، وممارسات فساد، وتقييد الوصول، ونقص أو تضاؤل مساحة العمليات. غالبًا ما تُعزى التحديات والعقبات التي تعترض تقييم الاحتياجات والاستجابة في اليمن إلى بيئة العمل المقيدة والعقبات التي أوجدتها السلطات ولا سيما جماعة الحوثيين المسلحة، التي تسيطر على الشمال وهو الجزء الذي يحتوي على القدر الأكبر من سكان اليمن. مع ذلك، فإن الجزء الأكبر من المشاكل الأساسية في استجابة اليمن هي مشاكل داخلية. ذهب العديد من العاملين في المجال الإنساني إلى اليمن وخرجوا منها شاعرين بالإحباط والغضب، واصفين نظام تقديم المساعدات بعدم المرونة والفاعلية وغير مناسب. تساءل 73 من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية والمحللين والخبراء والجهات المانحة وممثلي المجتمع المدني وغيرهم ممن تمت مقابلتهم كجزء من هذا البحث عما إذا كانت المساعدات الإنسانية وحدها هي استجابة مناسبة لليمن دون تحقيق السلام و/أو معالجة مباشرة للأسباب الجذرية للوضع في اليمن.
عانى اليمن لعقود من سوء التغذية المزمن، وسوء الأمن الغذائي، وتحديات كبيرة في تقديم الخدمات. قبل بدء النزاع الحالي، كان يُعتقد أن ما يقرب من 15 مليون شخص -أي حوالي نصف السكان -بحاجة إلى دعم إنساني. تعود أسباب ذلك إلى سوء إدارة الدولة للموارد منذ فترة طويلة، وسوء تقديم الخدمات، والفساد، وفترات الصراع المتكررة، والانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة. ما يعنيه خط الأساس الضعيف للبلد هو أنه كان يتلقى دعمًا للتنمية من المجتمع الدولي لعقود من الزمن، ولم يؤدِ اندلاع الصراع الحالي عام 2014 إلا إلى زيادة الانهيار الاقتصادي والنزوح وتدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية، وإضافة المزيد من التدهور في تقديم الخدمات إلى مشاكل ومعاناة اليمن وشعبه. مع ذلك، على الرغم من أن الأسباب الجذرية للحاجة في اليمن تسبق الصراع الحالي بكثير، إلا أن المساعدات الإنسانية -وهي بطبيعتها استجابة قصيرة المدى للكوارث المفاجئة -ما تزال تُصنف كاستجابة مناسبة لمشاكل اليمن منذ نحو ست سنوات.
يصف كبار القادة الإنسانيين اليمن بأنه يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ووصف العديد من مقدمي المعلومات الرئيسيين ذوي الخبرة استجابة اليمن بأنها من بين أسوأ إن لم تكن أسوأ الاستجابات التي عملوا فيها على الإطلاق. وُجهت غالبية الانتقادات إلى النظام نفسه، من ضمنها القيادة الإنسانية في البلد والمقرات الرئيسية. جوانب الاستجابة الإنسانية في اليمن التي جرى تناولها في هذه السلسلة من التقارير هي التي أشار إليها مقدمو المعلومات الرئيسيون على أنها إشكالية تحديدًا، وهي جوانب ذات عواقب واسعة النطاق ويمكن تحسينها إذا كان هناك استعداد لإجراء تغيير.
فهم الأرقام وعيوبها وكيفية استخدامها
تمثل البيانات الحالية مع كل عيوبها وقيودها نقطة انطلاق للنظر إلى الاستجابة الإنسانية التي فشلت في أن تنطلق على أسس صلبة عام 2015 ولم تتعافَ بعد ذلك أبدًا. عند النظر إلى الاستجابة ضمن الاستجابات العالمية الأخرى، تظهر صورة أكثر دقة للإطار الإنساني اليمني مما يتلقاه العالم بشكل عام. عند مقارنتها مع حالات الطوارئ الإنسانية الكبرى الأخرى في البلدان التي تشهد صراعات معقدة، وتحديدًا أفغانستان وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، لا يبدو أن اليمن يستحق أن يوصف بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير المقارنات إلى التالي:
تظل اليمن البلد ذات العدد الأكبر من الأشخاص المحتاجين من حيث الأرقام المطلقة، إلا أن البلدان الأخرى هي أسوأ نسبيًا. ففي سوريا وجنوب السودان على سبيل المثال يُعد حوالي ثلاثة أرباع السكان من المحتاجين، ما يشير إلى أن هذه المجتمعات ككل تعاني من أزمة أعمق من التي يعانيها اليمن.
الاستجابة في اليمن تتضمن أقل عدد من الوفيات بين المدنيين الناتجة عن الصراع من بين بلدان المقارنة. حتى مع أخذ الوفيات بين المدنيين بسبب انهيار الدولة في الاعتبار (مثل انهيار الأنظمة الصحية وشبكات المياه وما إلى ذلك)، لا يُقارن عدد الوفيات في اليمن بعدد القتلى المرتفع في سوريا وجنوب السودان.
يُعد عدد النازحين في اليمن أقل من عدد النازحين في ثلاث كوارث إنسانية كبرى أخرى في العالم: سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان.
علاوة على ذلك، غالبًا ما يُوصف اليمن بأنه “على شفا المجاعة” أو “على بُعد خطوة واحدة من المجاعة”، لكن عند النظر إلى الأرقام، واستخدام التعريفات والمعايير المقبولة دوليًا التي يُعتمد عليها لإصدار مثل هذه الأحكام في الاستجابات العالمية، فإن هذا الوصف ببساطة غير صحيح لا من الناحية المطلقة ولا النسبية. كان لدى جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر عدد من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي نهاية عام 2020، في حين عانت سوريا من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي للفرد، وعانى جنوب السودان من أكبر عدد من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي كما شهد جزء واحد من البلد، على الأقل، المجاعة. من ناحية أخرى، تقول التقارير إن اليمن شهد تحسنًا في الأمن الغذائي بنسبة 15% خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2020، وهو أكبر نسبة تحسن على مستوى العالم.[2] صحيح أنه يجب التعامل مع انعدام الأمن الغذائي على أي مستوى، وينطبق ذلك على اليمن الذي تسبب فيه الأرقام قلقًا كبيرًا، إلا أن القول بأن اليمن هو الأسوأ حالًا أو على شفا المجاعة أمر غير صحيح على الأرجح. تُعد هذه القصة مجربة وثبت نجاحها في الحصول على التمويل، لكنها لن تستطيع الصمود أمام أي تدقيق.
هناك نوع من الصحة في الادعاء بأن اليمن هي أكبر استجابة إنسانية في العالم، فهي الثانية من حيث التمويل رغم مزاعم الإهمال وعدم كفاية التمويل. التمويل الإنساني العالمي مقسّم بين نحو 35 استجابة مختلفة، إلا أن معلومات خدمة التتبع المالي التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أشارت إلى أن اليمن قد تلقى حوالي 14% من الميزانية العالمية للمساعدات الإنسانية في السنوات الأخيرة. وبالمقارنة مع الاستجابات الأخرى، يمتلك اليمن عددًا أقل من العاملين في الإغاثة الإنسانية الموجودين على الأرض، ويمكن القول إن الخبرة الفنية أقل ضمن كوادرها من الموظفين. وكونها واحدة من أكبر الاستجابات وأكثرها تكلفة في جميع أنحاء العالم، إلا أن استجابة اليمن فشلت باستمرار في تقديم ما يجب أن تقدمه. وجد تقرير حديث أن الغالبية العظمى ممن تلقوا المساعدات في اليمن اعتبروها غير مناسبة لاحتياجاتهم، وأن العديد من الأشخاص الأكثر ضعفًا استُبعدوا من الحصول على المساعدات، خاصة النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الأدنى.[3] فالسؤال إذًا هو: لماذا؟
البيانات المعيبة هي ما يحرك استجابة اليمن
يجب أن تستند أي استجابة إنسانية إلى صورة واضحة ودقيقة للاحتياجات وتُستمد من تقييمات الاحتياجات التي توجه تخصيص الموارد (نوع المساعدات وكذلك الموارد البشرية والمالية). يُعد هذا الجانب أمرًا بالغ الأهمية من أجل تنفيذ مناسب وصحيح للاستجابة. لكن في اليمن، تُعد هذه الخطوة الأولى بالغة الأهمية مفقودة، حيث لم تُنفذ أي تقييمات للاحتياجات بداية الاستجابة عام 2015، وبعد خمس سنوات مذ بدء الاستجابة، لم يكن ممكنًا استكمال 60% من جمع البيانات. حتى خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021 أقرت بعدم وجود بيانات شاملة على مستوى البلاد في اليمن.
كانت البيانات المتاحة سيئة الجودة، وغالبًا ما جُمعت من قِبل السلطات التي تُعد طرفًا في النزاع ولديها مصالح خاصة في مقدار المساعدات المقدمة وأين ينتهي المطاف بها. رغم احتمال التحيز الشديد لتلك البيانات، إلا أنه يُعتمد عليها حتى حين تكون محدودة أو معيبة للغاية إلى درجة كونها بيانات غير تمثيلية أو تفتقر إلى التحليل في السياق. إن الغموض المحيط بكيفية جمع تلك البيانات ومن قام بجمعها وقيودها تعيق التدقيق في الادعاءات المقدمة بناءً على بيانات خاطئة، وهو ما يسمح بالمبالغة سواء فيما يتعلق بالكوليرا أو المجاعة، وكمية وأنواع الاحتياجات، والمخاطر الأمنية، وما إلى ذلك، وتتحد تلك العوامل لتشكل الروايات المتبناة مؤسسيًا والتي اعتُمد عليها في جمع التمويل. قالت الغالبية العظمى من الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يثقون كثيرًا في دقة الاحتياجات التي يُصور وجودها في اليمن، وغالبًا ما يشيرون إلى نقص البيانات الموثوقة. بناء التقييمات على بيانات معيبة يؤدي حتمًا إلى استجابة خاطئة. وليس من المستغرب أن عاملي الإغاثة الإنسانية، سواء كانوا موظفين دوليين أو يمنيين، أعربوا عن شكوكهم في مدى ملاءمة الاستجابة للوضع.
إطار العمل الأمني غير المرن يعزز الرواية ويعوق الاستجابة
تتأثر تحديات جمع البيانات بنقص الوجود الميداني لموظفي الإغاثة الدوليين والمستقلين على الأرض، الغياب عن الميدان يضعف جودة البرمجة وتقديم الخدمات، ويتسبب في فهم أقل للسياق والبيئة العملياتية، وهو ما يضعف اتخاذ القرارات في الاستجابة. تلتزم استجابة اليمن رسميًا بالمفهوم الإنساني المتمثل في “البقاء وتقديم الخدمات” حتى في أكثر البيئات صعوبة، إلا أنها كثيرة التقصير من الناحية العملية. أشار مقدمو المعلومات الرئيسيين إلى أن إطار العمل الأمني للأمم المتحدة، كما يُطبق ويُدار من قِبل إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن، لعب دورًا رئيسيًا في الحد من قدرة موظفي الإغاثة على تلبية الاحتياجات حيثما وُجدت في اليمن.
يُصور اليمن على أنه أحد أخطر الأماكن التي يعمل فيها موظفو الإغاثة، وهي واحدة من خرافة العمل الإنساني، ولكن عند مقارنتها بجميع السياقات الإنسانية الأخرى، لا يأتي اليمن حتى بين الدول الخمس الأولى التي شهدت حوادث ضد موظفي الإغاثة. أشار العاملون في المجال الإنساني من ذوي الخبرة في سياقات أخرى إلى اليمن باعتباره أحد البلدان الأكثر أمانًا التي عملوا فيها على مر السنين، عدا أن الأطر الأمنية في تلك الدول أكثر مرونة وتساهلًا. لا يخلو اليمن من المخاطر، لكن الأسئلة الأساسية تتعلق بما إذا كانت التدابير الأمنية المتخذة تتناسب مع قدر المخاطر الفعلية التي يواجهها، وما إذا كانت تلك التدابير موجهة نحو تمكين الاستجابة وليس فقط تجنب المخاطر. يميل الإطار الأمني في اليمن ميلًا شديدًا نحو التحصن بإبقاء عاملي الإغاثة خلف مكاتبهم في مجمعات محصنة بدلًا من إرسالهم في مهمات ميدانية، ويصفه الذين يعملون في إطار الاستجابة بالقديم والبيروقراطي وغير مرن وغير متناسب مع مستويات المخاطر الفعلية ومثبط لتنفيذ الأنشطة بشكل كبير. عزا موظفو الإغاثة الذين تمت مقابلتهم العجز في طرح استجابة جيدة وقائمة على المبادئ مباشرة إلى الإطار الأمني المطبق في اليمن.
حُدد الافتقار إلى القدرة التحليلية في البلاد بشكل عام وبشأن الأمن بشكل خاص باعتباره أحد التحديات الرئيسية. تركزت القدرات الضئيلة الموجودة في صنعاء، مما أدى إلى الخروج بتحليل يستند إلى حد كبير إلى البحث المكتبي أو على تقارير من كيانات خارج الاستجابة تفتقر إلى التركيز الإنساني اللازم لجعل تقاريرها مفيدة لصنع القرارات التشغيلية. محدودية الوعي بالسياق والبيئة تؤدي إلى انحراف عملية تحليل المخاطر، والتي قال بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين إنه تم التلاعب بها أيضًا لخدمة مصالح من يفضلون إعطاء الأولوية للأمن على إيصال المساعدات. فُرضت تدابير تخفيف غير مناسبة بناءً على هذه التصورات الخاطئة وهو ما يعوق وصول عاملي الإغاثة ووجودهم في المناطق المحتاجة.
إطار العمل الأمني وإجراءات التشغيل القياسية التي تمنع الاستجابة تتضمن ما يلي:
فرض عدد أقصى للموظفين والاستمرار في تطبيقه، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى اللوائح الأمنية المرهقة وغير المرنة في أماكن إقامة الموظفين. منع هذا الأمر وجود العدد الكافي من الموظفين المهرة في الميدان لضمان البرمجة الجيدة، والوعي بالسياق، والتشبيك، إضافة إلى توفير الرصد المباشر الذي يُعد ضروريًا لضمان المساءلة أمام الاستجابة والسكان. تشمل معايير أماكن الإقامة الميدانية للأمم المتحدة النوافذ المقاومة للانفجار، والمركبات المدرعة، والتوفير المستمر للكهرباء، والجدران الأمنية المحيطة، وما إلى ذلك، وهي أشياء ليست فقط باهظة الثمن، بل تستغرق وقتًا طويلًا مما يعوق أي تحرك للموظفين بشكل كبير.
إجراءات التشغيل المعيارية للتحركات تعرقل بشكل كبير القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات الآخذة في التكشف. التحركات لا تعتمد فقط على وجود تصريح من السلطات على الأرض، بل على تصريح من قِبل الأمن التابع للأمم المتحدة، ورؤساء الوكالات داخل البلد. في بعض الحالات التي تُصنف شديدة الخطورة، يجب الحصول على تصريح من المقرات في روما وجنيف وكذلك تصريح من نيويورك. وذُكر أن إجراءات التشغيل الموحدة للتحركات، ووجود الموظفين في الميدان، والأعمال الورقية المطلوبة لها من بين أكبر العوائق البيروقراطية للاستجابة.
رغم التوجيهات الواضحة التي تفيد باستخدام الحراسة المسلحة كملاذ أخير فقط، أكدت إدارة الأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن وحرصت أن يكون استخدام الحراسة المسلحة بروتوكولًا معياريًا للتحركات في جميع أنحاء البلاد، خاصة في الجنوب. شكل هذا الأمر عقبات بيروقراطية إضافية، وأضعف حيادية موظفي الإغاثة من خلال الارتباط بالأطراف المتحاربة التي توفر المرافقين المسلحين، ويعرض ذلك موظفي الاستجابة للخطر بشكل أكبر.
تحولت متطلبات عدم التضارب مع التحالف العسكري الذي تقوده السعودية إلى حصار بحكم الأمر الواقع على التحركات الإنسانية، حصار يسهّله كل من التحالف وإدارة الأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن. يتوجب القيام بتنظيم التحركات والاستجابة بوقت طويل قبل حدوثها وذلك بسبب البيروقراطية المتضمنة في عملية عدم التضارب، التي تنسق التحركات الإنسانية مع الجهات العسكرية لضمان المرور الآمن لموظفي الإغاثة والإمدادات الإنسانية. يُعد حجم المعلومات المطلوب تقديمها للتحالف لأغراض عدم التضارب مبالغة كبيرة، وتفرض على الاستجابة التزامًا غير مبرر بأن تثبت الطبيعة الإنسانية لأعمالها.
أدت عدم الرغبة المؤسسية في التغيير من موظفي العمليات والقيادة داخل الدولة والقادة على مستوى المقرات الرئيسية إلى عدم الكفاءة وعدم المرونة في نظام يقاوم أي جهد للدفع نحو استجابة أكثر انسيابية وفعالية.
أدى الافتقار إلى الثقافة التشغيلية المناسبة والافتقار إلى إطار أمني تمكيني في اليمن لاستجابة تتصف بالبطء، والترقيع، ورداءة النوعية، وانعدام المساءلة تقريبًا. فبدلاً من أن تركز الاستجابة على الاستراتيجيات المجربة والمثبتة مثل اكتساب القبول من خلال الوجود والحضور، وتقديم استجابة جيدة، وبناء الثقة، اقتصرت على وضع تدابير حماية زادت المسافة بين السكان والاستجابة ما أدى إلى عواقب سلبية طويلة المدى للمخاطر والأمن.
تعريف “صعب الوصول” بأنه مستحيل الوصول
أثر الافتقار إلى إطار أمني تمكيني أيضًا على الوصول في جميع البلاد. الوصول المستدام إلى السكان المحتاجين ضروري لتقديم المساعدات، لكن في اليمن لا يوجد وصول مستدام. تُعزى عدم إمكانية الوصول بشكل كبير إلى القيود التي تفرضها السلطات وتدخلها في العمليات الإنسانية، إلا أن تركيز اللوم على هذا الجانب يتجاهل كون الاستجابة الإنسانية مسؤولة عن ضمان بيئة عمل مواتية وخطوط حمراء واضحة.
في جميع جوانب الاستجابة، صغّر المجتمع الإنساني البيئة التشغيلية الخاصة به عبر وضع ممارسات سيئة تؤثر بشكل مباشر على الوصول، بل والاستمرار في تلك الممارسات. الاستجابة سمحت وما تزال بسلوكيات غير مقبولة من قِبل سلطات الحوثيين بشكل رئيسي مثل احتجاز الموظفين، وفرض القيود على التحركات، ورفض السماح بإجراء تقييمات واستجابة مستقلة، وتحويل المساعدات عن مسارها، والتدخل في العمليات الإنسانية. علاوة على ذلك، تواصل الاستجابة الاستعانة بالسلطات التي تُعد طرفًا في النزاع لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر. إن استخدام الأطراف التي خلقت المشكلة لحلها لا يوفر حافزًا للتغيير، وعلى المدى الطويل قللت الوصول المباشر إلى السكان فقط. إن عدم الرغبة والعجز على رسم وفرض الخطوط الحمراء المحيطة بهذه القضايا شجع السلطات التي تواصل وضع العقبات أمام إيصال المساعدات. لا يمكن توقع أي شيء سوى استمرار تدهور بيئة التشغيل والوصول في حال استمر غياب الحدود والرغبة في فرض عواقب على القيود والسلوكيات غير المقبولة.
عندما يكون التركيز على ذكر معوقات الوصول بدلًا من إصلاحها، يصبح الوصول نشاطًا جانبيًا وليس مسؤولية أساسية. على الرغم من تعقيد بيئة العمليات في اليمن، لم تكن هناك استراتيجية وصول على مستوى النظام في الماضي ولا توجد هكذا استراتيجية في الوقت الحالي. هذا يعني أنه بخلاف تتبع عوائق الوصول، لا يوجد سوى القليل من الزخم أو الدفع نحو إيجاد حلول أو إحداث تغيير. تبدأ المشكلة مع التعريفات الأساسية، وفقًا للأمم المتحدة، يصعب الوصول إلى ما يقرب من 80% من السكان المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية،[4] ولكن في الواقع العملي من غير الواضح ما يعنيه ذلك. غالبًا ما يُفسَّر ذلك على أنه يستحيل الوصول، وهذا التفسير يثبط بطبيعته أي محاولات للوصول. لكن ما قاله العديد من العاملين في الإغاثة إنه من الممكن الوصول إلى أغلب المناطق في اليمن إذا بُذل القليل من الجهد.
إلى جانب الفشل في الحصول على صورة أكثر دقة للوصول في اليمن وغياب استراتيجية معالجة العوائق، فشلت الاستجابة حتى الآن في تحديد وفهم الأطراف المحلية وشبكاتها وكيفية التفاوض مع من يمسكون بزمام السلطة. نتيجة لذلك، تجري معظم المفاوضات على المستوى المركزي مع عدد قليل من المحاورين، مما يؤدي إلى طرق مسدودة في كثير من الأحيان، بينما لا توجد طرق بديلة للضغط عند الوصول إلى طريق مسدود. انعكس هذا النقص في التحليل والمشاركة والتخطيط، الذي تأثر بشدة بالإطار الأمني المعمول به، على إنشاء استجابة لامركزية وأبطأها. أما عدم التفاعل بين العاملين في الإغاثة والمحاورين على الأرض -أي الأشخاص المهمين لمعرفة متى تكون هناك حاجة للوصول لتنفيذ الاستجابة -فلم يحقق شيئًا سوى تشجيع الميل للعمل عن بُعد. ما يزال تركيز موظفي الإغاثة في صنعاء وعدن، ما يؤثر على وقت الاستجابة للأحداث على الأرض والرصد والمساءلة. تتفاقم هذه المشكلة بسبب نظام التنسيق المختل الذي من غير المرجح أن يكون أفضل نهج لليمن. كجميع الأنشطة الأخرى، يجري التنسيق مركزيًا داخل نظام المجموعات، ويعتمد التنسيق بشكل كبير على من يجلسون في صنعاء لاتخاذ القرار وتخصيص الموارد والاستجابة. ونظرًا لأن جزء كبير من البلاد ما يزال بعيدًا عن الوصول بالنسبة لصنعاء، اقترح مقدمو المعلومات الرئيسيين أن هناك حاجة إلى بدائل، تحديدًا نهج قائم على المناطق كونه قد يكون أكثر فعالية لأنه سينسق على المستوى المحلي بشكل أفقي وليس رأسيًا.
رغم التوصيات والدعوات لمزيد من اللامركزية منذ بداية الاستجابة لتحسين الوجود والوصول والتنفيذ، لم تبدأ بعض الخطوات التي قد تكون جوهرية، إلا أنه منذ عام 2021 وهو العام السابع من الاستجابة، اتُخذت بعض الخطوات المحتملة لإنشاء مكاتب فرعية إضافية وتوظيف عاملين فيها. هناك مخاطر تتمثل في أن هذه الجهود -كالعناصر الأخرى في الاستجابة -ستُقوّض من قِبل تحديات الإطار الأمني الحالي والعقلية الراسخة لصنع قرارات البلد بالكامل مركزيًا في صنعاء. ستكون هناك حاجة إلى تحوّل كبير في العقلية وكذلك السياسات إذا كانت هناك رغبة في تمكين هذه المراكز وتزويدها بالموارد المطلوبة (لا سيما الموظفين) والمسؤوليات والصلاحية من أجل تحسين الاستجابة.
من استجابة أسسها معيبة إلى استجابة غير قائمة على المبادئ
نتيجة لما نُوقش سابقًا، وكما هو موضح في هذه السلسلة من التقارير، فإن الاستجابة غير القائمة على المبادئ تتسم مساحة عملها وقدرتها بأنها آخذة في التضاؤل بمواجهة التنازلات المستمرة. قوضت الاستجابة استقلاليتها وحيادها بتنازلها عن السيطرة على عملية تقديم المساعدات للأطراف المتحاربة بدءًا من تحديد الاحتياجات إلى تنفيذ الاستجابة، وتمويل تلك الأطراف مباشرة بأموال المساعدات الإنسانية. لا تمتلك الاستجابة الوجود لضمان الرصد الكافي، وبالتالي فقدت قدرتها على دعم المساءلة لمتلقي المساعدات والمانحين. يقودنا هذا إلى السؤال غير المريح حول العواقب المرتبطة بهذه الاختيارات. إن سيطرة الأطراف المتحاربة على موارد المساعدات وتخصيصها، وهي سيطرة أصبحت ذات طابع مؤسسي، تفتح فرصًا للتلاعب بالمساعدات لدعم المزيد من جهود الحرب، وهو أمر يتعارض بشكل مباشر مع هدف المساعدات المتمثل في التخفيف من المعاناة وتطبيق مفهوم “عدم الإضرار”. أما بالنسبة لأي مدى أدت الاستجابة إلى استمرار المعاناة فهو أمر يتطلب مزيدًا من البحث.
في اليمن، تستخدم المساعدات من قِبل مجموعة واسعة من الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية. ولا يُعد هذا الأمر مهمًا للسلطات داخل اليمن فقط، بل استُخدم أيضًا في المجالات السياسية الإقليمية والدولية لأسباب مختلفة. مثلًا، استُخدمت المساعدات الإنسانية لسنوات في محاولة لإظهار إنجازات في العملية السياسية المتعثرة التي يديرها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. كان لهذا الترابط الوثيق بين السياسة والمساعدات تكلفة على الاستجابة الإنسانية، ويرى موظفو الإغاثة الدوليين واليمنيين أن الاستجابة أخلّت بحيادها واستقلاليتها. كانت العواقب وخيمة أحيانًا، مثل الضغط الذي مُورس لتقديم كميات كبيرة من المساعدات الغذائية إلى مدينة الدريهمي عام 2019، حيث استفاد مقاتلو الحوثيين بشكل أساسي منها. على الصعيد السياسي، لم يؤدِ الخلط بين السياسة والمجال الإنساني إلى نتيجة جيدة دائمًاً، إذ أُجل اقتراح السلام الأخير الذي قدمه المبعوث الخاص للأمين العام لليمن جزئيًا بسبب الجوانب الإنسانية التي دُمجت فيه كحوافز. يوظف المانحون الرئيسيون الاستجابة للمساعدات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية. مُوِّل الجزء الأكبر من الاستجابة حتى الآن من قِبل القوى الإقليمية التي كانت طرفًا رئيسيًا في القتال وداعميها الدوليين ممن لديهم مصالح خاصة. أكبر أربعة ممولين رئيسيين لمعظم استجابة اليمن هم السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهم أيضًا من ساعد في استمرار حرب اليمن عبر الدعم المباشر لأحد أطراف النزاع وعبر مبيعات الأسلحة. للجميع مصالح غير إنسانية في اليمن. وفي حين دافع عدد قليل من مقدمي المعلومات الرئيسيين عن قبول الأموال من أطراف النزاع، أثار أكثر من خمسة أضعاف مقدمي المعلومات الرئيسيين هذه القضية بشكل سلبي باعتبارها ضارة بالمبادئ الإنسانية.
الاستجابة القائمة على المبادئ هي القاعدة الأساسية لتأسيس بيئة عمليات تؤدي إلى استجابة فعّالة. التنازلات خيار ممكن، ولكن كملاذ أخير وخلال فترة زمنية قصيرة وباستراتيجية خروج واضحة. في السنة السابعة من الاستجابة في اليمن، كانت التنازلات هي القاعدة وليست الاستثناء. وبدلًا من أن تحسّن الوصول إلى السكان المحتاجين وتضمن إيصال المساعدات، لم تؤدِ الحلول الوسط سوى إلى تضاؤل الوصول، ودعم مواصلة الحرب (دعم غير مقصود)، وربما حتى إطالة المعاناة بدلًا من تخفيفها.
أدى كل ما سبق إلى تصور مروّع للمساعدات الإنسانية في اليمن، لم يعبّر 33 يمنيًا من بينهم عاملون في الإغاثة وناشطون مجتمعيون تمت مقابلتهم عن وجهة نظر إيجابية بشأن الاستجابة، ووصفوا الاستجابة غير القائمة على المبادئ بالفاسدة، وتحقق مكاسب شخصية أو مؤسسية، ورديئة النوعية، وغير مناسبة، وفشلت في فهم اليمن واحتياجاته. شارك موظفو الإغاثة غير اليمنيين آراءً مماثلة إلى حد كبير، وصنفوا استجابة اليمن من بين أسوأ الاستجابات وأقلها فاعلية من بين الاستجابات التي عملوا فيها.
يمكن أن تتغير طبيعة المساعدة، لكن العيوب المنهجية ما تزال بحاجة إلى إصلاح
منذ بدايتها عام 2015، لم تتوافق الاستجابة الإنسانية في اليمن مع النماذج المعتادة للاستجابة. ما يعنيه الدعم المؤسسي الثقيل بدلًا من التنفيذ المباشر، والتركيز على استمرار الخدمة بدلًا من أساليب الطوارئ، هو وجود نموذج هجين أكثر من الاستجابة التقليدية. يمكننا رؤية ما يدعم ذلك من خلال النظر في كيفية تخصيص التمويل، حيث خُصص أكثر من 25% من تمويل الاستجابة من 2015-2019 لأنشطة التنمية.[5] فهل الاستجابة في اليمن إنسانية حتى، وهل ينبغي أن تكون إنسانية؟ لا يُعزى الوضع الإنساني في اليمن إلى الصراع وحده. أدت الحرب إلى تفاقم ظروف موجودة مسبقًا أبقت اليمن لفترة طويلة بالقرب من قاع مؤشرات التنمية العالمية، وخلقت بعض الصعوبات الجديدة، لكن لا يُقصد بالمساعدات الإنسانية حل المشكلات المزمنة والمؤسسية طويلة الأمد؛ المساعدات ببساطة طريقة قصيرة الأمد منقذة للحياة ولن تحل الأسباب الكامنة. ومع ذلك، ما تزال الرواية المستخدمة عن اليمن تركز على الشؤون الإنسانية، فتلك الرواية التي تجلب المال.
في الآونة الأخيرة، بُذلت محاولات لإدخال نهج جديد، الرابطة بين الإنسانية والتنمية والسلام (أو الرابطة الثلاثية). يعترف هذا النهج بأن الأزمات الحديثة أصبحت صراعات طويلة الأمد، تتطلب أكثر من نهج واحد. يحاول هذا النهج تنسيق نهج شامل ومتماسك بين ثلاث ركائز مختلفة لتصميم حلول أفضل. هذا النهج ليس مفهومًا جديدًا، إلا أن الرابطة الثلاثية منطقية في فرضيتها. مع ذلك، يعاني هذا النهج أيضًا من حيث تحويله إلى عمليات، كما عانت الجهود المماثلة منذ تسعينيات القرن الماضي لتغيير طريقة إيصال المساعدات. التحديات المتعلقة بالتعريف، والترجمة إلى عمليات، والقيادة، والتمويل، والعقلية المؤسسية، وتأثيرها على المبادئ الإنسانية عنت وجود أمثلة قليلة أو معدومة على الترجمة الناجحة لهذا النهج في الواقع. ينطبق هذا أيضًا على اليمن، حيث بدأت المناقشات حول الرابطة الثلاثية عام 2018 وأُضفي الطابع الرسمي عليها في الاستجابة عام 2021. صحيح أن الأمر يبدو جيدًا على الورق، إلا أن ترجمته إلى أفعال لم تحدث وما يزال المفهوم غامضًا. التساؤلات تحيط بالتمويل والتنسيق والخبرة الفنية في الركائز المختلفة وكيفية التعامل مع جانب السلام من هذا المثلث.
الخطر الآخر لنهج الرابطة الثلاثية والمتعلق باليمن هو أن النهج بطبيعته يتعارض مع الرواية التي استمرت لسنوات، وهي رواية حرب تغرق اليمن بسرعة في المجاعة والمرض، ولكن من الممكن إيقافها بمزيد من المساعدة للتدخلات السريعة. من الصعب إقناع المانحين بحالة من الاحتياجات المستوطنة التي تتطلب برامج أوسع واستثمارات مباشرة كبيرة على المدى الطويل في سلطات غير مجربة (أو معروف أنها فاسدة) كما تشير اتجاهات تمويل التنمية. بالتالي، يتم الحفاظ على النظرة المشوشة للاحتياجات في اليمن وحلولها للحفاظ على أهداف التمويل مع الموافقة على مؤشرات ومسببات الاحتياجات.
المجيبون الذين تساءلوا عما إذا كان هذا النهج هو الصحيح اتفقوا على أن المساعدات الإنسانية ليست الطريقة الوحيدة أو المناسبة لتلبية الاحتياجات في اليمن. اقترح بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين أن الحل الأفضل سيكون استجابة تقودها التنمية، وتعمل بشكل مستقل بالتوازي مع استجابة إنسانية أصغر وأسرع وأكثر مرونة. في هذا النموذج، سيكون هناك اتصال وتنسيق بين الجهود الإنسانية والإنمائية، ولكن من الممكن إبقاء الاستجابة الإنسانية معزولة عن المساعي والمصالح السياسية.
بغض النظر عما إذا كان قد تُبني نهج الرابطة أو أي نموذج آخر، فإن السؤال المهم هو ما إذا كان تبني نهج جديد سيكون كافيًا لإصلاح استجابة اليمن. من الواضح أن الطريقة المستخدمة حاليًا لم تنجح، فهي قائمة على رواية واهية تنهار بمجرد فحصها عن قرب. الاستجابة غير القائمة على المبادئ لا تمتلك سوى وصول محدود إلى السكان، وتُحاصر بإطار أمني غير مرن وغير متناسب ومضلل في أفضل الأحوال. اتفق مقدمو المعلومات الأساسيين بأغلبية ساحقة على أن الاستجابة في اليمن بحاجة إلى إعادة تصميم جذري لضمان التغيير. سيتطلب ذلك تحليلًا صحيحًا للخطأ الذي حدث، تحليل مبني على الصورة الحقيقية لماهية اليمن وما تحتاجه، وكيف يمكن تصحيح ذلك الخطأ. سيكون دعم المانحين حاسمًا لنجاح أي نهج جديد، سواء كوجود على الأرض لضمان المساءلة أو تقديم تمويل أكثر مرونة، وهو أمر مطلوب لتمكين أساليب المساعدات الإنسانية والموجهة نحو التنمية للعمل جنبًا إلى جنب.
إجراء هذه العملية سيكون له ثمنه، وستكون التغييرات الداخلية للأنظمة والموظفين والعمليات الموصى بها نتيجة لهذا البحث عميقة ومؤلمة في التنفيذ. سيتطلب التخلي عن الاستجابة المعيبة قبولًا مؤسسيًا للفشل، والاعتراف باتخاذ قرارات خاطئة باستمرار لأكثر من ست سنوات. من المحتمل أن يؤدي الاعتراف الصريح بهذا الأمر إلى تعريض التمويل للخطر ويتطلب نوعًا من الشجاعة التي لم تظهر حتى الآن داخل النظام. ولكن حتى يتم التعرف على القضايا التي أُبرزت ومعالجتها، فإن أي نهج جديد سيكون مثقلًا بأوجه القصور والعيوب الحالية، مما يجعل فشله محتملًا.
الجهود والاستثمارات المطلوبة لهذه العملية ستكون مكثفة، والنتيجة ستكون استجابة تعمل بشكل صحيح ومناسبة للاحتياجات والسياق، وتتكيف مع التحديات دون تقويض أساسيات تقديم المساعدات. إذا نُفذت استجابة اليمن بشكل صحيح، أي أنها تلبي احتياجات اليمنيين قصيرة المدى خلال الأزمات بالتوازي مع العمل طويل الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية وتأمين الاستقرار في المستقبل، فيمكن أن تكون هذه الاستجابة مثالًا لكيفية تقديم المساعدات في الطبيعة المتغيرة للأزمات العالمية كما نشهدها اليوم.
التوصيات الرئيسية
لكبار قادة الاستجابة الإنسانية في اليمن:
الإقرار بأن الاستجابة الإنسانية الحالية هي دون المستوى الأمثل، وبدء تحليل شامل بهدف إنشاء استجابة أكثر ملاءمة وهادِفة. يجب أن تأخذ إعادة صياغة الاستجابة في الاعتبار الأسباب الجذرية للأزمة وأن تساعد في تعزيز استجابة إنسانية أكثر فعالية عندما وحيث تكون المساعدة المنقذة للحياة مطلوبة.
فصل جمع البيانات وتحليل الاحتياجات عن جمع الأموال ومصالح الوكالات للسماح بتمثيل أكثر دقة للاحتياجات لإبلاغ الاستجابة والمساعدة في التخطيط الاستراتيجي والبرمجة واستعادة ثقة المانحين في الاستجابة. هذا يقتضي التخلي عن الروايات المبالغ فيها أو الروايات الكاذبة.
ضمان فعالية التدخلات الإنسانية متى وأين كان هذا ضروريًا عبر توفير أفضل البيانات الممكنة. لتحقيق هذه الغاية:
مشاركة التحيز المحتمل، والتمثيل المحدود، والمنهجية التي يتم من خلالها جمع البيانات بصراحة وشفافية لضمان إمكانية تفسيرها بشكل صحيح. إذا كانت البيانات المتاحة معيبة وقديمة، فيجب التأكد من توضيح حدودها وعدم المبالغة في قيمتها.
زيادة استخدام الطرق البديلة والمبتكرة لجمع البيانات لزيادة الفهم والمساعدة في تقديم صورة أوضح.
إجراء تقييم تمثيلي على مستوى الدولة بأسرع ما يمكن لتكوين صورة دقيقة لاحتياجات الشعب اليمني.
التأكد من فهم الاستجابة لبيئتها الأمنية فهمًا صحيحًا عبر التحليل المحسّن للسياق والمخاطر الذي سيمكّن من اتخاذ تدابير التخفيف المناسبة ويسمح للاستجابة بالوفاء بواجبها المتمثل في البقاء وتقديم الخدمات. لتحقيق هذا الهدف يجب:
إصلاح نظام إدارة الأمن في اليمن ما يجعل البروتوكولات الأمنية أكثر شفافية ومرونة وكفاءة، وإزالة التعديات غير الضرورية التي تعقد قدرة العاملين في المجال الإنساني على التحرك في جميع أنحاء منطقة العمل.
تشكيل فريق من موظفي الوصول والأمن مكلفين بتمكين تنقلات الموظفين بكفاءة وإيصال المساعدات (مثل نموذج الموصل).
إصلاح آلية عدم التضارب في اليمن لإنشاء نظام بسيط وكفء وفعال يمكّن من حرية حركة عاملي الإغاثة والمساعدات. ولذلك يجب:
العودة إلى فرضية أن الإخطار بالحركة كافٍ دون الحاجة إلى إقرار أو إذن من التحالف الذي تقوده السعودية، وبالتالي ضمان عدم قدرة لجنة الإجلاء والعمليات الإنسانية على استخدام نظام عدم التضارب لمنع المساعدات لتحقيق مصالحها الخاصة.
تقليل كم المعلومات الممررة إلى لجنة الإجلاء والعمليات الإنسانية لتخفيف عبء البيانات، وضمان عدم استخدام البيانات المشاركة لأغراض أخرى، وإنهاء أي فكرة مفادها أن نوايا تقديم المساعدات يجب أن تبرر للأطراف المتحاربة.
مراجعة كاملة لجميع مواقع عدم التضارب الدائمة للتأكد من طبيعتها الإنسانية وتقليل القائمة إلى المواقع الأساسية فقط.
التوقف عن طلب دليل على عدم التضارب للسماح بتحركات موظفي الأمم المتحدة.
التوقف عن استخدام أطراف النزاع أو الكيانات المدنية التابعة لها كشركاء منفذين للمساعدات الإنسانية.
وقف التمويل وتقديم الدعم المادي، سواء بشكل مباشر أو من خلال المساعدة الإنسانية، لأطراف النزاع.
تطوير ودعم خط أساس للاستجابة الإنسانية نفسها، يحدد بوضوح مبادئ التشغيل والعتبات والخطوط الحمراء والعواقب المترتبة على الانتهاكات. لا يجب السماح بأي تنازلات إلا بموجب مبدأ الملاذ الأخير، وضمان التزام المجتمع الإنساني بأكمله من خلال متطلبات الإبلاغ وآلية الامتثال.
وضع خطوط حمراء محددة بوضوح للاستجابة الكاملة، وتكون معروفة للسلطات على الأرض، إلى جانب فرض عواقب تجاوز تلك الخطوط. على سبيل المثال، تشمل عواقب التصرف خارج المعايير المعقولة والمقبولة عالميًا (المتعلقة بالتدخل والتلاعب والتحويل وما إلى ذلك) حجب الدعم المؤسسي عن السلطات، وتعليق المساعدات مؤقتًا في المناطق التي حدثت فيها الانتهاكات، وإبلاغ الجهات العامة والجهات المانحة بالانتهاكات.
العمل كجسد واحد، وإظهار التضامن والتماسك مع الأطراف الخارجية، وضمان عدم قيام أي منظمة بالعمل من تلقاء نفسها لتقويض المواقف والمفاوضات المشتركة.
إعطاء الأولوية لإنشاء استراتيجية وصول على مستوى النظام، تُطور من قِبل أشخاص ذوي خبرة في استراتيجيات الوصول وخبرة تشغيلية سليمة.
إجراء أصحاب المصلحة والشبكة تحليل كامل للسلطات والمجموعات في اليمن يحدد شبكة أوسع من الأطراف التي يمكن مناصرتها القضايا الإنسانية الرئيسية والتفاوض معها.
إعطاء الأولوية لدعم الوصول التشغيلي على الإبلاغ عن معوقات الوصول، ووضع إرشادات واضحة بشأن السلوك المناسب للجهات الفاعلة الإنسانية. يجب أن يرصد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التزام جميع المنظمات بتلك الإرشادات.
اتخاذ خطوات نحو تغيير الثقافة العملياتية والخروج من طريقة العمل الحالية الخاملة عن طريق نقل الموظفين إلى الميدان والتأكد من تركيز الأهداف والغايات على تحسين تقديم المساعدات بدلًا من التركيز على الإبلاغ وتقديم التقارير. يمكن المساعدة في ذلك من خلال تعيين موظفي عمليات لديهم سجل حافل من الكفاءة الفنية في البيئات المعقدة.
التمييز (معرفة الفرق) بين المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات الحوثيين والتابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والاستفادة من مساحة التشغيل الأفضل والوصول الأوسع في المناطق الجنوبية لتقديم استجابة عالية الجودة وفعالة من شأنها أن تحدث فرقًا مستدامًا لكثير من الناس.
بدء تحليل شفاف لكيفية مساهمة قطاع المساعدات في اقتصاد الحرب باليمن، وتوظيفه لتوجيه أي تصميم مستقبلي للاستجابة.
إعادة صياغة حجة وأسس الدعم لليمن برسالة واضحة ومتسقة مفادها أن مشاكل اليمن لا يمكن حلها بالمساعدات الإنسانية.
بناء على التحليل السليم، يجب إجراء تقييم واقعي للاحتياجات في اليمن سواء الإنسانية أو تلك الموجهة نحو التنمية. تقييم ما إذا كان نهج الرابطة الثلاثية نموذجًا مناسبًا لليمن، والانفتاح على الاحتمالات التي قد لا تكون قابلة للتطبيق بالكامل أو تتطلب استجابات منفصلة منها ما تلبي الاحتياجات الإنسانية ومنها ما تفي بالاحتياجات الإنمائية بشكل مناسب.
تحويل الغالبية العظمى من الدعم إلى طرق التنمية الرسمية، وتنفيذ برامج الإنعاش والتنمية المناسبة حيثما أمكن ذلك، وجلب موظفين ذوي خبرة ومهارات مناسبة لضمان التصميم والتنفيذ المناسبين لهذه البرامج والأنشطة الموجهة نحو التنمية. على سبيل المثال، يجب ألا ينفذ موظفو الإغاثة أنشطة إنمائية.
حماية الاستجابة الإنسانية من أن تُستخدم وتُستغل في العمليات السياسية مثل اتفاق ستوكهولم والإعلان المشترك لمكتب المبعوث الخاص للأمين العام لليمن.
لجميع الجهات الفاعلة بالقطاع الإنساني في استجابة اليمن:
زيادة الوجود الميداني لعاملي الإغاثة خارج صنعاء من أجل توفير فهم أفضل للاحتياجات وبيئة العمليات، إضافة إلى الدوافع والعوامل المساهمة في احتياجات السكان المتضررين.
لا تسمح لعدم القدرة في جمع البيانات بطريقة محسّنة أن تعرقلك أو تثبطك حيثما أمكن، وتجنب الاعتماد على المعلومات المقدمة من قِبل الجهات الفاعلة ذات المصالح الخاصة في التخصيص الجغرافي، ونوع الاستجابة، وإدراج شرائح معينة من المجتمع.
اتباع نهج أكثر دقة عند النظر في احتياجات السكان اليمنيين وتحديدها. خاصه ما يلي:
تحليل البيانات التي جُمعت في السياق والبيئة لفهم الأسباب الجذرية بشكل صحيح والإشارة إلى الاستجابة المناسبة.
التأكد من أي إشارة إلى مصطلح “في حاجة” أن يعكس بدقة شكل الحاجة لضمان تقديم الاستجابة المناسبة.
إشراك المجتمعات المحلية في تقييم الاحتياجات وتصميم البرامج.
يجب استخدام البيانات التي تعكس الوضع على الأرض لتمكين التحليل الذي سيوفر معلومات أفضل لعملية صنع القرار بشأن الوصول. يجب تحديدًا مراجعة تصنيف المواقع التي يصعب الوصول إليها ليكون قائمًا على بيانات مؤكدة بدلًا من التصورات الذاتية المنبثقة عن نقاشات مجموعات التركيز.
التأكد من أن المساعدات المقدمة مناسبة للاحتياجات (مثلًا، لا تكون المعونات الغذائية دائمًا النوع الصحيح من المساعدات لمعالجة انعدام الأمن الغذائي)، وألا يُختار نوع المساعدات بناءً على سهولة التوزيع أو تفضيلات الجهات المانحة.
ضمان إنفاق الموارد بحكمة من خلال التركيز على الأنشطة التي تحدث تأثيرًا جوهريًا وإيجابيًا ودائمًا على المجتمعات المحتاجة، بدلًا من استمرار الأنشطة التي تقدم تغطية واسعة، ولكنها سطحية.
انفتاح وشفافية أكثر بشأن المؤشرات والأرقام المستخدمة للتحقق من الاستجابة، بحيث تُبلغ الجهات المانحة وغيرها بالإنجازات الفعلية والواقعية. مثلًا، حجم المساعدات المنقولة عبر البلاد لا يعادل المستفيدين الذين تم الوصول إليهم.
عملية اختيار المستفيدين من خلال توفير مراقبين تنظيميين، وحظر التعاقد من الباطن مع أي طرف من أطراف النزاع يمتلك مصلحة في المكان الذي تصل إليه أو تنتهي إليه المساعدات.
الاستفادة من وجود موظفي الإغاثة على الأرض، بمن فيهم الموظفين الدوليين، لإجراء مراقبة ورصد ما بعد التوزيع بدلًا من الاعتماد على مراقبين محليين من أطراف ثالثة.
إنشاء آليات امتثال مناسبة تتم فيها متابعة تقارير إساءة استخدام المساعدات ومعالجتها بطريقة شاملة وفي الوقت المناسب.
وضع تدابير للتواصل بشفافية ونزاهة واستمرار مع السلطات والمجتمعات والمستفيدين بشأن طرائق المساعدة ومعايير الإدماج والتحديات التي تتم مواجهتها لضمان فهم وتخفيف الإحباط والتصورات السلبية.
إعطاء الأولوية للتضامن داخل القطاع الإنساني لضمان الامتثال للخطوط الحمراء وضمان عدم استطاعة منظمة ما تقويض عمل منظمة أخرى.
تحسين عملية صنع القرار عند مواجهة صعوبات تشغيلية تتحدى الإجراءات القائمة على المبادئ. سيتطلب ذلك تطوير أطر عمل وتوجيهات حول اتخاذ القرارات الأخلاقية، وتوفير تدريب ثابت للموظفين، وضمان التواصل الخارجي المستمر لجميع أصحاب المصلحة بشأن مبادئ المساعدة الإنسانية، والخطوط الحمراء، والظروف غير المقبولة.
لإدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن:
إجراء مراجعة فورية للعقبات البيروقراطية الناتجة عن نظام إدارة الأمن في الأمم المتحدة ومراجعة عبء الإجراءات البيروقراطية على الاستجابة.
ضمان أن تصبح إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن كيانًا يركز على الميدان ويتسم باللامركزية من خلال إخراج الموظفين من صنعاء ووضعهم في جميع أنحاء البلاد لإبلاغ تحليل الأمن والمخاطر. يجب أن يكون عدد العاملين في الميدان أكثر من عددهم في صنعاء.
إصلاح عملية تطبيق إجراءات إدارة المخاطر الأمنية لضمان أن يُبنى تحليل السياق والتهديدات على الحقائق، والالتزام بإجراءات التشغيل القياسية والمعايير الدولية. يجب أن يركز التحليل على تأثير عمل وولاية موظفي الأمم المتحدة بدلًا من التحليل العام المعمم. لتحقيق هذه الغاية يجب:
التأكد من وجود محلل أمني واحد على الأقل في كل مركز وكذلك في صنعاء وعدن لتمكين التحليل المحلي الجيد للأمن والمخاطر.
استباقية التحرك خارج المجمعات وفي جميع أنحاء البلاد لفهم السياق والمخاطر والضعف بشكل أفضل.
النظر في تعيين خبراء في مجالات مثل الاقتصاد والأنثروبولوجيا والصراع، والذين يمكنهم تطوير خط أساس مناسب لفهم البيئة التشغيلية (الأمنية) والتأكد من أن التحليل الحالي متاح بسهولة لإبلاغ صناع القرار.
التأكد من أن التحليل يستند إلى حقائق موثوقة تم تثليثها أو التحقق منها لتجنب التلاعب بالبيانات من أجل الإبقاء على الوضع الراهن.
التحلي بالشفافية مع المجتمع الإنساني حول كيفية تحليل المخاطر وأسباب اتخاذ القرارات المتعلقة بالمخاطر والتخفيف من حدتها.
إعطاء الأولوية للمهارات المطورة عبر الخبرة السابقة التي تمكّن البرمجة الإنسانية عند تعيين ضباط الأمن بدلًا من الاقتصار على مرشحين من خلفيات في سلطات إنفاذ القانون أو الجيوش أو الشركات الأمنية الخاصة، والتي تكون فيها الأساليب الرادعة الأكثر صرامة هي القاعدة.
تبسيط الإجراءات الأمنية لتعزيز الكفاءة. لتحقيق هذه الغاية: تعيين موظفين محددين للتعامل مع طلبات البعثات؛ وإعطاء الأولوية للتحركات الإنسانية، ومراجعة المتطلبات الأمنية للمواقع الميدانية لضمان جعلها أكثر مرونة لتسهيل وتسريع العملية الناشئة لتفعيل المراكز الميدانية.
إزالة المتطلبات الحالية بشأن استخدام المرافقين المسلحين واتباع إرشادات اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات حتى لا يتم استخدام المرافقين المسلحين إلا في ظروف استثنائية بموجب مبدأ الملاذ الأخير.
الاستثمار في ركيزة القبول بدلًا من اتباع نهج الوقاية والتحصين. ويمكن ذلك عبر ضمان التأكيد بوضوح على مفهوم القبول في جميع الخطوات العملية لإدارة العملية الأمنية وتيسير عمل الموظفين في الميدان، بما في ذلك البعثات الميدانية المصاحبة والسماح للموظفين بالتواصل مع أفراد المجتمع.
للمانحين:
تمويل المراجعات الميدانية المستقلة لكفاءة المعونة. دون وجود المانحين على الأرض، لا توجد آلية مستقلة للتحقق من المعلومات المقدمة من القطاع الإنساني، وبالتالي يُعد هذا الأمر ضروريًا للحفاظ على سلامة الاستجابة.
المناصرة على أعلى المستويات لإجراء مراجعة مستقلة وفورية لمدى تمكين نظام إدارة الأمن للأمم المتحدة في اليمن.
الصرامة في سؤال القيادة الإنسانية عن كيفية تأطيرهم للرواية الإنسانية ومطالبتهم بأمثلة محددة وإثباتات من خلال بيانات عالية الجودة قبل قبول صحة البيانات حول الاستجابة واحتياجاتها.
تمويل وظائف التحليل في إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن والنظام الإنساني الأوسع بشرط أن تكون موزعة في جميع أنحاء البلاد.
وقف تمويل المنظمات التي تستخدم أطراف النزاع كشركاء منفذين.
فرض عواقب تتعلق بالتمويل على المنظمات التي لا تمتثل للخطوط الحمراء الموضوعة.
المطالبة بالشفافية والمحاسبة السليمة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. على سبيل المثال:
التوقف عن السماح باستخدام التمويل الإنساني للأنشطة التي تدعم مؤسسات وأطراف النزاع بشكل مباشر، بما في ذلك دفع رواتب المسؤولين في المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق المساعدات الإنسانية وغيرهم ممن يشغلون مناصب سياسية ذات سلطة.
احترام حيادية الاستجابة الإنسانية وعدم استخدامها لتحقيق أهداف سياسية أو أهداف سياسية خارجية. لتمكين الفصل بوضوح بين المبادرات الإنسانية والسياسية يجب:
إنهاء ممارسة التخصيص أو تقديم التمويل المشروط بناءً على مصالح الحكومة المانحة وأهداف السياسة الخارجية الخاصة بها.
السماح لمنظمات المعونة المستقلة وغير المتحيزة بتقرير الاحتياجات والموارد المطلوبة لمعالجتها.
دعم المجتمع الإنساني عندما يقاوم استغلال من في المجال السياسي للقطاع الإنساني كأداة.
بناء طرق مرنة في اتفاقيات التمويل لدعم التعليق المؤقت للمساعدات وإعادة توجيهها إذا لزم الأمر، لتمكين المجتمع الإنساني من وضع ودعم عواقب لانتهاكات الخطوط الحمراء الموضوعة.
دعم البرامج عالية الجودة التي قد يكون لها نطاق جغرافي أضيق، ولكن يمكن أن تضمن تغيير إيجابي دائم بدلًا من التغطية السطحية المؤقتة التي لا تلبي الاحتياجات بطريقة مستدامة.
التأكد من أن طرق التمويل مناسبة للاستجابة المطلوبة في اليمن. لتحقيق هذه الغاية:
إنشاء دورات تمويل متعددة السنوات للاستجابات الأطول أجلًا.
الابتعاد عن التمويل الإنساني في الحالات التي يتم فيها تلبية الاحتياجات بشكل أفضل من خلال التدخلات طويلة الأجل والتدخلات الإنمائية.
تمويل الأنشطة الموجهة نحو الإنعاش والمرونة بمرونة أكبر، ونطاق أوسع، وأطر زمنية أطول لضمان القدرة على وضع حلول دائمة تستغرق وقتًا للتنفيذ.
ملخص تنفيذي
يعاني اليمن من الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم، وفي الوقت ذاته يمتلك أكبر استجابة إنسانية في العالم. كان اليمن على شفا المجاعة خلال السنوات الأربع الماضية، ويعاني من الإهمال، والنقص الشديد في التمويل، ويتصف بكونه خطرًا للغاية. هذه هي الرواية التي صاغها وعززها من يقودون الاستجابة الدولية في اليمن على كلا المستويين الإنساني والسياسي، من شاغلي المناصب في اليمن إلى القيادة الإنسانية العليا في نيويورك وجنيف وروما. كانت الصورة المرسومة للجمهور التي ضُخمت عبر وسائل الإعلام وأُظهرت للمانحين تقول إن البلد يعاني من حاجة شديدة وملحة. وكونها جمعت أكثر من 17 مليار دولار أمريكي منذ العام 2015، فقد كانت رواية فعالة للغاية من حيث جمع الأموال، كما أنها نظرة تبسيطية بشكل خطير.
إن تصوير اليمن كدولة ترتبط فيها المشاكل بالحرب، وأنه مشكلة يمكن حلها بمزيد من الأموال لتقديم المزيد من سلال الغذاء لعدد أكبر من الأشخاص المحتاجين هو أمر مباشر وواضح بشكل مغري بقدر ما هو غير دقيق في الوقت ذاته. تستمر هذه السردية التي نادرًا ما تُحدد جزئيًا لأن الاعتراف بعيوبها يتطلب الاعتراف بفشل بحجم مليارات الدولارات. كما أن الاعتراف بعيوبها سيُلزم المسؤولين عن الاستجابة بتغيير أنظمتها الداخلية الراسخة وسياساتها ومواقفها تغييرًا جذريًا، ويجعلهم مسؤولين عن تلبية احتياجات اليمن الحقيقية والمهمة بشكل فعال، لا سيما احتياجات الفئات السكانية الأكثر ضعفًا. في ظل تراكم الأخطاء في الأسس واستمرار القرارات السيئة، يعمق الاستثمار المؤسسي للنظام الإنساني ككل في دعم الروايات المبسطة للوضع.
ما يمكّن استمرار هذه الروايات دون التحقق من صحتها هو الافتقار إلى الشفافية والتحديات الحقيقية الموجودة في أوضاع الصراع المعقد والطويل، إضافة إلى عدم وجود حافز للتغيير. كان من الصعب الحصول على تحليل مستنير في الاستجابة الإنسانية باليمن التي عابها وجود استعداد لقبول البيانات الجزئية والتسامح معها، وهي غالبًا بيانات متحيزة، وعادة ما تكون قديمة وتفتقر إلى الفروق الدقيقة، ما جعل من السهل التلاعب بها أو تجاهلها لتتوافق مع الأولويات. إطار العمل الأمني غير المرن الذي يمنع عاملي الإغاثة من المشاركة في العمل الميداني اللازم للحصول على فهم حقيقي للبيئة التشغيلية وتقييم الاحتياجات، وتحديد ما هو مطلوب للإيفاء بتلك الاحتياجات هو ما سمح لهذه البيانات المعيبة بالاستمرار. في الوقت نفسه، تنازلت الممارسات التي وُضعت للتعامل مع التحديات التشغيلية عن التحكم بالاستجابة للذين يمتلكون مصالح خاصة في تحويل المساعدات في اتجاه معين مما قد يطيل أمد الحرب، وخلق استجابة غير قائمة على المبادئ تبعد عاملي الإغاثة عن الناس الذين يريدون، بل يجب عليهم خدمتهم. أشارت دراسة استقصائية أُجريت مؤخرًا إلى أن المساعدات لا تصل حتى إلى الفئات الأكثر ضعفًا.[1] كُرست موارد غير مسبوقة لليمن، لتكون الاستجابة -وما تزال -ثاني أفضل استجابة من حيث التمويل في العالم على مدى جزء كبير من العقد الأخير، لكن البلد ما يزال يفتقر إلى استجابة مناسبة أو مستدامة أو هادفة.
في العام السابع للاستجابة الإنسانية، تبدو التقارير الواردة من اليمن قاتمة، فقد وُثق جيدًا وجود تحويل للمساعدات عن مسارها، وممارسات فساد، وتقييد الوصول، ونقص أو تضاؤل مساحة العمليات. غالبًا ما تُعزى التحديات والعقبات التي تعترض تقييم الاحتياجات والاستجابة في اليمن إلى بيئة العمل المقيدة والعقبات التي أوجدتها السلطات ولا سيما جماعة الحوثيين المسلحة، التي تسيطر على الشمال وهو الجزء الذي يحتوي على القدر الأكبر من سكان اليمن. مع ذلك، فإن الجزء الأكبر من المشاكل الأساسية في استجابة اليمن هي مشاكل داخلية. ذهب العديد من العاملين في المجال الإنساني إلى اليمن وخرجوا منها شاعرين بالإحباط والغضب، واصفين نظام تقديم المساعدات بعدم المرونة والفاعلية وغير مناسب. تساءل 73 من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية والمحللين والخبراء والجهات المانحة وممثلي المجتمع المدني وغيرهم ممن تمت مقابلتهم كجزء من هذا البحث عما إذا كانت المساعدات الإنسانية وحدها هي استجابة مناسبة لليمن دون تحقيق السلام و/أو معالجة مباشرة للأسباب الجذرية للوضع في اليمن.
عانى اليمن لعقود من سوء التغذية المزمن، وسوء الأمن الغذائي، وتحديات كبيرة في تقديم الخدمات. قبل بدء النزاع الحالي، كان يُعتقد أن ما يقرب من 15 مليون شخص -أي حوالي نصف السكان -بحاجة إلى دعم إنساني. تعود أسباب ذلك إلى سوء إدارة الدولة للموارد منذ فترة طويلة، وسوء تقديم الخدمات، والفساد، وفترات الصراع المتكررة، والانقسامات الاجتماعية والسياسية العميقة. ما يعنيه خط الأساس الضعيف للبلد هو أنه كان يتلقى دعمًا للتنمية من المجتمع الدولي لعقود من الزمن، ولم يؤدِ اندلاع الصراع الحالي عام 2014 إلا إلى زيادة الانهيار الاقتصادي والنزوح وتدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية، وإضافة المزيد من التدهور في تقديم الخدمات إلى مشاكل ومعاناة اليمن وشعبه. مع ذلك، على الرغم من أن الأسباب الجذرية للحاجة في اليمن تسبق الصراع الحالي بكثير، إلا أن المساعدات الإنسانية -وهي بطبيعتها استجابة قصيرة المدى للكوارث المفاجئة -ما تزال تُصنف كاستجابة مناسبة لمشاكل اليمن منذ نحو ست سنوات.
يصف كبار القادة الإنسانيين اليمن بأنه يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ووصف العديد من مقدمي المعلومات الرئيسيين ذوي الخبرة استجابة اليمن بأنها من بين أسوأ إن لم تكن أسوأ الاستجابات التي عملوا فيها على الإطلاق. وُجهت غالبية الانتقادات إلى النظام نفسه، من ضمنها القيادة الإنسانية في البلد والمقرات الرئيسية. جوانب الاستجابة الإنسانية في اليمن التي جرى تناولها في هذه السلسلة من التقارير هي التي أشار إليها مقدمو المعلومات الرئيسيون على أنها إشكالية تحديدًا، وهي جوانب ذات عواقب واسعة النطاق ويمكن تحسينها إذا كان هناك استعداد لإجراء تغيير.
فهم الأرقام وعيوبها وكيفية استخدامها
تمثل البيانات الحالية مع كل عيوبها وقيودها نقطة انطلاق للنظر إلى الاستجابة الإنسانية التي فشلت في أن تنطلق على أسس صلبة عام 2015 ولم تتعافَ بعد ذلك أبدًا. عند النظر إلى الاستجابة ضمن الاستجابات العالمية الأخرى، تظهر صورة أكثر دقة للإطار الإنساني اليمني مما يتلقاه العالم بشكل عام. عند مقارنتها مع حالات الطوارئ الإنسانية الكبرى الأخرى في البلدان التي تشهد صراعات معقدة، وتحديدًا أفغانستان وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، لا يبدو أن اليمن يستحق أن يوصف بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير المقارنات إلى التالي:
تظل اليمن البلد ذات العدد الأكبر من الأشخاص المحتاجين من حيث الأرقام المطلقة، إلا أن البلدان الأخرى هي أسوأ نسبيًا. ففي سوريا وجنوب السودان على سبيل المثال يُعد حوالي ثلاثة أرباع السكان من المحتاجين، ما يشير إلى أن هذه المجتمعات ككل تعاني من أزمة أعمق من التي يعانيها اليمن.
الاستجابة في اليمن تتضمن أقل عدد من الوفيات بين المدنيين الناتجة عن الصراع من بين بلدان المقارنة. حتى مع أخذ الوفيات بين المدنيين بسبب انهيار الدولة في الاعتبار (مثل انهيار الأنظمة الصحية وشبكات المياه وما إلى ذلك)، لا يُقارن عدد الوفيات في اليمن بعدد القتلى المرتفع في سوريا وجنوب السودان.
يُعد عدد النازحين في اليمن أقل من عدد النازحين في ثلاث كوارث إنسانية كبرى أخرى في العالم: سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان.
علاوة على ذلك، غالبًا ما يُوصف اليمن بأنه “على شفا المجاعة” أو “على بُعد خطوة واحدة من المجاعة”، لكن عند النظر إلى الأرقام، واستخدام التعريفات والمعايير المقبولة دوليًا التي يُعتمد عليها لإصدار مثل هذه الأحكام في الاستجابات العالمية، فإن هذا الوصف ببساطة غير صحيح لا من الناحية المطلقة ولا النسبية. كان لدى جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر عدد من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي نهاية عام 2020، في حين عانت سوريا من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي للفرد، وعانى جنوب السودان من أكبر عدد من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي كما شهد جزء واحد من البلد، على الأقل، المجاعة. من ناحية أخرى، تقول التقارير إن اليمن شهد تحسنًا في الأمن الغذائي بنسبة 15% خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2020، وهو أكبر نسبة تحسن على مستوى العالم.[2] صحيح أنه يجب التعامل مع انعدام الأمن الغذائي على أي مستوى، وينطبق ذلك على اليمن الذي تسبب فيه الأرقام قلقًا كبيرًا، إلا أن القول بأن اليمن هو الأسوأ حالًا أو على شفا المجاعة أمر غير صحيح على الأرجح. تُعد هذه القصة مجربة وثبت نجاحها في الحصول على التمويل، لكنها لن تستطيع الصمود أمام أي تدقيق.
هناك نوع من الصحة في الادعاء بأن اليمن هي أكبر استجابة إنسانية في العالم، فهي الثانية من حيث التمويل رغم مزاعم الإهمال وعدم كفاية التمويل. التمويل الإنساني العالمي مقسّم بين نحو 35 استجابة مختلفة، إلا أن معلومات خدمة التتبع المالي التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أشارت إلى أن اليمن قد تلقى حوالي 14% من الميزانية العالمية للمساعدات الإنسانية في السنوات الأخيرة. وبالمقارنة مع الاستجابات الأخرى، يمتلك اليمن عددًا أقل من العاملين في الإغاثة الإنسانية الموجودين على الأرض، ويمكن القول إن الخبرة الفنية أقل ضمن كوادرها من الموظفين. وكونها واحدة من أكبر الاستجابات وأكثرها تكلفة في جميع أنحاء العالم، إلا أن استجابة اليمن فشلت باستمرار في تقديم ما يجب أن تقدمه. وجد تقرير حديث أن الغالبية العظمى ممن تلقوا المساعدات في اليمن اعتبروها غير مناسبة لاحتياجاتهم، وأن العديد من الأشخاص الأكثر ضعفًا استُبعدوا من الحصول على المساعدات، خاصة النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الأدنى.[3] فالسؤال إذًا هو: لماذا؟
البيانات المعيبة هي ما يحرك استجابة اليمن
يجب أن تستند أي استجابة إنسانية إلى صورة واضحة ودقيقة للاحتياجات وتُستمد من تقييمات الاحتياجات التي توجه تخصيص الموارد (نوع المساعدات وكذلك الموارد البشرية والمالية). يُعد هذا الجانب أمرًا بالغ الأهمية من أجل تنفيذ مناسب وصحيح للاستجابة. لكن في اليمن، تُعد هذه الخطوة الأولى بالغة الأهمية مفقودة، حيث لم تُنفذ أي تقييمات للاحتياجات بداية الاستجابة عام 2015، وبعد خمس سنوات مذ بدء الاستجابة، لم يكن ممكنًا استكمال 60% من جمع البيانات. حتى خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021 أقرت بعدم وجود بيانات شاملة على مستوى البلاد في اليمن.
كانت البيانات المتاحة سيئة الجودة، وغالبًا ما جُمعت من قِبل السلطات التي تُعد طرفًا في النزاع ولديها مصالح خاصة في مقدار المساعدات المقدمة وأين ينتهي المطاف بها. رغم احتمال التحيز الشديد لتلك البيانات، إلا أنه يُعتمد عليها حتى حين تكون محدودة أو معيبة للغاية إلى درجة كونها بيانات غير تمثيلية أو تفتقر إلى التحليل في السياق. إن الغموض المحيط بكيفية جمع تلك البيانات ومن قام بجمعها وقيودها تعيق التدقيق في الادعاءات المقدمة بناءً على بيانات خاطئة، وهو ما يسمح بالمبالغة سواء فيما يتعلق بالكوليرا أو المجاعة، وكمية وأنواع الاحتياجات، والمخاطر الأمنية، وما إلى ذلك، وتتحد تلك العوامل لتشكل الروايات المتبناة مؤسسيًا والتي اعتُمد عليها في جمع التمويل. قالت الغالبية العظمى من الذين تمت مقابلتهم إنهم لا يثقون كثيرًا في دقة الاحتياجات التي يُصور وجودها في اليمن، وغالبًا ما يشيرون إلى نقص البيانات الموثوقة. بناء التقييمات على بيانات معيبة يؤدي حتمًا إلى استجابة خاطئة. وليس من المستغرب أن عاملي الإغاثة الإنسانية، سواء كانوا موظفين دوليين أو يمنيين، أعربوا عن شكوكهم في مدى ملاءمة الاستجابة للوضع.
إطار العمل الأمني غير المرن يعزز الرواية ويعوق الاستجابة
تتأثر تحديات جمع البيانات بنقص الوجود الميداني لموظفي الإغاثة الدوليين والمستقلين على الأرض، الغياب عن الميدان يضعف جودة البرمجة وتقديم الخدمات، ويتسبب في فهم أقل للسياق والبيئة العملياتية، وهو ما يضعف اتخاذ القرارات في الاستجابة. تلتزم استجابة اليمن رسميًا بالمفهوم الإنساني المتمثل في “البقاء وتقديم الخدمات” حتى في أكثر البيئات صعوبة، إلا أنها كثيرة التقصير من الناحية العملية. أشار مقدمو المعلومات الرئيسيين إلى أن إطار العمل الأمني للأمم المتحدة، كما يُطبق ويُدار من قِبل إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن، لعب دورًا رئيسيًا في الحد من قدرة موظفي الإغاثة على تلبية الاحتياجات حيثما وُجدت في اليمن.
يُصور اليمن على أنه أحد أخطر الأماكن التي يعمل فيها موظفو الإغاثة، وهي واحدة من خرافة العمل الإنساني، ولكن عند مقارنتها بجميع السياقات الإنسانية الأخرى، لا يأتي اليمن حتى بين الدول الخمس الأولى التي شهدت حوادث ضد موظفي الإغاثة. أشار العاملون في المجال الإنساني من ذوي الخبرة في سياقات أخرى إلى اليمن باعتباره أحد البلدان الأكثر أمانًا التي عملوا فيها على مر السنين، عدا أن الأطر الأمنية في تلك الدول أكثر مرونة وتساهلًا. لا يخلو اليمن من المخاطر، لكن الأسئلة الأساسية تتعلق بما إذا كانت التدابير الأمنية المتخذة تتناسب مع قدر المخاطر الفعلية التي يواجهها، وما إذا كانت تلك التدابير موجهة نحو تمكين الاستجابة وليس فقط تجنب المخاطر. يميل الإطار الأمني في اليمن ميلًا شديدًا نحو التحصن بإبقاء عاملي الإغاثة خلف مكاتبهم في مجمعات محصنة بدلًا من إرسالهم في مهمات ميدانية، ويصفه الذين يعملون في إطار الاستجابة بالقديم والبيروقراطي وغير مرن وغير متناسب مع مستويات المخاطر الفعلية ومثبط لتنفيذ الأنشطة بشكل كبير. عزا موظفو الإغاثة الذين تمت مقابلتهم العجز في طرح استجابة جيدة وقائمة على المبادئ مباشرة إلى الإطار الأمني المطبق في اليمن.
حُدد الافتقار إلى القدرة التحليلية في البلاد بشكل عام وبشأن الأمن بشكل خاص باعتباره أحد التحديات الرئيسية. تركزت القدرات الضئيلة الموجودة في صنعاء، مما أدى إلى الخروج بتحليل يستند إلى حد كبير إلى البحث المكتبي أو على تقارير من كيانات خارج الاستجابة تفتقر إلى التركيز الإنساني اللازم لجعل تقاريرها مفيدة لصنع القرارات التشغيلية. محدودية الوعي بالسياق والبيئة تؤدي إلى انحراف عملية تحليل المخاطر، والتي قال بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين إنه تم التلاعب بها أيضًا لخدمة مصالح من يفضلون إعطاء الأولوية للأمن على إيصال المساعدات. فُرضت تدابير تخفيف غير مناسبة بناءً على هذه التصورات الخاطئة وهو ما يعوق وصول عاملي الإغاثة ووجودهم في المناطق المحتاجة.
إطار العمل الأمني وإجراءات التشغيل القياسية التي تمنع الاستجابة تتضمن ما يلي:
فرض عدد أقصى للموظفين والاستمرار في تطبيقه، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى اللوائح الأمنية المرهقة وغير المرنة في أماكن إقامة الموظفين. منع هذا الأمر وجود العدد الكافي من الموظفين المهرة في الميدان لضمان البرمجة الجيدة، والوعي بالسياق، والتشبيك، إضافة إلى توفير الرصد المباشر الذي يُعد ضروريًا لضمان المساءلة أمام الاستجابة والسكان. تشمل معايير أماكن الإقامة الميدانية للأمم المتحدة النوافذ المقاومة للانفجار، والمركبات المدرعة، والتوفير المستمر للكهرباء، والجدران الأمنية المحيطة، وما إلى ذلك، وهي أشياء ليست فقط باهظة الثمن، بل تستغرق وقتًا طويلًا مما يعوق أي تحرك للموظفين بشكل كبير.
إجراءات التشغيل المعيارية للتحركات تعرقل بشكل كبير القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات الآخذة في التكشف. التحركات لا تعتمد فقط على وجود تصريح من السلطات على الأرض، بل على تصريح من قِبل الأمن التابع للأمم المتحدة، ورؤساء الوكالات داخل البلد. في بعض الحالات التي تُصنف شديدة الخطورة، يجب الحصول على تصريح من المقرات في روما وجنيف وكذلك تصريح من نيويورك. وذُكر أن إجراءات التشغيل الموحدة للتحركات، ووجود الموظفين في الميدان، والأعمال الورقية المطلوبة لها من بين أكبر العوائق البيروقراطية للاستجابة.
رغم التوجيهات الواضحة التي تفيد باستخدام الحراسة المسلحة كملاذ أخير فقط، أكدت إدارة الأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن وحرصت أن يكون استخدام الحراسة المسلحة بروتوكولًا معياريًا للتحركات في جميع أنحاء البلاد، خاصة في الجنوب. شكل هذا الأمر عقبات بيروقراطية إضافية، وأضعف حيادية موظفي الإغاثة من خلال الارتباط بالأطراف المتحاربة التي توفر المرافقين المسلحين، ويعرض ذلك موظفي الاستجابة للخطر بشكل أكبر.
تحولت متطلبات عدم التضارب مع التحالف العسكري الذي تقوده السعودية إلى حصار بحكم الأمر الواقع على التحركات الإنسانية، حصار يسهّله كل من التحالف وإدارة الأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن. يتوجب القيام بتنظيم التحركات والاستجابة بوقت طويل قبل حدوثها وذلك بسبب البيروقراطية المتضمنة في عملية عدم التضارب، التي تنسق التحركات الإنسانية مع الجهات العسكرية لضمان المرور الآمن لموظفي الإغاثة والإمدادات الإنسانية. يُعد حجم المعلومات المطلوب تقديمها للتحالف لأغراض عدم التضارب مبالغة كبيرة، وتفرض على الاستجابة التزامًا غير مبرر بأن تثبت الطبيعة الإنسانية لأعمالها.
أدت عدم الرغبة المؤسسية في التغيير من موظفي العمليات والقيادة داخل الدولة والقادة على مستوى المقرات الرئيسية إلى عدم الكفاءة وعدم المرونة في نظام يقاوم أي جهد للدفع نحو استجابة أكثر انسيابية وفعالية.
أدى الافتقار إلى الثقافة التشغيلية المناسبة والافتقار إلى إطار أمني تمكيني في اليمن لاستجابة تتصف بالبطء، والترقيع، ورداءة النوعية، وانعدام المساءلة تقريبًا. فبدلاً من أن تركز الاستجابة على الاستراتيجيات المجربة والمثبتة مثل اكتساب القبول من خلال الوجود والحضور، وتقديم استجابة جيدة، وبناء الثقة، اقتصرت على وضع تدابير حماية زادت المسافة بين السكان والاستجابة ما أدى إلى عواقب سلبية طويلة المدى للمخاطر والأمن.
تعريف “صعب الوصول” بأنه مستحيل الوصول
أثر الافتقار إلى إطار أمني تمكيني أيضًا على الوصول في جميع البلاد. الوصول المستدام إلى السكان المحتاجين ضروري لتقديم المساعدات، لكن في اليمن لا يوجد وصول مستدام. تُعزى عدم إمكانية الوصول بشكل كبير إلى القيود التي تفرضها السلطات وتدخلها في العمليات الإنسانية، إلا أن تركيز اللوم على هذا الجانب يتجاهل كون الاستجابة الإنسانية مسؤولة عن ضمان بيئة عمل مواتية وخطوط حمراء واضحة.
في جميع جوانب الاستجابة، صغّر المجتمع الإنساني البيئة التشغيلية الخاصة به عبر وضع ممارسات سيئة تؤثر بشكل مباشر على الوصول، بل والاستمرار في تلك الممارسات. الاستجابة سمحت وما تزال بسلوكيات غير مقبولة من قِبل سلطات الحوثيين بشكل رئيسي مثل احتجاز الموظفين، وفرض القيود على التحركات، ورفض السماح بإجراء تقييمات واستجابة مستقلة، وتحويل المساعدات عن مسارها، والتدخل في العمليات الإنسانية. علاوة على ذلك، تواصل الاستجابة الاستعانة بالسلطات التي تُعد طرفًا في النزاع لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر. إن استخدام الأطراف التي خلقت المشكلة لحلها لا يوفر حافزًا للتغيير، وعلى المدى الطويل قللت الوصول المباشر إلى السكان فقط. إن عدم الرغبة والعجز على رسم وفرض الخطوط الحمراء المحيطة بهذه القضايا شجع السلطات التي تواصل وضع العقبات أمام إيصال المساعدات. لا يمكن توقع أي شيء سوى استمرار تدهور بيئة التشغيل والوصول في حال استمر غياب الحدود والرغبة في فرض عواقب على القيود والسلوكيات غير المقبولة.
عندما يكون التركيز على ذكر معوقات الوصول بدلًا من إصلاحها، يصبح الوصول نشاطًا جانبيًا وليس مسؤولية أساسية. على الرغم من تعقيد بيئة العمليات في اليمن، لم تكن هناك استراتيجية وصول على مستوى النظام في الماضي ولا توجد هكذا استراتيجية في الوقت الحالي. هذا يعني أنه بخلاف تتبع عوائق الوصول، لا يوجد سوى القليل من الزخم أو الدفع نحو إيجاد حلول أو إحداث تغيير. تبدأ المشكلة مع التعريفات الأساسية، وفقًا للأمم المتحدة، يصعب الوصول إلى ما يقرب من 80% من السكان المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية،[4] ولكن في الواقع العملي من غير الواضح ما يعنيه ذلك. غالبًا ما يُفسَّر ذلك على أنه يستحيل الوصول، وهذا التفسير يثبط بطبيعته أي محاولات للوصول. لكن ما قاله العديد من العاملين في الإغاثة إنه من الممكن الوصول إلى أغلب المناطق في اليمن إذا بُذل القليل من الجهد.
إلى جانب الفشل في الحصول على صورة أكثر دقة للوصول في اليمن وغياب استراتيجية معالجة العوائق، فشلت الاستجابة حتى الآن في تحديد وفهم الأطراف المحلية وشبكاتها وكيفية التفاوض مع من يمسكون بزمام السلطة. نتيجة لذلك، تجري معظم المفاوضات على المستوى المركزي مع عدد قليل من المحاورين، مما يؤدي إلى طرق مسدودة في كثير من الأحيان، بينما لا توجد طرق بديلة للضغط عند الوصول إلى طريق مسدود. انعكس هذا النقص في التحليل والمشاركة والتخطيط، الذي تأثر بشدة بالإطار الأمني المعمول به، على إنشاء استجابة لامركزية وأبطأها. أما عدم التفاعل بين العاملين في الإغاثة والمحاورين على الأرض -أي الأشخاص المهمين لمعرفة متى تكون هناك حاجة للوصول لتنفيذ الاستجابة -فلم يحقق شيئًا سوى تشجيع الميل للعمل عن بُعد. ما يزال تركيز موظفي الإغاثة في صنعاء وعدن، ما يؤثر على وقت الاستجابة للأحداث على الأرض والرصد والمساءلة. تتفاقم هذه المشكلة بسبب نظام التنسيق المختل الذي من غير المرجح أن يكون أفضل نهج لليمن. كجميع الأنشطة الأخرى، يجري التنسيق مركزيًا داخل نظام المجموعات، ويعتمد التنسيق بشكل كبير على من يجلسون في صنعاء لاتخاذ القرار وتخصيص الموارد والاستجابة. ونظرًا لأن جزء كبير من البلاد ما يزال بعيدًا عن الوصول بالنسبة لصنعاء، اقترح مقدمو المعلومات الرئيسيين أن هناك حاجة إلى بدائل، تحديدًا نهج قائم على المناطق كونه قد يكون أكثر فعالية لأنه سينسق على المستوى المحلي بشكل أفقي وليس رأسيًا.
رغم التوصيات والدعوات لمزيد من اللامركزية منذ بداية الاستجابة لتحسين الوجود والوصول والتنفيذ، لم تبدأ بعض الخطوات التي قد تكون جوهرية، إلا أنه منذ عام 2021 وهو العام السابع من الاستجابة، اتُخذت بعض الخطوات المحتملة لإنشاء مكاتب فرعية إضافية وتوظيف عاملين فيها. هناك مخاطر تتمثل في أن هذه الجهود -كالعناصر الأخرى في الاستجابة -ستُقوّض من قِبل تحديات الإطار الأمني الحالي والعقلية الراسخة لصنع قرارات البلد بالكامل مركزيًا في صنعاء. ستكون هناك حاجة إلى تحوّل كبير في العقلية وكذلك السياسات إذا كانت هناك رغبة في تمكين هذه المراكز وتزويدها بالموارد المطلوبة (لا سيما الموظفين) والمسؤوليات والصلاحية من أجل تحسين الاستجابة.
من استجابة أسسها معيبة إلى استجابة غير قائمة على المبادئ
نتيجة لما نُوقش سابقًا، وكما هو موضح في هذه السلسلة من التقارير، فإن الاستجابة غير القائمة على المبادئ تتسم مساحة عملها وقدرتها بأنها آخذة في التضاؤل بمواجهة التنازلات المستمرة. قوضت الاستجابة استقلاليتها وحيادها بتنازلها عن السيطرة على عملية تقديم المساعدات للأطراف المتحاربة بدءًا من تحديد الاحتياجات إلى تنفيذ الاستجابة، وتمويل تلك الأطراف مباشرة بأموال المساعدات الإنسانية. لا تمتلك الاستجابة الوجود لضمان الرصد الكافي، وبالتالي فقدت قدرتها على دعم المساءلة لمتلقي المساعدات والمانحين. يقودنا هذا إلى السؤال غير المريح حول العواقب المرتبطة بهذه الاختيارات. إن سيطرة الأطراف المتحاربة على موارد المساعدات وتخصيصها، وهي سيطرة أصبحت ذات طابع مؤسسي، تفتح فرصًا للتلاعب بالمساعدات لدعم المزيد من جهود الحرب، وهو أمر يتعارض بشكل مباشر مع هدف المساعدات المتمثل في التخفيف من المعاناة وتطبيق مفهوم “عدم الإضرار”. أما بالنسبة لأي مدى أدت الاستجابة إلى استمرار المعاناة فهو أمر يتطلب مزيدًا من البحث.
في اليمن، تستخدم المساعدات من قِبل مجموعة واسعة من الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية. ولا يُعد هذا الأمر مهمًا للسلطات داخل اليمن فقط، بل استُخدم أيضًا في المجالات السياسية الإقليمية والدولية لأسباب مختلفة. مثلًا، استُخدمت المساعدات الإنسانية لسنوات في محاولة لإظهار إنجازات في العملية السياسية المتعثرة التي يديرها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. كان لهذا الترابط الوثيق بين السياسة والمساعدات تكلفة على الاستجابة الإنسانية، ويرى موظفو الإغاثة الدوليين واليمنيين أن الاستجابة أخلّت بحيادها واستقلاليتها. كانت العواقب وخيمة أحيانًا، مثل الضغط الذي مُورس لتقديم كميات كبيرة من المساعدات الغذائية إلى مدينة الدريهمي عام 2019، حيث استفاد مقاتلو الحوثيين بشكل أساسي منها. على الصعيد السياسي، لم يؤدِ الخلط بين السياسة والمجال الإنساني إلى نتيجة جيدة دائمًاً، إذ أُجل اقتراح السلام الأخير الذي قدمه المبعوث الخاص للأمين العام لليمن جزئيًا بسبب الجوانب الإنسانية التي دُمجت فيه كحوافز. يوظف المانحون الرئيسيون الاستجابة للمساعدات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية. مُوِّل الجزء الأكبر من الاستجابة حتى الآن من قِبل القوى الإقليمية التي كانت طرفًا رئيسيًا في القتال وداعميها الدوليين ممن لديهم مصالح خاصة. أكبر أربعة ممولين رئيسيين لمعظم استجابة اليمن هم السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهم أيضًا من ساعد في استمرار حرب اليمن عبر الدعم المباشر لأحد أطراف النزاع وعبر مبيعات الأسلحة. للجميع مصالح غير إنسانية في اليمن. وفي حين دافع عدد قليل من مقدمي المعلومات الرئيسيين عن قبول الأموال من أطراف النزاع، أثار أكثر من خمسة أضعاف مقدمي المعلومات الرئيسيين هذه القضية بشكل سلبي باعتبارها ضارة بالمبادئ الإنسانية.
الاستجابة القائمة على المبادئ هي القاعدة الأساسية لتأسيس بيئة عمليات تؤدي إلى استجابة فعّالة. التنازلات خيار ممكن، ولكن كملاذ أخير وخلال فترة زمنية قصيرة وباستراتيجية خروج واضحة. في السنة السابعة من الاستجابة في اليمن، كانت التنازلات هي القاعدة وليست الاستثناء. وبدلًا من أن تحسّن الوصول إلى السكان المحتاجين وتضمن إيصال المساعدات، لم تؤدِ الحلول الوسط سوى إلى تضاؤل الوصول، ودعم مواصلة الحرب (دعم غير مقصود)، وربما حتى إطالة المعاناة بدلًا من تخفيفها.
أدى كل ما سبق إلى تصور مروّع للمساعدات الإنسانية في اليمن، لم يعبّر 33 يمنيًا من بينهم عاملون في الإغاثة وناشطون مجتمعيون تمت مقابلتهم عن وجهة نظر إيجابية بشأن الاستجابة، ووصفوا الاستجابة غير القائمة على المبادئ بالفاسدة، وتحقق مكاسب شخصية أو مؤسسية، ورديئة النوعية، وغير مناسبة، وفشلت في فهم اليمن واحتياجاته. شارك موظفو الإغاثة غير اليمنيين آراءً مماثلة إلى حد كبير، وصنفوا استجابة اليمن من بين أسوأ الاستجابات وأقلها فاعلية من بين الاستجابات التي عملوا فيها.
يمكن أن تتغير طبيعة المساعدة، لكن العيوب المنهجية ما تزال بحاجة إلى إصلاح
منذ بدايتها عام 2015، لم تتوافق الاستجابة الإنسانية في اليمن مع النماذج المعتادة للاستجابة. ما يعنيه الدعم المؤسسي الثقيل بدلًا من التنفيذ المباشر، والتركيز على استمرار الخدمة بدلًا من أساليب الطوارئ، هو وجود نموذج هجين أكثر من الاستجابة التقليدية. يمكننا رؤية ما يدعم ذلك من خلال النظر في كيفية تخصيص التمويل، حيث خُصص أكثر من 25% من تمويل الاستجابة من 2015-2019 لأنشطة التنمية.[5] فهل الاستجابة في اليمن إنسانية حتى، وهل ينبغي أن تكون إنسانية؟ لا يُعزى الوضع الإنساني في اليمن إلى الصراع وحده. أدت الحرب إلى تفاقم ظروف موجودة مسبقًا أبقت اليمن لفترة طويلة بالقرب من قاع مؤشرات التنمية العالمية، وخلقت بعض الصعوبات الجديدة، لكن لا يُقصد بالمساعدات الإنسانية حل المشكلات المزمنة والمؤسسية طويلة الأمد؛ المساعدات ببساطة طريقة قصيرة الأمد منقذة للحياة ولن تحل الأسباب الكامنة. ومع ذلك، ما تزال الرواية المستخدمة عن اليمن تركز على الشؤون الإنسانية، فتلك الرواية التي تجلب المال.
في الآونة الأخيرة، بُذلت محاولات لإدخال نهج جديد، الرابطة بين الإنسانية والتنمية والسلام (أو الرابطة الثلاثية). يعترف هذا النهج بأن الأزمات الحديثة أصبحت صراعات طويلة الأمد، تتطلب أكثر من نهج واحد. يحاول هذا النهج تنسيق نهج شامل ومتماسك بين ثلاث ركائز مختلفة لتصميم حلول أفضل. هذا النهج ليس مفهومًا جديدًا، إلا أن الرابطة الثلاثية منطقية في فرضيتها. مع ذلك، يعاني هذا النهج أيضًا من حيث تحويله إلى عمليات، كما عانت الجهود المماثلة منذ تسعينيات القرن الماضي لتغيير طريقة إيصال المساعدات. التحديات المتعلقة بالتعريف، والترجمة إلى عمليات، والقيادة، والتمويل، والعقلية المؤسسية، وتأثيرها على المبادئ الإنسانية عنت وجود أمثلة قليلة أو معدومة على الترجمة الناجحة لهذا النهج في الواقع. ينطبق هذا أيضًا على اليمن، حيث بدأت المناقشات حول الرابطة الثلاثية عام 2018 وأُضفي الطابع الرسمي عليها في الاستجابة عام 2021. صحيح أن الأمر يبدو جيدًا على الورق، إلا أن ترجمته إلى أفعال لم تحدث وما يزال المفهوم غامضًا. التساؤلات تحيط بالتمويل والتنسيق والخبرة الفنية في الركائز المختلفة وكيفية التعامل مع جانب السلام من هذا المثلث.
الخطر الآخر لنهج الرابطة الثلاثية والمتعلق باليمن هو أن النهج بطبيعته يتعارض مع الرواية التي استمرت لسنوات، وهي رواية حرب تغرق اليمن بسرعة في المجاعة والمرض، ولكن من الممكن إيقافها بمزيد من المساعدة للتدخلات السريعة. من الصعب إقناع المانحين بحالة من الاحتياجات المستوطنة التي تتطلب برامج أوسع واستثمارات مباشرة كبيرة على المدى الطويل في سلطات غير مجربة (أو معروف أنها فاسدة) كما تشير اتجاهات تمويل التنمية. بالتالي، يتم الحفاظ على النظرة المشوشة للاحتياجات في اليمن وحلولها للحفاظ على أهداف التمويل مع الموافقة على مؤشرات ومسببات الاحتياجات.
المجيبون الذين تساءلوا عما إذا كان هذا النهج هو الصحيح اتفقوا على أن المساعدات الإنسانية ليست الطريقة الوحيدة أو المناسبة لتلبية الاحتياجات في اليمن. اقترح بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين أن الحل الأفضل سيكون استجابة تقودها التنمية، وتعمل بشكل مستقل بالتوازي مع استجابة إنسانية أصغر وأسرع وأكثر مرونة. في هذا النموذج، سيكون هناك اتصال وتنسيق بين الجهود الإنسانية والإنمائية، ولكن من الممكن إبقاء الاستجابة الإنسانية معزولة عن المساعي والمصالح السياسية.
بغض النظر عما إذا كان قد تُبني نهج الرابطة أو أي نموذج آخر، فإن السؤال المهم هو ما إذا كان تبني نهج جديد سيكون كافيًا لإصلاح استجابة اليمن. من الواضح أن الطريقة المستخدمة حاليًا لم تنجح، فهي قائمة على رواية واهية تنهار بمجرد فحصها عن قرب. الاستجابة غير القائمة على المبادئ لا تمتلك سوى وصول محدود إلى السكان، وتُحاصر بإطار أمني غير مرن وغير متناسب ومضلل في أفضل الأحوال. اتفق مقدمو المعلومات الأساسيين بأغلبية ساحقة على أن الاستجابة في اليمن بحاجة إلى إعادة تصميم جذري لضمان التغيير. سيتطلب ذلك تحليلًا صحيحًا للخطأ الذي حدث، تحليل مبني على الصورة الحقيقية لماهية اليمن وما تحتاجه، وكيف يمكن تصحيح ذلك الخطأ. سيكون دعم المانحين حاسمًا لنجاح أي نهج جديد، سواء كوجود على الأرض لضمان المساءلة أو تقديم تمويل أكثر مرونة، وهو أمر مطلوب لتمكين أساليب المساعدات الإنسانية والموجهة نحو التنمية للعمل جنبًا إلى جنب.
إجراء هذه العملية سيكون له ثمنه، وستكون التغييرات الداخلية للأنظمة والموظفين والعمليات الموصى بها نتيجة لهذا البحث عميقة ومؤلمة في التنفيذ. سيتطلب التخلي عن الاستجابة المعيبة قبولًا مؤسسيًا للفشل، والاعتراف باتخاذ قرارات خاطئة باستمرار لأكثر من ست سنوات. من المحتمل أن يؤدي الاعتراف الصريح بهذا الأمر إلى تعريض التمويل للخطر ويتطلب نوعًا من الشجاعة التي لم تظهر حتى الآن داخل النظام. ولكن حتى يتم التعرف على القضايا التي أُبرزت ومعالجتها، فإن أي نهج جديد سيكون مثقلًا بأوجه القصور والعيوب الحالية، مما يجعل فشله محتملًا.
الجهود والاستثمارات المطلوبة لهذه العملية ستكون مكثفة، والنتيجة ستكون استجابة تعمل بشكل صحيح ومناسبة للاحتياجات والسياق، وتتكيف مع التحديات دون تقويض أساسيات تقديم المساعدات. إذا نُفذت استجابة اليمن بشكل صحيح، أي أنها تلبي احتياجات اليمنيين قصيرة المدى خلال الأزمات بالتوازي مع العمل طويل الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية وتأمين الاستقرار في المستقبل، فيمكن أن تكون هذه الاستجابة مثالًا لكيفية تقديم المساعدات في الطبيعة المتغيرة للأزمات العالمية كما نشهدها اليوم.
التوصيات الرئيسية
لكبار قادة الاستجابة الإنسانية في اليمن:
الإقرار بأن الاستجابة الإنسانية الحالية هي دون المستوى الأمثل، وبدء تحليل شامل بهدف إنشاء استجابة أكثر ملاءمة وهادِفة. يجب أن تأخذ إعادة صياغة الاستجابة في الاعتبار الأسباب الجذرية للأزمة وأن تساعد في تعزيز استجابة إنسانية أكثر فعالية عندما وحيث تكون المساعدة المنقذة للحياة مطلوبة.
فصل جمع البيانات وتحليل الاحتياجات عن جمع الأموال ومصالح الوكالات للسماح بتمثيل أكثر دقة للاحتياجات لإبلاغ الاستجابة والمساعدة في التخطيط الاستراتيجي والبرمجة واستعادة ثقة المانحين في الاستجابة. هذا يقتضي التخلي عن الروايات المبالغ فيها أو الروايات الكاذبة.
ضمان فعالية التدخلات الإنسانية متى وأين كان هذا ضروريًا عبر توفير أفضل البيانات الممكنة. لتحقيق هذه الغاية:
مشاركة التحيز المحتمل، والتمثيل المحدود، والمنهجية التي يتم من خلالها جمع البيانات بصراحة وشفافية لضمان إمكانية تفسيرها بشكل صحيح. إذا كانت البيانات المتاحة معيبة وقديمة، فيجب التأكد من توضيح حدودها وعدم المبالغة في قيمتها.
زيادة استخدام الطرق البديلة والمبتكرة لجمع البيانات لزيادة الفهم والمساعدة في تقديم صورة أوضح.
إجراء تقييم تمثيلي على مستوى الدولة بأسرع ما يمكن لتكوين صورة دقيقة لاحتياجات الشعب اليمني.
التأكد من فهم الاستجابة لبيئتها الأمنية فهمًا صحيحًا عبر التحليل المحسّن للسياق والمخاطر الذي سيمكّن من اتخاذ تدابير التخفيف المناسبة ويسمح للاستجابة بالوفاء بواجبها المتمثل في البقاء وتقديم الخدمات. لتحقيق هذا الهدف يجب:
إصلاح نظام إدارة الأمن في اليمن ما يجعل البروتوكولات الأمنية أكثر شفافية ومرونة وكفاءة، وإزالة التعديات غير الضرورية التي تعقد قدرة العاملين في المجال الإنساني على التحرك في جميع أنحاء منطقة العمل.
تشكيل فريق من موظفي الوصول والأمن مكلفين بتمكين تنقلات الموظفين بكفاءة وإيصال المساعدات (مثل نموذج الموصل).
إصلاح آلية عدم التضارب في اليمن لإنشاء نظام بسيط وكفء وفعال يمكّن من حرية حركة عاملي الإغاثة والمساعدات. ولذلك يجب:
العودة إلى فرضية أن الإخطار بالحركة كافٍ دون الحاجة إلى إقرار أو إذن من التحالف الذي تقوده السعودية، وبالتالي ضمان عدم قدرة لجنة الإجلاء والعمليات الإنسانية على استخدام نظام عدم التضارب لمنع المساعدات لتحقيق مصالحها الخاصة.
تقليل كم المعلومات الممررة إلى لجنة الإجلاء والعمليات الإنسانية لتخفيف عبء البيانات، وضمان عدم استخدام البيانات المشاركة لأغراض أخرى، وإنهاء أي فكرة مفادها أن نوايا تقديم المساعدات يجب أن تبرر للأطراف المتحاربة.
مراجعة كاملة لجميع مواقع عدم التضارب الدائمة للتأكد من طبيعتها الإنسانية وتقليل القائمة إلى المواقع الأساسية فقط.
التوقف عن طلب دليل على عدم التضارب للسماح بتحركات موظفي الأمم المتحدة.
التوقف عن استخدام أطراف النزاع أو الكيانات المدنية التابعة لها كشركاء منفذين للمساعدات الإنسانية.
وقف التمويل وتقديم الدعم المادي، سواء بشكل مباشر أو من خلال المساعدة الإنسانية، لأطراف النزاع.
تطوير ودعم خط أساس للاستجابة الإنسانية نفسها، يحدد بوضوح مبادئ التشغيل والعتبات والخطوط الحمراء والعواقب المترتبة على الانتهاكات. لا يجب السماح بأي تنازلات إلا بموجب مبدأ الملاذ الأخير، وضمان التزام المجتمع الإنساني بأكمله من خلال متطلبات الإبلاغ وآلية الامتثال.
وضع خطوط حمراء محددة بوضوح للاستجابة الكاملة، وتكون معروفة للسلطات على الأرض، إلى جانب فرض عواقب تجاوز تلك الخطوط. على سبيل المثال، تشمل عواقب التصرف خارج المعايير المعقولة والمقبولة عالميًا (المتعلقة بالتدخل والتلاعب والتحويل وما إلى ذلك) حجب الدعم المؤسسي عن السلطات، وتعليق المساعدات مؤقتًا في المناطق التي حدثت فيها الانتهاكات، وإبلاغ الجهات العامة والجهات المانحة بالانتهاكات.
العمل كجسد واحد، وإظهار التضامن والتماسك مع الأطراف الخارجية، وضمان عدم قيام أي منظمة بالعمل من تلقاء نفسها لتقويض المواقف والمفاوضات المشتركة.
إعطاء الأولوية لإنشاء استراتيجية وصول على مستوى النظام، تُطور من قِبل أشخاص ذوي خبرة في استراتيجيات الوصول وخبرة تشغيلية سليمة.
إجراء أصحاب المصلحة والشبكة تحليل كامل للسلطات والمجموعات في اليمن يحدد شبكة أوسع من الأطراف التي يمكن مناصرتها القضايا الإنسانية الرئيسية والتفاوض معها.
إعطاء الأولوية لدعم الوصول التشغيلي على الإبلاغ عن معوقات الوصول، ووضع إرشادات واضحة بشأن السلوك المناسب للجهات الفاعلة الإنسانية. يجب أن يرصد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التزام جميع المنظمات بتلك الإرشادات.
اتخاذ خطوات نحو تغيير الثقافة العملياتية والخروج من طريقة العمل الحالية الخاملة عن طريق نقل الموظفين إلى الميدان والتأكد من تركيز الأهداف والغايات على تحسين تقديم المساعدات بدلًا من التركيز على الإبلاغ وتقديم التقارير. يمكن المساعدة في ذلك من خلال تعيين موظفي عمليات لديهم سجل حافل من الكفاءة الفنية في البيئات المعقدة.
التمييز (معرفة الفرق) بين المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات الحوثيين والتابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والاستفادة من مساحة التشغيل الأفضل والوصول الأوسع في المناطق الجنوبية لتقديم استجابة عالية الجودة وفعالة من شأنها أن تحدث فرقًا مستدامًا لكثير من الناس.
بدء تحليل شفاف لكيفية مساهمة قطاع المساعدات في اقتصاد الحرب باليمن، وتوظيفه لتوجيه أي تصميم مستقبلي للاستجابة.
إعادة صياغة حجة وأسس الدعم لليمن برسالة واضحة ومتسقة مفادها أن مشاكل اليمن لا يمكن حلها بالمساعدات الإنسانية.
بناء على التحليل السليم، يجب إجراء تقييم واقعي للاحتياجات في اليمن سواء الإنسانية أو تلك الموجهة نحو التنمية. تقييم ما إذا كان نهج الرابطة الثلاثية نموذجًا مناسبًا لليمن، والانفتاح على الاحتمالات التي قد لا تكون قابلة للتطبيق بالكامل أو تتطلب استجابات منفصلة منها ما تلبي الاحتياجات الإنسانية ومنها ما تفي بالاحتياجات الإنمائية بشكل مناسب.
تحويل الغالبية العظمى من الدعم إلى طرق التنمية الرسمية، وتنفيذ برامج الإنعاش والتنمية المناسبة حيثما أمكن ذلك، وجلب موظفين ذوي خبرة ومهارات مناسبة لضمان التصميم والتنفيذ المناسبين لهذه البرامج والأنشطة الموجهة نحو التنمية. على سبيل المثال، يجب ألا ينفذ موظفو الإغاثة أنشطة إنمائية.
حماية الاستجابة الإنسانية من أن تُستخدم وتُستغل في العمليات السياسية مثل اتفاق ستوكهولم والإعلان المشترك لمكتب المبعوث الخاص للأمين العام لليمن.
لجميع الجهات الفاعلة بالقطاع الإنساني في استجابة اليمن:
زيادة الوجود الميداني لعاملي الإغاثة خارج صنعاء من أجل توفير فهم أفضل للاحتياجات وبيئة العمليات، إضافة إلى الدوافع والعوامل المساهمة في احتياجات السكان المتضررين.
لا تسمح لعدم القدرة في جمع البيانات بطريقة محسّنة أن تعرقلك أو تثبطك حيثما أمكن، وتجنب الاعتماد على المعلومات المقدمة من قِبل الجهات الفاعلة ذات المصالح الخاصة في التخصيص الجغرافي، ونوع الاستجابة، وإدراج شرائح معينة من المجتمع.
اتباع نهج أكثر دقة عند النظر في احتياجات السكان اليمنيين وتحديدها. خاصه ما يلي:
تحليل البيانات التي جُمعت في السياق والبيئة لفهم الأسباب الجذرية بشكل صحيح والإشارة إلى الاستجابة المناسبة.
التأكد من أي إشارة إلى مصطلح “في حاجة” أن يعكس بدقة شكل الحاجة لضمان تقديم الاستجابة المناسبة.
إشراك المجتمعات المحلية في تقييم الاحتياجات وتصميم البرامج.
يجب استخدام البيانات التي تعكس الوضع على الأرض لتمكين التحليل الذي سيوفر معلومات أفضل لعملية صنع القرار بشأن الوصول. يجب تحديدًا مراجعة تصنيف المواقع التي يصعب الوصول إليها ليكون قائمًا على بيانات مؤكدة بدلًا من التصورات الذاتية المنبثقة عن نقاشات مجموعات التركيز.
التأكد من أن المساعدات المقدمة مناسبة للاحتياجات (مثلًا، لا تكون المعونات الغذائية دائمًا النوع الصحيح من المساعدات لمعالجة انعدام الأمن الغذائي)، وألا يُختار نوع المساعدات بناءً على سهولة التوزيع أو تفضيلات الجهات المانحة.
ضمان إنفاق الموارد بحكمة من خلال التركيز على الأنشطة التي تحدث تأثيرًا جوهريًا وإيجابيًا ودائمًا على المجتمعات المحتاجة، بدلًا من استمرار الأنشطة التي تقدم تغطية واسعة، ولكنها سطحية.
انفتاح وشفافية أكثر بشأن المؤشرات والأرقام المستخدمة للتحقق من الاستجابة، بحيث تُبلغ الجهات المانحة وغيرها بالإنجازات الفعلية والواقعية. مثلًا، حجم المساعدات المنقولة عبر البلاد لا يعادل المستفيدين الذين تم الوصول إليهم.
عملية اختيار المستفيدين من خلال توفير مراقبين تنظيميين، وحظر التعاقد من الباطن مع أي طرف من أطراف النزاع يمتلك مصلحة في المكان الذي تصل إليه أو تنتهي إليه المساعدات.
الاستفادة من وجود موظفي الإغاثة على الأرض، بمن فيهم الموظفين الدوليين، لإجراء مراقبة ورصد ما بعد التوزيع بدلًا من الاعتماد على مراقبين محليين من أطراف ثالثة.
إنشاء آليات امتثال مناسبة تتم فيها متابعة تقارير إساءة استخدام المساعدات ومعالجتها بطريقة شاملة وفي الوقت المناسب.
وضع تدابير للتواصل بشفافية ونزاهة واستمرار مع السلطات والمجتمعات والمستفيدين بشأن طرائق المساعدة ومعايير الإدماج والتحديات التي تتم مواجهتها لضمان فهم وتخفيف الإحباط والتصورات السلبية.
إعطاء الأولوية للتضامن داخل القطاع الإنساني لضمان الامتثال للخطوط الحمراء وضمان عدم استطاعة منظمة ما تقويض عمل منظمة أخرى.
تحسين عملية صنع القرار عند مواجهة صعوبات تشغيلية تتحدى الإجراءات القائمة على المبادئ. سيتطلب ذلك تطوير أطر عمل وتوجيهات حول اتخاذ القرارات الأخلاقية، وتوفير تدريب ثابت للموظفين، وضمان التواصل الخارجي المستمر لجميع أصحاب المصلحة بشأن مبادئ المساعدة الإنسانية، والخطوط الحمراء، والظروف غير المقبولة.
لإدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن:
إجراء مراجعة فورية للعقبات البيروقراطية الناتجة عن نظام إدارة الأمن في الأمم المتحدة ومراجعة عبء الإجراءات البيروقراطية على الاستجابة.
ضمان أن تصبح إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن كيانًا يركز على الميدان ويتسم باللامركزية من خلال إخراج الموظفين من صنعاء ووضعهم في جميع أنحاء البلاد لإبلاغ تحليل الأمن والمخاطر. يجب أن يكون عدد العاملين في الميدان أكثر من عددهم في صنعاء.
إصلاح عملية تطبيق إجراءات إدارة المخاطر الأمنية لضمان أن يُبنى تحليل السياق والتهديدات على الحقائق، والالتزام بإجراءات التشغيل القياسية والمعايير الدولية. يجب أن يركز التحليل على تأثير عمل وولاية موظفي الأمم المتحدة بدلًا من التحليل العام المعمم. لتحقيق هذه الغاية يجب:
التأكد من وجود محلل أمني واحد على الأقل في كل مركز وكذلك في صنعاء وعدن لتمكين التحليل المحلي الجيد للأمن والمخاطر.
استباقية التحرك خارج المجمعات وفي جميع أنحاء البلاد لفهم السياق والمخاطر والضعف بشكل أفضل.
النظر في تعيين خبراء في مجالات مثل الاقتصاد والأنثروبولوجيا والصراع، والذين يمكنهم تطوير خط أساس مناسب لفهم البيئة التشغيلية (الأمنية) والتأكد من أن التحليل الحالي متاح بسهولة لإبلاغ صناع القرار.
التأكد من أن التحليل يستند إلى حقائق موثوقة تم تثليثها أو التحقق منها لتجنب التلاعب بالبيانات من أجل الإبقاء على الوضع الراهن.
التحلي بالشفافية مع المجتمع الإنساني حول كيفية تحليل المخاطر وأسباب اتخاذ القرارات المتعلقة بالمخاطر والتخفيف من حدتها.
إعطاء الأولوية للمهارات المطورة عبر الخبرة السابقة التي تمكّن البرمجة الإنسانية عند تعيين ضباط الأمن بدلًا من الاقتصار على مرشحين من خلفيات في سلطات إنفاذ القانون أو الجيوش أو الشركات الأمنية الخاصة، والتي تكون فيها الأساليب الرادعة الأكثر صرامة هي القاعدة.
تبسيط الإجراءات الأمنية لتعزيز الكفاءة. لتحقيق هذه الغاية: تعيين موظفين محددين للتعامل مع طلبات البعثات؛ وإعطاء الأولوية للتحركات الإنسانية، ومراجعة المتطلبات الأمنية للمواقع الميدانية لضمان جعلها أكثر مرونة لتسهيل وتسريع العملية الناشئة لتفعيل المراكز الميدانية.
إزالة المتطلبات الحالية بشأن استخدام المرافقين المسلحين واتباع إرشادات اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات حتى لا يتم استخدام المرافقين المسلحين إلا في ظروف استثنائية بموجب مبدأ الملاذ الأخير.
الاستثمار في ركيزة القبول بدلًا من اتباع نهج الوقاية والتحصين. ويمكن ذلك عبر ضمان التأكيد بوضوح على مفهوم القبول في جميع الخطوات العملية لإدارة العملية الأمنية وتيسير عمل الموظفين في الميدان، بما في ذلك البعثات الميدانية المصاحبة والسماح للموظفين بالتواصل مع أفراد المجتمع.
للمانحين:
تمويل المراجعات الميدانية المستقلة لكفاءة المعونة. دون وجود المانحين على الأرض، لا توجد آلية مستقلة للتحقق من المعلومات المقدمة من القطاع الإنساني، وبالتالي يُعد هذا الأمر ضروريًا للحفاظ على سلامة الاستجابة.
المناصرة على أعلى المستويات لإجراء مراجعة مستقلة وفورية لمدى تمكين نظام إدارة الأمن للأمم المتحدة في اليمن.
الصرامة في سؤال القيادة الإنسانية عن كيفية تأطيرهم للرواية الإنسانية ومطالبتهم بأمثلة محددة وإثباتات من خلال بيانات عالية الجودة قبل قبول صحة البيانات حول الاستجابة واحتياجاتها.
تمويل وظائف التحليل في إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن والنظام الإنساني الأوسع بشرط أن تكون موزعة في جميع أنحاء البلاد.
وقف تمويل المنظمات التي تستخدم أطراف النزاع كشركاء منفذين.
فرض عواقب تتعلق بالتمويل على المنظمات التي لا تمتثل للخطوط الحمراء الموضوعة.
المطالبة بالشفافية والمحاسبة السليمة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. على سبيل المثال:
التوقف عن السماح باستخدام التمويل الإنساني للأنشطة التي تدعم مؤسسات وأطراف النزاع بشكل مباشر، بما في ذلك دفع رواتب المسؤولين في المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق المساعدات الإنسانية وغيرهم ممن يشغلون مناصب سياسية ذات سلطة.
احترام حيادية الاستجابة الإنسانية وعدم استخدامها لتحقيق أهداف سياسية أو أهداف سياسية خارجية. لتمكين الفصل بوضوح بين المبادرات الإنسانية والسياسية يجب:
إنهاء ممارسة التخصيص أو تقديم التمويل المشروط بناءً على مصالح الحكومة المانحة وأهداف السياسة الخارجية الخاصة بها.
السماح لمنظمات المعونة المستقلة وغير المتحيزة بتقرير الاحتياجات والموارد المطلوبة لمعالجتها.
دعم المجتمع الإنساني عندما يقاوم استغلال من في المجال السياسي للقطاع الإنساني كأداة.
بناء طرق مرنة في اتفاقيات التمويل لدعم التعليق المؤقت للمساعدات وإعادة توجيهها إذا لزم الأمر، لتمكين المجتمع الإنساني من وضع ودعم عواقب لانتهاكات الخطوط الحمراء الموضوعة.
دعم البرامج عالية الجودة التي قد يكون لها نطاق جغرافي أضيق، ولكن يمكن أن تضمن تغيير إيجابي دائم بدلًا من التغطية السطحية المؤقتة التي لا تلبي الاحتياجات بطريقة مستدامة.
التأكد من أن طرق التمويل مناسبة للاستجابة المطلوبة في اليمن. لتحقيق هذه الغاية:
إنشاء دورات تمويل متعددة السنوات للاستجابات الأطول أجلًا.
الابتعاد عن التمويل الإنساني في الحالات التي يتم فيها تلبية الاحتياجات بشكل أفضل من خلال التدخلات طويلة الأجل والتدخلات الإنمائية.
تمويل الأنشطة الموجهة نحو الإنعاش والمرونة بمرونة أكبر، ونطاق أوسع، وأطر زمنية أطول لضمان القدرة على وضع حلول دائمة تستغرق وقتًا للتنفيذ.
عندما تنحرف المساعدات عن مسارها: كيف تفشل الاستجابة الإنسانية الدولية في اليمن – مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
المصدر: مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية