المرسى – العربية نت
بينما كان المصور اليمني الشاب حمزة مصطفى، يتجول بكاميراته على سفح جبل يفتقر لأدنى مقومات السلامة، وقع بصره على لفيف أطفال مجتمعين تحت أفياء شجرة هزيلة، يفترشون الأرض وسط العراء، ينشدون التعليم رغم أشعة الشموس الحارقة.
حمزة الذي يدير منصة “yemen peace” ويحترف التصوير منذ بدايات الحرب عام 2014، لم يكن يدرك أن لقطة فوتوغرافية واحدة قادرة على أن تجلب السعادة لأطفال منسيين ينشدون العلم في ضواحي قرية نائية في محافظة تعز اليمنية، لا ترصدها خرائط غوغل، ولا تطالها عدسات الإعلام الدولي.
وفي حوار خاص لـ”العربية.نت”، قال المصور الشاب حمزة مصطفى إن تلك الصورة التي ظهر فيها أطفال أمام سبورة، يحركهم الشغف لاستكمال الدراسة رغم قلة الإمكانيات، تحمل في جوهرها إشعاع ألم وأمل يعيشه بلد يعاني ويلات الصراعات والحروب، معرباً عن فخره لالتقاط تلك الصورة التي ساهمت بحسبه في تغيير مستقبل أبناء القرية كافة، بعد صدور قرار من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بإنشاء وبناء مدرسة بالقرية الواقعة في تعز.
كما تداول مؤثرون وإعلاميون هذه الصورة التي حملت معها معاناة الأطفال، لتصل إلى العالم، ودفعت مهندسي البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن إلى الميدان لتقييم الاحتياج.
وعقب موجة انتشار الصورة على نطاق واسع، وجه السفير السعودي محمد آل جابر عبر تغريدة في تويتر ببناء مدرسة، وهو الحلم الذي تحقق للطلاب بعد استجابة البرنامج السعودي لمناشداتهم، وباشر البدء بإنشاء مدرسة نموذجية لهم، وعلق حمزة قائلاً: “كان وقع هذه الاستجابة مفرحا لدرجة أنني شعرت بأن المبنى المدرسي سيبنى لي”.
وروى حمزة تفاصيل قصة صورة أطفال قرية الكشار بالمحافظة المحاصرة، وأضاف:” حاولت أن أدع العالم يقرأ المشهد فالتقطت صور الأطفال ونشرتها تباعاً بكل أمل في الإسهام بتغيير واقعهم، وجاءت التفاتة البرنامج السعودي مثل بصيص أمل لمئات الأطفال الذين كادوا يفقدون ثقتهم بالعالم وهم يصارعون بؤس واقعهم كل يوم، وها أنا الآن فخور بالأثر الذي حققته الصورة، وأنا أرى المدرسة جاهزة لاستقبال أطفال القرية الحالمين بالحصول على حقهم في التعليم.
كما أشار حمزة إلى أن هذه مبادرته الأهم والأكثر تأثيراً بي، كونها عززت من إيمانه بالدور الذي يمكن للتصوير أن يقوم به وعلمته أهمية الإيمان بمبادئ الإنسانية الخالصة من كل ما يلطخها.
وساهمت عدسات المصورين اليمنيين في حشد الضمير الأممي تجاه أطفال اليمن، إلا أن مصطفى استطاع أن يوثق صورة ألهبت مشاعر الكثيرين، فقال: “أنا لا أصنع الصورة، الواقع هو ما يشدني، وفي أحيان كثيرة كان المشهد هو سيد الكلام، فكان التصوير طريقتي لتوثيق ما أراه وقررت نقله لأخبر العالم كم أن هناك ما يستحق النظر إليه في اليمن غير مشاهد الحرب السائدة”.
وأضاف:” كنت أتألم في الحقيقة للوضع الذي أرى الأطفال يعيشونه، ولأنه لم يكن بيدي تغييره قررت أن أنقله لعل الصورة تتعثر بنظرة من قلب شخص ما يمكنه صناعة تغيير إيجابي في حياة أطفال اليمن. وكنت حقيقياً فقط، ولم أتكلف أو أحاول اختلاق شيء غير موجود والصورة كما يقال أبلغ من الكلام، لهذا وصل تأثيرها إلى العالم”.
يشار إلى أن حمزة يركز في رصد قصص مؤثرة يرويها بعدسته عن المعاناة والصبر والتعايش الاجتماعي والأمل وجمال الطبيعة وقيم الإنسان، من الريف والحضر، ومن قلب هذه المدينة التي تعاني وتصر على التمسك بجمالها وابتسامات أطفالها.
كما يمتلك ألبومات ضوئية تعبر عن السلام، من خلال منصة “yemen peace” التي أطلقها عام 2020 ونفذ من خلالها مشروعا عن السلام في ظل الحرب، يصفها بأنها نافذة على كل جمال تلتقطه عدسة الكاميرا وإطار واسع لقصص السلام والتعايش التي يرصدها فوتوغرافيا.
وتكمن رسالة مصطفى عبر الكاميرا في نقل وتوثيق الحياة والجمال، وتصوير الزاوية البعيدة عن أعين العالم، وترك الصورة تقول كل تلك المشاهد التي لا يمكن اجتزاؤها في جمل كلامية قصيرة مهما بلغ تنميقها.