شكل نجاح وصول مسبار الأمل إلى مداره حول كوكب المريخ، علامة فارقة في مسيرة الإنجازات الحضارية التي حققتها دولة الإمارات.
كما شكل إضافة نوعية تؤكد سبق الريادة العلمية للعرب والمسلمين في مجالات علوم الفلك، والرياضيات، والطب، والهندسة، والملاحة، والكيمياء وغيرها.
ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، عبر مرسوم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، أطلق عليه اسم “مسبار الأمل” لتكون الإمارات واحدة من بين عدة دول تطمح لاستكشاف هذا الكوكب.
وينسب هذا الإنجاز القومي الكبير إلى الأمة العربية والإسلامية قاطبة، للإنجاز العلمي الفضائي الكبير الذي تمكنت دولة الإمارات من تحقيقه في غزوها للمريخ برحلة مسبار الأمل، مستحضرة مكانة وأهمية هذا التراث العلمي العربي الكبير، وليس هذا فحسب بل ومسجلة مكانها العالمي المتقدم جدا في هذا الإنجاز كخامس دولة على المستوى العالمي، وفقا لوكالة أنباء الإمارات “وام”.
ويأتي إطلاق المسبار بنجاح لاستكشاف كوكب المريخ ثمرة لما حققته الإمارات في مجال دعم وتطوير قطاع التعليم والبحث العلمي في دولة الإمارات، حيث وفرت القيادة الرشيدة مختلف الأدوات والإمكانات لتأسيس أجيال مؤثرة في مجتمعها، ومساهمة في جهود البحث العلمي العالمية.
وتقف صالة ابن الهيثم للعلوم والتكنولوجيا، في متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، المنضوي تحت مظلة هيئة الشارقة للمتاحف، شاهدة على إنجازات العلماء المسلمين وحضورهم الفاعل في تاريخ الحضارة الإنسانية، والتي انضم إليها حديثا مسبار الأمل، حيث أكدت أنه يشكل علامة فارقة في مسيرة الإنجازات الحضارية للإمارات والعرب والمسلمين.
وتروي العديد من النماذج والمجسمات، التي تضمها الصالة حكايات أبرز الاكتشافات البشرية، حيث كان للعرب والمسلمين ميزة السبق والتفوق إذ قدموا للبشرية نظريات واختراعات في مختلف العلوم.
وتأتي أهمية الصالة من واقع كونها منصة تعرف الزوار ومرتادي المتحف بالدور المحوري الذي لعبه العلماء العرب والمسلمين في رفد التاريخ البشري، والتأسيس لتطور مجالات العلوم المختلفة، حيث تحتوي على عدد كبير من المجسمات والنظريات.
وتترجم محتويات الصالة ونماذج اختراعات لعلماء مسلمين، مسيرة تطور علوم الفلك الإسلامي، الذي ازدهر ما بين القرنين الثاني والثامن الهجريين (الثامن والرابـع عشـر الميلاديين)، حيث برع العلماء المسلمين في منطقة الشــرق الأوســط وشمال أفريقيا والأندلس فـي مجــال الفلك، ووضعوا أساسا لهذا العلــم الذي تــرك بصمــة دائمــة علــى اللغــة العلميــة، التي ما تزال تستخدم مفردات أصلها عربي.
وتستعرض الصالة عدداً من المجسمات التي تعتبر نماذج طبق الأصل عن اختراعات تكشف سـعة معرفة أولئك العلماء الذين وضعوا أسس الطـب الحديـث، ووفروا للبشرية جمعاء خدمة كبيرة من خلال شروحهم الشاملة، ونظرياتهم العلمية حول الآلية التي يعمل بها جسم الإنسان، كما تمكنوا من تقديم وصف دقيق لوظائف الأعضاء كالدورة الدموية بالإضافة إلى التقدم الذي حققوه في مجالات الجراحة، والصيدلة، والعظام، والعيون، والرعاية الاجتماعية.
وتقدم الصالة أحد أقدم علوم الرياضيات متمثلاً في علم الهندسة، الذي نقله علماء الرياضيات المسلمين عن اليونانيين والهنود، واسـتحدثوا فيه نظريات جديدة وأنظمة حسابية مهمـة تستخدم حتى اليوم.
وقد أدى هذا العمل دوراً بالغ الأهمية فـي تطـور علـوم الفلـك، وفـن رسم الخرائط، والعمـارة، والهندسة والفنون، كما وظف العلماء المسلمون من خلال الهندسة المبتكرة، المعرفة المدفوعة بوازع ديني، لوضع حلول علمية تساهم في توفير حياة طبيعية للإنسان، فتمكنوا من صناعة أجهزة الري، والطهي، والأقفال المتطورة بشفرات تصل إلى 12 رقماً، فضلاً عن النوافير التي صممها العلماء عطفاً على فهم علم السوائل المتحركة.
وفي علم الملاحة، تستعرض الصالة نماذج تكشف تفوق العلماء المسلمين وقدرتهم في تحديد مساراتهم من خلال النجوم، فقدموا للبشرية اختراعات وأدوات تتيح لهم الإبحار فـي عـرض المحيطـات الهائجـة، ومـن ثـم العـودة بأمـان إلـى سـواحله، وقد استفاد الأوروبيون من براعة المسلمين في هذا المجال حيث قلدوهم في تركيب اشرعة لسفنهم مما كان له أثر كبير في حركة التجارة البحرية.
ومن العلماء المسلمين الذين أثروا علوم الطب يبرز الحسن أبو علي ابن الحسن ابن الهيثم كواحد من أبرز العلماء في علم البصريات، حيث كان عالم رياضيات وفلك وفيزياء وكيمياء، وأسس كتابـه فـي البصريات “المناظـر” لدراسة علم الضوء، وبحث في طبيعــة الضوء، والانعكاس والانكسار، ووصف فيزيولوجيا الإبصار وآليته، وبنية العين وتشـريحها، كمـا درس العدسـات بتجريب المرايـا المختلفـة، واستخدم الرياضيـات بكثافة لدراســة الظواهــر الضوئيــة، وهــو أول من شـرّح العين تـشريحاً كاملاً وبيّن وظائف أعضائها، وهــو كذلك أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار، كما أورد كتابه “المناظر” معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، وما تزال تعرف باسم مسألة ابن الهيثم.
واشتهر العالم الإسلامي بتطور الطب والرعاية الصحية، حيث انتشرت في ربوعه المستشفيات المتطورة، ومن بينها مستشفى قلاوون في القاهرة، الذي يعتبر من أشهر وأهم المستشفيات في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مستشفى نور الدين، في دمشق الذي بناه الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عام 549هـ 1154م، واشترط في وقفـه أن يكون مخصصاً للفقراء والمساكين، وتحول لاحقاً ليصبح أحد أشهر المشافي ومدارس الطب والصيدلة في البلاد الإسلامية، وقـد كان الأطـباء يفدون إليه مـن كل العالم، وتعلم فيه كبار الأطباء، مثل ابن سينا والزهراوي.
واعتبرت الحضارة الإسلامية المعارف والتعلم من أساسيات التقدم والتطور، فحرصت على الاهتمام بإنشاء الجامعات التي تقدم للطلاب فرصة دراسة العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى في مختلف المجالات، وتقدم الصالة مجسماً للمدرسة المستنصرية في بغداد، التي بنيت سنة 625هــ/ 1227م، وهي من أقدم الجامعات الإسلامية في العراق وقد نجت هذه المدرسة من التدمير المغولي عام 655 هــ/ 1258م أما اليوم، فتعد جزءاً من متحف الثقافة والفن الإسلامي.