المرسى- محمد الصلاحي
تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة تسلط الضوء على الأدوار الدولية في إدارة الأزمة، وأحد أبرز هذه التطورات السماح للسفن الإيرانية بالإبحار من ميناء بندر عباس إلى ميناء الحديدة دون الخضوع لعمليات تفتيش·
هذا الأمر يثير تساؤلات حادة حول الموقف الدولي ومدى تماهيه مع مليشيا الحوثي التي تسيطر على مناطق استراتيجية في اليمن، وسط اتهامات بتقصير المجتمع الدولي والأمم المتحدة في الالتزام بقرارات حظر تهريب الأسلحة ودعم السلام في البلاد·
تُعد إيران الداعم الرئيسي لمليشيا الحوثي، وقد أثبتت تقارير دولية متعددة تورط طهران في تزويد الحوثيين بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية التي مكّنتهم من الاستمرار في الحرب·
وبينما تتحدث القرارات الأممية عن حظر تصدير الأسلحة إلى الأطراف غير الشرعية في اليمن، فإن مرور السفن الإيرانية دون تفتيش يعكس إما تقصيراً خطيراً من قبل الجهات المعنية أو تغاضياً متعمداً يخدم مصالح سياسية على حساب الشعب اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم·
ميناء الحديدة، الذي يمثل شرياناً حيوياً لدخول المساعدات الإنسانية إلى ملايين اليمنيين، أصبح تحت سيطرة الحوثيين منذ سنوات ويُستخدم بشكل كبير في تهريب الأسلحة وإعادة تمويل المجهود الحربي للمليشيا·
ورغم اتفاق ستوكهولم عام 2018 الذي نصّ على إشراف الأمم المتحدة على الميناء، لكن الواقع يشير إلى أن الحوثيين ما زالوا يسيطرون عليه فعلياً، ويستغلونه لدعم مشروعهم العسكري·
هذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية في تفسير سبب فشل الآليات الدولية في ضمان التفتيش الصارم للسفن المتجهة إلى هذا الميناء·
السماح للسفن الإيرانية بالمرور دون تفتيش يعزز من قوة المليشيا العسكرية ويمدد أمد الصراع، مما يُضعف فرص تحقيق السلام في اليمن·
ويعد هذا الأمر تحدياً صريحاً لقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 2216 الذي ينص بوضوح على حظر توريد الأسلحة للحوثيين· إذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن فرض تطبيق قراراتها أو متساهلة في التعامل مع الانتهاكات الإيرانية، فإن ذلك يعكس فشلًا مؤسسيًا يهدد بفقدان الثقة في هذه المنظمة كطرف محايد ومسؤول عن إحلال السلام·
استمرار تدفق السفن دون تفتيش يطرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الأزمات·
ففي الوقت الذي تُفرض فيه قيود صارمة على بعض الدول والأطراف، يبدو أن هناك تهاوناً غير مبرر مع إيران والحوثيين·
هذا التهاون ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو مشاركة غير مباشرة في إطالة معاناة الشعب اليمني، حيث إن استمرار الدعم الإيراني للحوثيين يساهم في زيادة وتيرة العنف وتصعيد العمليات العسكرية، مما يؤدي إلى تدمير بنية اليمن التحتية وتهجير السكان وتعميق الأزمة الإنسانية·
غياب الرقابة الدولية على السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة يفتح الباب أمام تعزيز الحوثيين لترسانتهم العسكرية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على استهداف المدنيين والبنية التحتية للمدن الخاضعة للحكومة الشرعية·
الأسلحة الإيرانية التي يتم تهريبها عبر الحديدة تُستخدم ليس فقط في العمليات العسكرية ضد التحالف العربي والقوات الشرعية، بل أيضاً في تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، مما يجعل هذه القضية تهديداً للأمن الإقليمي والدولي على حد سواء·
إن التواطؤ أو الإخفاق في منع السفن الإيرانية من الوصول إلى مليشيا الحوثي دون تفتيش يعدّ مؤشراً خطيراً على وجود فجوات كبيرة في آليات الرقابة الدولية·
هذا الأمر يتطلب موقفاً حازماً من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، وعلى رأسها الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لضمان تطبيق قرارات الحظر بصرامة ودون استثناءات·
يجب أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها الكاملة في مراقبة السفن والتحقق من حمولاتها، وإلا فإنها ستواجه اتهامات مباشرة بالمشاركة في تعميق الأزمة اليمنية·
ما يحدث اليوم من تجاهل لانتهاكات إيران ومرور سفنها دون تفتيش يُضعف الحكومة الشرعية ويقوض فرص السلام في اليمن· كما أنه يرسل رسالة خاطئة للمليشيات المسلحة بأن المجتمع الدولي غير جاد في التعامل مع الأزمات·
وفي المقابل، فإن اتخاذ إجراءات جادة وحازمة من شأنه أن يوقف هذا العبث ويعيد الأمل للشعب اليمني في تحقيق الاستقرار·
لا يمكن فصل هذه القضية عن الواقع الإنساني الذي يعيشه اليمنيون، حيث إن استمرار الصراع المدعوم خارجياً يحرم الملايين من الوصول إلى المساعدات الإنسانية ويضاعف معاناتهم اليومية·
لذلك، فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لضمان وقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين وتفعيل آليات رقابية صارمة على ميناء الحديدة، بما يضمن استخدامه فقط لتلبية الاحتياجات الإنسانية·
أي تأخير أو تقاعس في هذا الشأن يعني المزيد من الدماء والمعاناة في اليمن، وهو أمر لن يغفره التاريخ·