المرسى – نادر الصوفي
من أيام قليلة أكملت المقاومة الوطنية ومكتبها السياسي بقيادة العميد ركن طارق صالح، عامها الخامس وتجاوزت عتبه العام السادس في مسيرتها؛ في توقيت حساس تشهد فيه الساحة اليمنية حراكاً سياسياً متسارعاً على مختلف المستويات محلياً واقليمياً ودولياً للتوصل الى اتفاق سلام يوقف الحرب.
وقد أسهمت المقاومة في تهيئة الظروف التي أوصلت إلى هذا المستوى عبر حضورها ومواقفها السياسية، وجهودها العسكرية على الارض خلال الأعوام الفائتة.
ولا يخفى على أحد أن المقاومة الوطنية منذ نشأتها 19 إبريل 2018 كان الهدف الأساسي الذي تحمله قيادتها هو مواجهة ميليشيات الحوثي والسير في طريق المعركة التي دشنتها أحداث 2 ديسمبر 2017، التي فجرها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وأدت الى استشهاده ومعه الأمين العام لحزب المؤتمر عارف الزوكا.
وإلى جانب ذلك كان الهدف التالي هو أن تصبح من بين القوى الحاضرة والمؤثرة في المعادلة السياسية والعسكرية في اليمن، شأنه شأن الاطراف الأخرى المتواجدة في الساحة؛ وان تلعب دوراً محورياً في تحديد مصير الأزمة اليمنية وفقاً للخطوط العريضة التي وضعتها “استعادة الجمهورية كنظام ديمقراطي تعددي بهوية عروبية مستقلة تحمي التنوع الثقافي والسياسي دون انحيازيات عرقية وطائفية”.
وخلال الأعوام الخمسة في مسيرتها التي اكتملت في 19 ابريل 2023، سلكت المقاومة الوطنية طريقاً شاقاً واجهت فيه تحديات وعراقيل عديدة عسكرياً وسياسياً حتى بلغت اليوم موقعاً متقدماً ورئيسياً في خارطة التوازنات المحلية، ومساهماً في رسم حدود التفاعلات الجارية على صعيد الأزمة بشكل عام.
فكيف بلغت أهدافها، وما الذي مرت فيه، وكيف تعاملت معه؟، هو ما سنحاول في هذا التقرير الشامل تقديم إجابات متكاملة عليه، عبر إعادة قراءة مسيرتها بصورة تفصيلية ودقيقة، تحلل مختلف التحولات التي عايشتها المقاومة وقياداتها منذ التأسيس وحتى اللحظة الراهنة، ومناقشة التحديات التي واجهتها والإنجازات التي حصدتها وأين نجحت وأين اخفقت، والكيفية التي تعاملت مع التطورات ومتغيرات المشهد المحلي خلال المراحل المختلفة.
طريقاً شاقاً ومحطات عديدة
منذ ان وصل العميد طارق صالح وشرع في تأسيس ألوية “حراس الجمهورية” بدعم ورعاية دول التحالف العربي السعودية والإمارات، ومساندة وحماية المقاومة الجنوبية التي تقف على رأسها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
واجهت تحديات كثيرة في العمل على تجميع وتجنيد الافراد وتشكيل الوحدات، وتأمين الانتقال من محافظات شمال اليمن الى عدن؛ من اطراف عديدة كانت ترى في هذا الكتلة التي تتشكل خطر يهدد استحواذهم على الساحة، وعلى رأسهم ميليشيات الحوثي التي لطالما تخوفت من تنامي المقاومة.
وبحذر شديد ظل العميد طارق صالح يمشي على حقل من الالغام لتجاوز تلك المرحلة حتى استكمل تحشيد وتجهيز القوات وباشرت الانخراط في مسرح العمليات العسكري في المواجهات التي احتدمت على مختلف جبهات الساحل الغربي، انطلاقاً من معسكر خالد أبن الوليد في المخا. وعلى مدى العام 2018 شارك في المعارك مع رفاق السلاح في القوات المشتركة “العمالقة ، التهامية ، الزرانيق”، وحققت جهودهم على الارض تقدم كبير وكادت ان تستكمل السيطرة على مدينة ومحافظة الحديدة بشكل تام لولا الضغوط الدولية.
عملياً يعتبر تجميد معركة الحديدة بفعل اتفاق ستوكهولم أول وأهم تحدي وقف عائقاً أمام اندفاعة المقاومة الوطنية، وتركها الى جانب بقية وحدات القوات المشتركة، مكشوفة أمام خروقات ميليشيات الحوثي وتعرضت للاستنزاف حتى تمكنت من الانفكاك من هذه الكماشة في فبراير 2021 بعد تنفيذ عملية الانسحاب وإعادة الانتشار.
وعلى الرغم من امتلاك حراس الجمهورية ورفقاء السلاح المشترك في الساحل الغربي قدرات عسكرية عالية، لكنها ظلت مقيدة في تلك الجبهات.
ويعود ذلك الى الصراعات الداخلية بين مكونات الشرعية حينها التي تسببت في تجميد المعركة الوطنية في مواجهة ميليشيات الحوثي، وفضلت الاستحواذ على جبهات القتال المختلفة في المحافظات الأخرى، وممانعتها إشراك القوى الحية التي تملك الاستعداد لخوض المعركة، والقدرات القتالية.
إقصاء سياسي وتحريض إعلامي
تعرضت المقاومة الوطنية خلال الاعوام التالية لتجميد المعركة، للاقصاء والتهميش السياسي ورفض الاعتراف بمشروعيته من اقطاب السلطة الشرعية اليمنية حينها “الرئيس السابق هادي، وحزب الاصلاح”.
وفي ذات الوقت عانت لسنوات عديدة من حملات تحريض إعلامي ممنهجة استهدفت تماسكها وحاولت توتير علاقاتها مع مختلف الشركاء في الساحة الوطنية، وبث الاشاعة وتسميم العلاقات والاجواء، في محاولة لإرباك التحركات والتشويش على مساعي تأسي المقاومة الوطنية.
وعلى مدى تلك الفترات ظل العميد طارق صالح متمسكاً بمواقفه والمبادئ التي تأسست المقاومة الوطنية عليها، وهي الشراكة الوطنية في مواجهة ميليشيات الحوثي بإعتبارها العدو الوحيد الذي يجب توحيد الجهود والاستعداد لمواجهته. ورفض محاولات جره الى عبثية المعارك الجانبية “تحرير المحرر”، وركز دائماً على تصدير خطاب تصالحي والنأي بالنفس عن الخلافات الداخلية مع مختلف المكونات السياسية والعسكرية والاجتماعية، وماداً يده للتعاون وبناء جسور الثقة. وعلى الرغم من تكراره دعوات الشراكة إلا ان المستفردين حينها رفضوا تلك المساعي، وتجاهلوا نداء الشراكة والمصالحة، واصروا على تهميشه واعتباره مجرد فصيل عسكري ضمن القوات المشتركة المناوئة لميليشيات الحوثي، وغير معترف بمشروعيتها.
كسر العزلة “المكتب السياسي”
سياسياً كان من الضروري على العميد طارق صالح قيادة المقاومة الوطنية في طريق الخروج من حالة العزلة وكسر دائرة التهميش والاقصاء المفروضة؛ والاقدام على خطوة جريئة لاختراق المجال السياسي ، والانتقال من كونه كيان عسكري ضمن القوات المرابطة في الجبهات لمواجهة ميليشيات الحوثي، إلى ان يصبح مكون سياسي فاعل وذلك ما تحقق مع تأسيس المكتب السياسي 25 مارس 2021.
وقد مثلت هذه الخطوة أول تحول في مسيرتها، فاتحاً الطريق أمامه لممارسة نساط سياسي وتصدير مواقف وخطاب يمثل شريحة واسعة من ابناء اليمن، ويساعده في فتح قنوات اتصال وبناء علاقات مع القوى والاحزاب السياسية وايصال مطالبها. وعموماً للتحرك في مسار الشركة في السلطة وتحقيق اهدافها، والتحول من مجرد كيان عسكري الى كتلة سياسية لها صوت مسموع.
من الهامش إلى العمق.. شريكاً في السلطة والقرار
بما ان أول الغيث قطرة كما يُقال ويحدث، فإن أوسطه تدفق منهمر؛ وهو بالضبط ما حدث مع المقاومة الوطنية حيث أسهمت مساعي العميد طارق صالح في ان يصبح المكتب السياسي قوة مؤثرة في المشهد السياسي، وحجز مقعداً ضمن الاطراف الرئيسية..
وتكللت جهوده بالنجاح حين اعادت دعوة السعودية لمختلف القوى اليمنية للمشاركة في مشاورات الرياض مارس-ابريل 2022، احياء مطالبه في انجاز التغيير عبر تسوية جزئية بين مكونات الشرعية، وأسفرت عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.
في هذه اللحظة حدث التحول الأهم في مسيرته حين تغيرت المعادلة السياسية والعسكرية في اليمن بشكل عام، وفي بنية الشرعية بشكل خاص، واستطاع ترجيح كفته في ميزان القوى، وامتلاك الادوات والموقع الذي يؤهله للمشاركة في صناعة القرار، والتأثير على مسار السلام وعملية التسوية الشاملة.
حيث اصبح أحد الاعضاء الثمانية في هيئة الرئاسة التي تعد اعلى سلطة تنفيذية معترف بها اقليمياً ودولياً، وجزء من هيكل السلطة، واكتسبت المشروعية السياسية والاخلاقية والقانونية، واعتراف مختلف القوى كطرف حاضر وفاعل في الساحة اليمنية. وفتحت امامة الابواب بالنسبة له كشخص او ككيان، وتم توظيفها في خدمة مساعيه لتعزيز حضوره وتحركاته في الفضاء السياسي الداخلي، وبات صوته مسموع ويلتقي بالمسؤولين الحكوميين ويصدر التوجيهات، وباتت تحركاته مصبوغة بموقعه الرسمي، الى جانب اللقاءات والاتصالات المحلية والخارجية بالمبعوثين والسفراء.
عاماً كاملاً.. إنجازات عديدة وإخفاقات محدودة
شكلت الاعوام السابقة من عمر المقاومة الوطنية منذ نشأتها وحتى مطلع 2022 مرحلة طويلة في مسيرتها تساوت خلالها الانجازات التي حصدتها مع العراقيل التي قيدتها. غير ان التحولات التي حدثت في المرحلة الممتدة خلال عام منذ تشكيل مجلس القيادة وحتى اليوم، تختلف عما سبقها إذ غيرت مسار الاحداث بالنسبة لها ومثلت فاتحة متغيرات شاملة في أداء وأدوات وقدرات المقاومة ومكتبها السياسي والعميد طارق صالح الذي نجح الى حد بعيد في استثمار وتوظيف ذلك التحول والتعامل معه برصانة.
فعلى صعيد المكتب السياسي، شهد توسع نشاطه السياسي ونموه التنظيمي في مناطق في الساحل الغربي “المخا” محافظة تعز و”الخوخة” في الحديدة، بالإضافة الى مدية تعز وشبوة ومارب. وتجري اللقاءات بقيادة فروع الاحزاب السياسية، والقوى المدنية، والعسكرية والوجاهات الاجتماعية والسلطات المحلية. وباتت فروع المكتب تنشط وتقيم الفعاليات، وتشارك في اجتماعات السلطات المحلية وتساهم مع القوى الاخرى في تقديم المبادرات. وافتتاح في شهر مارس الفائت في ذكرى التأسيس فرعاً في محافظة اب، مع تنامي الكتلة البرلمانية كما تنامت كتلته البرلمانية بانضمام أسماء جديدة من اعضاء مجلس النواب اليمني، وباتت تحتوي قرابة 25 عضو.
كما اتسعت خارطة العلاقات والتحالفات التي أسسها العميد طارق صالح مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان يعد الحليف الابرز جنوباً. فيما سجلت علاقاته مع حزب الاشتراكي والناصري والمؤتمر تقارباً كبيراً وفقاً لقاعدة بناء تحالف سياسي يهدف لتعزيز مسار الشراكة والاصلاحات في حكومة الشرعية والسلطات المحلية. ويجري ترجمته على مستوى فروع هذه القوى في عدة محافظات. ووفقاً لرفضه محاولات الإقصاء والتهميش وجه في أكثر من دعوة نداء لحزب الاصلاح للانخراط فيها، كما أجبر الحزب على التراجع عن تصنيف طارق صالح كعدو والدخول في تهدئة سياسية واعلامية تحضيراً لانهاء أي اسباب للخلاف.
وهذا لا يخفي أنها واجهت تحديات خلال العام ابرزها الخلاف بين مكونات الشرعية والتي اضعفت موقفهم السياسي أمام ميليشيات الحوثي.
نموذج جاذب ونهج تصالحي يفتح الأبواب
انطلاقاً من المبادئ العامة التي يمتلكها العميد طارق صالح فتح أبواب المكتب السياسي أمام مختلف الاسماء والمكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية للعضوية في المكتب كي تصبح جزء مؤثر في توجهاته، الامر الذي تحقق مع انضمام اسماء عديدة من السياسيين والبرلمانيين والوجاهات الاجتماعية والقيادات العسكرية، وتوسيع قاعدة التمثيل مع الوقت لتشمل شرائح متعددة شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، في الحديدة وتعز المدينة والريف، وإب وصنعاء وشبوة ومختلف مناطق تهامة والزرانيق، ومارب والجوف..
كما ساهم الخطاب المتزن الذي لم يفارق تصريحات طارق صالح سياسياً وإعلامياً، وترجمته في الواقع العملي الى سلوك غير صدامي ومواقف يومية تعاونية؛ في تطمين مختلف القوى الحاضرة في الساحة الوطنية، وباتت مع الوقت تشيد بالتصريحات والتحركات وتتجاهل حملات التشويش، واصبح بالنسبة لها المعيار الحقيقي هو النظر الى الممارسات والمواقف العملية.
ويتعزز ذلك مع نجاح طارق صالح، في تقديم نموذج جاذب في مناطق الساحل الغربي فعمل على تطوير أداء السلطات المحلية ودعمها، واهتم بالمشاريع التنموية والخدمية التي يقوم بتشييدها بدعم اماراتي كمطار وميناء المخا، وطريق الكدحة تعز، وعدة مشاريع في مجالات المياه والكهرباء والطرقات وبناء مدارس ودعم المستشفيات، والاغاثة والمساعدات الانسانية، وخلال زيارته الى مدينة تعز دشن مشروع للمياه بدعم اماراتي.
وقد ساعد الخطاب التصالحي والنموذج التنموي الذي يقدمه طارق صالح، بالإضافة ألى فشل ميليشيات الحوثي في تقديم خدمات للناس وتجويعهم وممارستها القمعية، وكذلك الاطراف الاخرى، في خلق مقبولية شعبية واجتماعية وتغيير في الخطاب السياسي والاعلامي نحو المقاومة الوطنية التي باتت تحظى بانفتاح الرأي العام في مختلف المحافظات عليها.
معادلة جديدة.. الحاضر يضيئ على القادم
هكذا تغيرت قواعد اللعبة والمعادلة السياسية والعسكرية في اليمن وحجزت المقاومة الوطنية ومكتبها السياسي بقيادة طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، مقعداً في ميزان القوى القائم في الساحة الوطنية، شريكاً في السلطة والقرار وجزء من العملية السياسية والحراك الجاري لتسوية الصراع وحل الأزمة.
وإذا كانت تلك الانجازات قد حصدها في أحلك الظروف حيث التنافس في ذروته، وكانت تغذيه مخاوف بعض القوى من تنامي المقاومة وإنتزاعها حصة من النفوذ السياسي والسلطوي؛ فإن قدرتها في الوقت الحاضر ستدعمها في المرحلة المقبلة للدفع بمسار التحولات لان تصبح مكوناً حاضراً في جميع المناطق اليمنية سياسياً وتنظيمياً ونشطاً في مختلف المجالات، خصوصاً في حال وصلت الجهود والحراك السياسي الى اتفاق على وقف الحرب وتثبيت وقف اطلاق النار بشكل دائم؛ الامر الذي سيفتح المجال أمام العميد طارق صالح لتطوير الاداء والادوات السياسية والاجتماعية.
في المقابل تظل القدرات والأهداف العكسرية في حالة جاهزية لاستكمال الطريق الاساسي في مواجهة ميليشيات الحوثي على الارض، وإحراز الاهداف بقوة السلاح، بحسب ما تدلل علية تصريحاته المتكررة “سندخل صنعاء ونستعيد الجمهورية سلماً أو حرباً”.
المصدر : نيوز يمن