المرسى- متابعات
في ظل التحديات التي يواجهها الطلاب اليمنيون في مصر عقب قرار إغلاق المدارس اليمنية الخاصة في القاهرة، تبرز الأزمة كقضية تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية وإنسانية مؤثرة، حيث تتأثر بها شريحة واسعة من أبناء الجالية اليمنية في مصر، الذين يعتمدون على هذه المؤسسات التعليمية لضمان استمرارية تعليم أبنائهم.
وقد جاء الكشف الأخير الذي حصلت عليه صحيفة “العين الثالثة” ليضيف بُعداً آخر للأزمة، حيث تبين أن أغلب هذه المدارس تتبع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي، وقد دفعت هذه الأزمة برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، إلى مناقشة الوضع مع السلطات المصرية.
وأشارت مصادر إلى أن العليمي التقى اليوم خلال مشاركته في المنتدى الحضرمي العالمي الذي يُعقد في القاهرة، بمسؤولين مصريين لبحث سبل التعاون من أجل إعادة فتح المدارس الخاصة التي تتبع له.
استضافة الجالية اليمنية في مصر: مناخ الدعم والصعوبات
لطالما كانت مصر وجهة مفضلة لليمنيين، حيث تُعتبر دولة مضيافة تستقبل مواطني الدول العربية المتضررة من النزاعات والحروب، ومن ضمنهم السوريين والسودانيين والليبيين، بالإضافة إلى اليمنيين الذين فروا من الصراع المستمر.
وأثبتت مصر على مدار السنوات أنها موطن آمن يفتح أبوابه للباحثين عن الاستقرار والأمن والتعليم، وقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في أعداد الطلاب اليمنيين الملتحقين بمختلف المدارس الخاصة في القاهرة.
لكن، رغم أن مصر قدمت هذا الدعم الإنساني السخي، إلا أن توفير بيئة تعليمية قانونية ومهيكلة لأبناء الجاليات يعد تحدياً كبيراً، حيث يتطلب التنسيق المستمر مع السفارات والقنصليات المعنية لضمان التزام هذه المؤسسات التعليمية بالقوانين والتشريعات المصرية، كما أن السلطات المصرية ملزمة بتطبيق قواعد صارمة لضمان جودة التعليم، بما في ذلك الرقابة المستمرة على المدارس الأجنبية للتأكد من التزامها بالمعايير الأكاديمية والتنظيمية.
خلفيات الإغلاق: تداخلات قانونية وتجاوزات إدارية
بالعودة إلى الأزمة الحالية، فقد ذكرت مصادر مصرية أن قرار إغلاق المدارس اليمنية جاء نتيجة لملاحظات حول التزام هذه المدارس بالقوانين والتشريعات المحلية، خاصة من ناحية التراخيص والمعايير الأكاديمية المطلوبة. وتعتبر هذه المدارس جزءاً حيوياً من حياة الجالية اليمنية، إذ تقدم خدمات تعليمية مهمة لنحو 8000 طالب وطالبة.
وبحسب تصريحات مسؤولين في وزارة التربية والتعليم المصرية، فقد كانت هناك تحذيرات مسبقة وجهت لهذه المدارس منذ عدة أشهر، داعيةً إياها لتصحيح أوضاعها والامتثال للتشريعات. لكن ما زاد الأمر تعقيداً هو عدم تجاوب هذه المؤسسات التعليمية بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى غياب دور السفارة اليمنية في متابعة أوضاع هذه المدارس وإرشادها حول الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتفادي هذه العواقب.
دور السفارة اليمنية والملحقية الثقافية: غياب التنسيق الفعال
يُعتبر دور السفارة اليمنية في متابعة شؤون الجالية اليمنية في مصر مسؤولية مهمة، خاصة فيما يتعلق بالمدارس الخاصة التي تخدم الطلاب اليمنيين. ومع ذلك، يبدو أن ضعف التنسيق بين السفارة اليمنية والسلطات المصرية أسهم في تفاقم الأزمة. وقد ذكرت تقارير إعلامية أن السفارة لم تقم بواجبها على النحو المطلوب فيما يتعلق بمتابعة أوضاع المدارس والتأكد من التزامها بالقوانين المصرية، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ السلطات المصرية قراراً بإغلاق المدارس المخالفة.
هذا الغياب في التواصل الفعال يعكس خللاً كبيراً في أداء السفارة والملحقية الثقافية، حيث لم تبذل الجهود اللازمة لضمان استمرار العملية التعليمية. وتُعد هذه المكاتب في السفارات المعنية بمسؤولية حماية حقوق الطلاب والتنسيق مع الجهات التعليمية، وهو ما أدى في هذه الحالة إلى تضرر كبير على صعيد التعليم والحياة الأسرية لأبناء الجالية.
العليمي وتدخلاته في الأزمة: محاولة لإعادة فتح المدارس
في خطوة لاحتواء تداعيات الأزمة، سعى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، إلى بحث الأمر مع المسؤولين المصريين أثناء زيارته الحالية للقاهرة. وقد حضر العليمي المنتدى الحضرمي العالمي، الذي يُعد فرصة لطرح قضايا الجالية اليمنية والوقوف على الصعوبات التي تواجهها. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن العليمي أجرى مباحثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعدد من الجهات المصرية حول إمكانية إعادة فتح المدارس الخاصة التي تتبع له، في إطار التعاون المشترك وإظهار الجدية في تنظيم أوضاع هذه المؤسسات التعليمية.
يبدو أن العليمي يسعى إلى تقديم ضمانات للسلطات المصرية حول التزام هذه المدارس بالقوانين المحلية مستقبلاً، بالإضافة إلى تنفيذ آليات رقابة أفضل لضمان جودة التعليم واستمراريته.
تداعيات الإغلاق على الطلاب وأسرهم
أدى إغلاق المدارس إلى إحداث حالة من الفوضى والقلق في صفوف الطلاب وأولياء الأمور، حيث بات هؤلاء الطلاب محرومين من التعليم الأساسي. ومثل هذا الانقطاع عن التعليم لا يقتصر أثره على فقدان الطلاب للدروس الأكاديمية، بل يمتد ليشمل تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية قد تؤدي إلى تداعيات على المدى الطويل.
وقد أعربت العديد من الأسر اليمنية عن قلقها من عدم وجود بدائل أخرى قادرة على تلبية احتياجاتهم التعليمية. فهم يواجهون تحدياً صعباً يتمثل في العثور على مدارس مناسبة لأبنائهم، خاصة مع وجود تحديات اقتصادية تجعل من الصعب الالتحاق بمدارس دولية مكلفة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطلاب يعانون من الشعور بالإحباط والتشتت، حيث لم يتوقعوا أن يجدوا أنفسهم في موقف يُحرمهم من حقهم الأساسي في التعليم.
تباين في الرؤى حول الأزمة
تناولت وسائل الإعلام أزمة إغلاق المدارس اليمنية في مصر بتغطيات مكثفة، ولكنها أظهرت تبايناً في تحميل المسؤولية بين الطرفين المصري واليمني. فقد رأت بعض الوسائل الإعلامية أن السلطات المصرية تتعامل بصرامة مفرطة تجاه المدارس اليمنية، بينما اعتبرت وسائل إعلام أخرى أن السفارة اليمنية والملحقية الثقافية لم تقوما بدورهما كما ينبغي، ما ساهم في تعميق الأزمة.
نحو حلول عملية: أهمية التعاون واستراتيجيات السفارة
تشير هذه الأزمة إلى الحاجة الملحة لتحسين أداء السفارة والملحقية الثقافية من خلال تبني استراتيجيات فعالة تركز على التنسيق مع السلطات المصرية، وتفعيل دور الملحقية الثقافية في متابعة المدارس وتقديم التوجيهات اللازمة. يمكن أيضاً إنشاء لجنة متابعة مختصة بالشؤون التعليمية، تكون مسؤولة عن التواصل مع المؤسسات التعليمية المصرية، وتنسيق الأنشطة، وضمان التزام المدارس بالمعايير المطلوبة.
كما يُعد تكثيف التواصل مع الجالية اليمنية وأولياء الأمور جزءاً من الحل، من خلال تنظيم ورشات تعريفية حول المتطلبات القانونية للمدارس الخاصة، وتوفير المعلومات اللازمة حول الإجراءات المطلوبة لضمان استمرار التعليم بطريقة مستدامة.
رؤية مشتركة لحماية التعليم
تشير أزمة إغلاق المدارس اليمنية في مصر إلى أهمية العمل المشترك بين البلدين لضمان حقوق الطلاب وتوفير بيئة تعليمية مستقرة. ويبدو أن تدخل العليمي يعد خطوة إيجابية نحو حل الأزمة، إلا أن الاستدامة تتطلب جهداً مستمراً من قِبل السفارة اليمنية لضمان التزام المدارس بالقوانين المحلية.
التعليم هو حق أساسي يجب أن يكون متاحاً للجميع، ويجب أن تضمن السفارة اليمنية بالتعاون مع الجهات المصرية استمراريته وتوفير بيئة تعليمية سليمة لأبناء الجالية اليمنية. وبناءً على هذه الخطوات، يمكن تجنب الأزمات المستقبلية، وتحقيق رؤية مشتركة تعزز التعاون وتحافظ على حقوق الطلاب.