المرسى- محمد الصلاحي
لعبت الهوية الوطنية دوراً كبيراً في تشكيل وجدان الأجيال اليمنية على مر العقود.
جمعت هذه الهوية تفاصيل نمو الأمة، وتطورها، وتضحيات أبنائها الذين ساهموا في بناء الجمهورية اليمنية.
ومن بين أبرز تجليات هذا الوجدان، تأتي تسمية الشوارع والمعالم الوطنية والدينية بأسماء الرموز والشخصيات التي تركت أثرها على صعيد العلوم والنضال والاستقلال.
ولكن مع استمرار سيطرة مليشيا الحوثي على بعض المحافظات اليمنية، وخصوصاً الشمالية، شهدنا تحولات غير مسبوقة على الساحة السياسية والاجتماعية.
أحد أكثر هذه التحولات جدلاً هو تغيير أسماء العديد من الشوارع والمعالم التي كانت تحمل أسماء رموز وطنية وجمهورية
مثل: شارع زايد ومستشفى العلفي بالحديدة وجامع الصالح وشارع الزبيري بصنعاء ومدرسة الشهيد علي عبدالمغني في محافظة إب وغيرها.
واستبدالها بأسماء أخرى لا صلة لها باليمن أو تاريخها.
خلفية التغيير
منذ سيطرتها على صنعاء و أجزاء واسعة من اليمن في العام 2014 عمدت مليشيا الحوثي إلى تعزيز نفوذها عبر مجموعة من السياسات والإجراءات المختلفة، من بينها تغيير التسميات للمعالم التي لها ارتباط ذهني وتاريخي عند اليمنيين وتفهم هذه السياسات من خلال سعي المليشيا لفرض هويتهم الثقافية والدينية والسياسية على المجتمع اليمني، في محاولة منهم لإعادة كتابة التاريخ بما يتناسب مع مشروعهم الفكري والإيديولوجي.
تأثير التغيير على الهوية الوطنية
أثار هذا النهج حفيظة الكثير من اليمنيين الذين يعتبرون أن تلك الأسماء والشخصيات ليست مجرد لوحات معدنية على مفارق الطرقات و واجهات المباني، بل هي جزء من الذاكرة الجمعية والهوية الوطنية.
يمثل هذا التغيير بالنسبة لكثيرين محاولة لطمس هذا الاثر وتقزيم دورة النضالي في سبيل الجمهورية واليمن والجوانب التي تعكس تاريخاً من التضحيات الوطنية.
البعد الثقافي والاجتماعي
لا يقتصر تأثير تغيير أسماء الشوارع والمعالم على الجانب السياسي فقط، بل يمتد إلى البعد الثقافي والاجتماعي. الشوارع التي تحمل أسماء القادة الوطنيين والشهداء كانت تذكيرًا يوميًا بالقيم والمبادئ التي قاتل هؤلاء من أجلها.
بإزالة تلك الأسماء واستبدالها بأخرى ترتبط بفكر المليشيا ومن سار على دربهم ، يصبح من السهل فرض النظرية الجديدة على الأجيال الشابة التي قد لا تكون لها المعرفة التفصيلية بالتاريخ الوطني.
اللاوعي الجمعي والمقاومة
تبقى هناك مقاومة ثقافية ومجتمعية لهذا التغيير، حيث يعمل العديد من الناشطين والمؤرخين اليمنيين على توثيق الأسماء القديمة ونشرها عبر مختلف الوسائط الرقمية والتواصل الاجتماعي.
هذا السلوك يرمز إلى تمسك اليمنيين بهويتهم وتاريخهم الوطنيين، في وجه كل محاولات وحملات الطمس والتغيير من قبل هذه الجماعة السلالية.
إن تغيير مليشيا الحوثي لأسماء الشوارع والمعالم البارزه والهامة في اليمن تعتبر خطوة خطيرة في إطار سعيهم لفرض واقع جديد يتناغم مع رؤيتهم السياسية والدينية.
ومع ذلك، يظل اليمنيون يواجهون هذه التغييرات بصمود وثبات، متمسكين بتراثهم العريق وهويتهم الوطنية.
ويبقى التحدي الأكبر أمام الشعب اليمني هو الحفاظ على هذا التاريخ والتسلح بالمعرفة والثقافة التي تحصنة من المتغيرات المصطنعة في ظل عواصف التغيير التي يواجهها اليوم عسكريا ودينيا وثقافيا، حتى يتاح للأجيال القادمة فهم الجذور والقيم التي ضحى من اجلها ابائنا واجدادنا وبنيت عليها الجمهورية اليمنية.