الحوثي في رحلة تيه بصحراء الجوف اليمنية.. موت بألف جرح

المرسى – العين الاخبارية

بين خيانة تنظيم الإخوان وقبضة مليشيات الحوثي الخانقة تتواصل في محافظة الجوف اليمنية حرب استنزاف تعتمد على تكتيك الموت بألف جرح.

وتستغل قبائل الجوف (شمالي شرق اليمن) سيطرتها على صحراء واسعة في خوض حرب استنزاف ضد عناصر مليشيات الحوثي، تعتمد أسلوب الهجمات المباغتة في كر وفر يستهدف القادة الميدانيين للانقلابيين.

وقبل أيام سقوط القيادي محمد أحمد النصرة المكنى أبوعقيل المطري، الذي تمنحه المليشيات رتبة لواء، ويشغل منصب “أركان حرب المنطقة العسكرية السادسة”.

ومنذ سلم إخوان اليمن الجوف لقمة سهلة للحوثيين في مارس/آذار 2020، لم تجد قبائل دهم التي تستوطن المحافظة سوى المقاومة عبر عمليات استنزاف طويلة لتحرير المحافظة وتكبيد المليشيات خسائر على مستوى القيادة العسكرية.

وفقدت المليشيات العشرات من قياداتها العسكريين والأمنيين خلال معارك الجوف، ما يثبت فاعلية التكتيكات التي تنتهجها القبائل الموالية للشرعية في المحافظة الشمالية.

والخميس الماضي نفّذت قبائل الجوف في مديرية المطمة عملية نجحت خلالها في القضاء على عنصرين حوثيين، هما أبوحسن أحمد جحوان وأبوهادي أحمد المتوكل، وذلك في ذروة حشود الحوثي على المحافظة.

وأجبر مقتل قيادات مليشيات الحوثي إلى الدفع بكل قوتها بما فيه ما يُسمى “كتائب التدخل السريع” ومجاميع “المنطقة السادسة” ومجاميع أخرى إلى محافظة الجوف، في مسعى لاستعراض قوتها على القبائل، إلا أن القبائل كعادتها امتصت الصدمة وشنت هجمات مضادة.

ويرى خبراء يمنيون -في تصريحات لـ”العين الإخبارية”- أن قبائل الجوف تدرك حجم آلة بطش مليشيات الحوثي، وتتجنب تكرار سيناريو القبائل الأخرى في الانتفاضات القبلية الداخلية وتلجأ لتكتيك “الكر والفر” للدفاع عن أراضيها وأبنائها ولخوض حرب استنزافية منهكة لقادة الحوثي.

المطري ليس الأول

ولم يكن مقتل القيادي العسكري الحوثي عقيل المطري حدثا طارئا في سجل القبائل، وإنما سبقته عمليات استهدفت طالت عشرات القيادات التي حصدتهم نيران الكمائن المدروسة.

ففي مارس/آذار 2023، نجحت قبائل الجوف في الإطاحة بالقيادي البارز عاقل علي صالح الأغربي الذي تمنحه المليشيات الحوثية رتبة “لواء” واسمه الحركي “العاقل”، وذلك في كمين محكم في المحافظة الواقعة على الحدود السعودية.

واعترفت مليشيات الحوثي بخسارة العاقل الذي يتحدر من مديرية بني حشيش في محافظة صنعاء، وقالت إنه كان على رأس ما يسمى “الجبهة الزراعية” في الجوف.

وفي مطلع العام الجاري، اختطفت قبائل الجوف المشرف الحوثي شاجع علي أحمد رسام مع دورية عسكرية كان يقودها ومرافقوه في أثناء وجوده في مدينة الحزم مركز المحافظة، قبل أن تجبر المليشيات على مبادلته ضمن صفقة تبادل أسرى.

وشكلت ضربات القبائل مصدر رعب لمليشيات الحوثي من تحول صحراء الجوف إلى ثقب أسود، لابتلاع قياداتها، ولهذا عمدت لحشد قوات ضخمة على مدى الأيام الماضية وإرسالها إلى الجوف في مسعى لترهيب القبائل.

ضربات نوعية

وخلال العام الماضي، وجهت قبائل الجوف ضربات مدروسة للحوثيين، حيث أطاحت بعديد القيادات، من بينهم رئيس جهاز الأمن والمخابرات في المحافظة أبوحمزة المتوكل، في ضربة أصابت عمق مليشيات الحوثي.

وشهد أبريل/نيسان 2022، أولى الضربات التي تلقتها المليشيات على يد قبائل الجوف، بعد أن نجحت في الإطاحة بإحدى قيادات مليشيات الحوثي و3 من مرافقيه.

وفي الشهر التالي من مايو/أيار في العام نفسه، نصبت قبائل الجوف كمينا محكما حصد 4 عناصر من مليشيات الحوثي بينهم قيادي تكتمت مليشيات الحوثي في الكشف عن هويته.

أما في يوليو/تموز 2022، فشهد مصرع قائد عمليات النجدة في الجوف القيادي الحوثي أبوياسر، واسمه الفعلي ضيف الله أحمد السالمي، حيث سقط قتيلا مع نجله عبدالكريم، برصاص أبناء القبائل في مركز مديرية برط العنان في المحافظة الاستراتيجية.

وبعد شهر من ذلك وتحديدا في يونيو/حزيران من العام ذاته، أطاحت قبائل الجوف في عملية نوعية برئيس جهاز الأمن والمخابرات في المحافظة يحيى عبدالرحمن محسن المتوكل المكنى “أبوحمزة” الذي تمنحه المليشيات رتبة “لواء”.

ولم يسقط المتوكل وحده، وإنما قتل بجانبه القيادي الحوثي فهد حسن محمد جحوان المكنى “وديع”، وهو أحد ضباط الأمن والمخابرات، وقتل مع شقيقه حسن الذي تمنحه المليشيات رتبة “رائد” وكان هو من يقود الدورية.

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، استهدف مسلحو القبائل دورية حوثية بقذيفة “آر بي جي”، ما أدى إلى مقتل عنصرين حوثيين بينهم قيادي ميداني وإصابة اثنين آخرين، واحتراق الدورية.

وحول هذه العمليات النوعية ضد مليشيات الحوثي، قال مصدر في قبائل دُهم لـ”العين الإخبارية”، إن قبائل الجوف تتجنب خوض الصراع مع مليشيات الحوثي، وكانت دائماً في وضع ردة الفعل دفاعا عن أبنائها وأراضيها.

وأضاف -في تعليق على حشود مليشيات الحوثي إلى الجوف- أن “قبائل دهم وكل قبائل الجوف ستدافع عن نفسها” أمام أي اعتداء حوثي غاشم، وأنها ستواصل عملياتها حتى يتم تحرير المحافظة من قبضة الانقلابيين.

عجز حوثي

ويرى الخبير العسكري اليمني وضاح العوبلي، أن على المجلس الرئاسي اليمني بدء عملية تنسيق مع قبائل الجوف للبناء على الاختراقات الأمنية في مناطق الحوثي، مشيرا إلى أن الاحتقان القبلي يمكن استثماره لتسريع وتيرة عملية التحرير.

وأكد العوبلي -في تصريحات لـ”العين الإخبارية”- أن العمليات المتتابعة ضد مليشيات الحوثي من قبل قبائل الجوف تؤكد أن روح المقاومة في حالة تنامٍ مستمر، وهي المحافظة الوحيدة التي يتكبد الحوثيون فيها خسائر شبه يومية توزعت بين قيادات عسكرية ومشرفين ومجندين.

وأضاف “الحوثيون عاجزون في الجوف، وغير قادرين على تقدير النتائج لأي عملية عسكرية ضد القبائل، بل ويدركون عدم قدرتهم على تحمل تبعاتها وانعكاساتها، ولهذا لن يكون بإمكانهم السيطرة على الموقف”.

ودعا الخبير العسكري اليمني التحالف العربي والمجلس الرئاسي إلى وضع محافظة الجوف على رأس أولوياتهم الأمنية والعسكرية في المرحلتين الراهنة والمقبلة.

وأشار إلى أن “الجوف تملك ما يؤهلها لتحتل صدارة الاهتمامات، سواء من حيث الموقع والمساحة والتضاريس أو من حيث ارتباطها الجيوأمني وتماسها المباشر مع حدود السعودية، وما يمكن أن يمثله استمرار سيطرة الحوثي عليها من تهديد مستقبلي، إذ إن طبيعتها الجغرافية تجعل منها واحدة من أخطر ممرات التهريب إلى دول الخليج”.

أما على “المستوى الوطني فلا أمان لمأرب دون تحرير الجوف، كما أن تحريرها سيهدد معقل الحوثي في صعدة، ويمكن منها عزل صعدة عن صنعاء عبر عمران، أو الانطلاق منها للتمركز على التخوم الشمالية للعاصمة، ولهذا نشدد على ضرورة النظر إلى الجوف بمنظور أمني عسكري وطني بحت”.

وأكد أن “تحرير الجوف سيقلب الطاولة، وسيتيح قائمة من الخيارات الاستراتيجية أمام راسم الخطط العسكرية، وهي خيارات ستنعكس بشكل مباشر على تغيير أجندة مفاوضات السلام، ومعها ستتغير مواقف الطرفين بناءً على المعطيات التي ستوفرها الجوف المحررة”.

وتقع الجوف على حدود 5 محافظات يمنية، حيث تشرف على محافظات عمران من الغرب، وصنعاء من الجنوب الغربي، ومأرب من الجنوب، وحضرموت من الشرق، وصعدة من الشمال، أما في الشمال الشرقي فهناك الحدود السعودية وصحراء الربع الخالي.

Exit mobile version