المرسى – نيوزيمن
ألقى الإعلان الأخير من مدينة صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، حول طباعة كتابين شعريين للراحل عبد الله البردوني؛ بظلاله على المشهد الثقافي.
وترك الإعلان أسئلة عدة حول توقيت الإعلان والطباعة والمحتوى، بعد 22 عامًا من الصمت.
الأمر بدأ مع الشاعر القعود أحد الذين عايشوا الراحل، عندما أفصح عن طباعة كتاب “مذكراتي وذكرياتي” للبردوني، تحت إشرافه وبموافقة من أقرباء الراحل ومنتدى البردوني الثقافي.
وأكد القعود أن هناك مفاجآت أخرى وأن هذه المذكرات مأخوذة عن المخطوطات الأصلية والرسمية وما دون ذلك تزوير.
بعدها بيومين وفيما يشبه المؤتمر الصحفي الذي لم يعلن عنه بشكل رسمي في “بيت الثقافة” بصنعاء، تم الإفصاح عما أسموه “إطلاق مشروع طباعة الديوانين”.
وعُزي الإعلان المفاجئ إلى مخاوف أمنية نظرًا لحضور محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الموالي لذراع إيران، أو لأسباب أخرى يجهلها العديد من الذين تفاجأوا بالخبر.
قدم فعالية الإعلان عن طباعة ديواني “رحلة ابن شاب قرناها” و”العشق على مرافئ القمر” الأدباء: عبدالرحمن مراد، محمد القعود، جميل مفرح، عبد القوي محب، محمد البردوني، وسط حضور محدود وفي توقيت مفاجئ.
الأمر أثار استياء شريحة واسعة من المثقفين والأدباء والكتاب والأكاديميين والنقاد وحتى الناشطين؛ حيث وأنه لم يتم الكشف عن تفاصيل كثيرة ما تزال محل جدل.
آراء وتساؤلات جديرة
د. عبدالله صلاح من جامعة ذمار أوضح أن الإعلان عن نشر اثنين من دواوين البردوني دون الإشارة لمصدر الحصول عليهما، أو بيان كيفية العثور عليهما، ليس فعلاً محموداً.
وأكد بقوله “إن الإشارة إلى المصدر واجب وطني وأدبي وأخلاقي، وذلك لمعرفة من يقف وراء اختفاء أعمال البردوني، التي أشار إليها في أحد كتبه”.
وبيّن أن الذي أظهر الديوانين يتحمل مسؤولية كشف ما تبقى من أعمال مفقودة، منها ديوان شعري بعنوان: (أبطال منتصف الليل)، وكتاب في الأدب اليمني بعنوان: (الجديد والمتجدد في الأدب اليمني).
إضافة إلى كتاب آخر يختص بتقويم الشخصيات التاريخية اليمنية، بعنوان: (رجال ومواقف.. دراسة تقويمية لشخصيات يمنية من خلال المواقف المتقابلة والمتناقضة).
وختم الدكتور عبدالله صلاح بقوله، إن هذه الكتب المفقودة على صلة وثيقة بأدب اليمن وثقافته وشؤونه المختلفة، ومؤلفها ليس هينًا، إنه علم من أعلام المعرفة والفكر والسياسة والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع، وأحد شهود مرحلة التاريخ الحديث في اليمن ونقاده.
وأشار إلى أن هذه الكتب تضم في صفحاتها شيئا مهما للغاية، قد يكشف زوايا متعددة من زوايا الأدب والسياسة والتاريخ المطوية أو الغامضة في اليمن؛ ولذا ليس من اللائق التعتيم أو التقصير تجاه كتب البردوني، سواء التي تم العثور عليها، أم التي ما تزال مفقودة.
عمران الحمادي، قاص وكاتب، كتب على صفحته في فيس بوك: “فقط في اليمن يتم عمل مؤتمر صحفي لا يعلم أي شيء عنه إلا بعد حدوثه، وهذا يشبه لعبة (الغميضة) التي كنا نلعبها في الصغر ولا يزال يلعبها الأطفال حتى اللحظة. فهي لعبة مسلية ومضيعة للفراغ، يختبئ فيها الجميع باستثناء واحد تدور مهمته بالبحث عن أماكن اختبائهم لحين رؤية أحدهم فيقول له “مكشوف!”.
وأضاف. ليتهم استمروا “مختبئين” فلقد اكتشفوا ومعهم ضع أي احتمال على البال، لأنهم جعلوا من أنفسهم بمكان غير لائق بهم والأبشع في هذه أنهم كشفوا عن أنفسهم بأياديهم دون استخدام شرط “الغميضة”.
د. قايد غيلان. جامعة صنعاء. كان له رأي مختلف حيث كتب قائلا: “السلطات لا تخشى الشِّعر، وخاصة في صورته المعاصرة، فهو بغموضه لا يكشف مستوراً ولا يحرِّك جمهورًا، ولهذا أَستبعِدُ تماماً أن يكون وراء إخفاء ديواني البردوني سببٌ سياسي، ولا أظنها إلا أسباباً شخصية، تهدف إلى المتاجرة بتراث الرجل واحتكار منافعها المادية والمعنوية لحسابها الخاص”.
ثم ختم بقوله. “أُخفِـيَ ديوانان للبردوني بصورة غامضة، ثم أُعلِن عن ظهورهما بصورة أكثر غموضاً، مَن أخفاهما ولماذا، ومن أخرجهما من مخبئهما، وكيف؟!”.
استدراك وصراع
الجدير بالذكر أن هناك صراعا خفيا وآخر ظاهرا بين الورثة من جهة، وبين الأدباء والنقاد فيما بينهم؛ ممن حاول الاقتراب من هذا التراث بالدراسة والنشر.
هذا الصراع أظهر البردوني على أنه احتكار على البعض دون آخرين، وأظهر قيمته التي يحاول استغلالها البعض للظهور على أنه الوصي الوحيد، وفي كل الحالات تحوم الشكوك حول هذا الإرث الأدبي والثقافي، ومدى مصداقية ما سيتم نشره بعد 22 عاما، ومن يضمن أنه بعيد عن أي تزوير أو إضافة.