نار الحوثيين تلتهم حلفاءهم من المشايخ بعد استنفاد خدماتهم
المرسى – عدن
اعتمدت الإمامة على شيوخ القبائل أداة لتثبيت حكمها وفرض هيمنتها الجائرة على شمال اليمن لما يزيد عن قرن من الزمان، وهو ما فعله الإماميون الجدد “الحوثيون” بعد أن استخدمتهم لاستكمال انقلابها وتمكينها من السيطرة والاستيلاء على السلطة بصنعاء في 21 سبتمبر 2014.
ومنذ بدء الحرب استخدمت مليشيا الحوثي الايرانية وسائل الترغيب والترهيب مع وجهاء وشيوخ القبائل لدفعهم إلى التحشيد لصالحها وإرسال أبناء القبائل والزج بهم في معاركها العبثية، وصولا الى اذلالهم والتنكيل بهم واخذهم كرهائن وايداعهم في سجونها وتصفية العديد منهم كمكافأة لهم عند انتهاء خدمتهم لها كـ”كروت محروقة” كما كانت تفعل الإمامة قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وارتكبت مليشيا طهران الحوثية سلسلة من الاعتداءات والانتهاكات والجرائم خلال الثماني السنوات الماضية بحق عدد من الوجاهات وشيوخ القبائل الذين أيدوها منذ وقت مبكر، وساندوا مقاتليها في القتال خلال الحروب الست بصعدة، وكذا في الحروب التي وقعت بدءاً بدماج ومحافظة عمران وصولا ليوم الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014 وخلال فترة اجتياح المليشيات المدن وتمكنها من السيطرة على صنعاء والمناطق المتبقية من محافظات شمال اليمن.
وفي احدث جرائمها بحق المشايخ القبليين الموالين لها، اقدمت يوم الثلاثاء 11 اكتوبر الجاري، على تصفية الشيخ القبلي عادل شبيح، احد ابرز مشايخ صرف مديرية بني حشيش بأوامر من القيادي أبو علي الحاكم، أثناء مروره في شارع مأرب تقاطع شارع زايد بصنعاء على خلفية رفضه محاولات قيادات حوثية للاستحواذ على أراض تابعة له ولأهالي المنطقة، وقبلها بأشهر خلال العام المنصرم، قتلت الجماعة احد المشايخ الذي يعد احد قياداتها في مديرية بني حشيش وهو “أبو فضل يحيى منير الحنمي” في ظل ظروف وملابسات غامضة.
وفي 21 سبتمبر الماضي، اختطفت مليشيا الحوثي ثمانية من مشايخ بني الحارث، وأودعتهم السجن المركزي بصنعاء، وهم “الشيخ سلطان محمد الأوزري، والشيخ أيوب أحمد ناصر دهرة، والشيخ حسين يحيى حمود دغيش، والشيخ محمد ناجي جمعان الجدري، والشيخ عادل أحمد الحنبصي، والشيخ علي مقبل الحنبصي، والشيخ حزام الراعي، والشيخ عبد الله الدربوح”.
وبحسب مصادر قبلية حاول القيادي محمد علي الحوثي بصفته رئيس ما تسمى “المنظومة العدلية” التدخل في قضية قتل وعدم تحويلها إلى القضاء وعند رفض شيوخ بني الحارث لتدخل “اللجنة العدلية” أمر الحوثي بسجنهم صباح الأربعاء وأفرج عنهم مساء اليوم ذاته بعد دعوة مشايخ بني الحارث لنكف قبلي مسلح لأبناء القبيلة.
وفي اليوم التالي، 22 سبتمبر الماضي، قدم القيادي البارز في الجماعة محمد علي الحوثي محكما لمشايخ بني الحارث في ساحة تجمع القبيلة فطلبوا منه إيقاف نفسه طوعا في السجن المركزي”، وتقتضي الأعراف القبلية تنفيذ قرارات المحكمين مهما كانت وهو ما لم ينفذه الحوثي.
وامعنت المليشيات في إهانة واذلال الوجهاء والشيوخ القبليين الذين ساندوا انقلابها المسلح على الشرعية حين تنتهي من قضاء حاجتها بهم كما فعلت بأحد أبرز مشايخ أرحب الموالي لها والذي سهل إسقاطها بيد الجماعة، وهو الشيخ علي حزام أبو نشطان والذي قتل عقب مداهمة عناصر حوثية منزله في فبراير 2021م واطلق الرصاص عليه مما أسفر عن مقتله مع ثلاثة من أولاده وشقيقته، كما قام القيادي المليشاوي ابو علي الحاكم بالتنيكل بالشيخ مجاهد القهالي وزير شؤون المغتربين السابق عقب اقتحام منزله وصفعه امام أسرته في سبتمبر 2018 ثم قامت المليشيا بعد ذلك بتحكيمه قبليا واعلان ذلك عبر وسائل اعلامها وبث صورة تذكارية له مع قيادات الجماعة داخل منزله في اصرار متعمد لإهانته.
وفي فبراير العام الفائت، قامت مليشيا ايران الحوثية بتصفية الشيخ مهلهل أحمد حسن ضبعان احد مشايخ بلاد الروس والذي يعد احد حلفائها ومن تعاونوا معها في المديرية الكائنة جنوب صنعاء.
ومن بين الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الحوثية هي تصفية حلفائها ومن عبدوا لها الطريق لدخول محافظة عمران والسيطرة على صنعاء حيث قامت باغتيال الشيخ مصلح الوروري، ونجله، في مديرية قفلة عذر بعمران، بعد عامين من تصفيتهم لشقيقه الشيخ سلطان الوروري، وتركه على قارعة الطريق في يونيو 2019 والذين يعدون من ابرز القيادات القبلية التابعة لمليشيا الحوثي، والداعمين لها ماليًا في محافظة عمران.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فلجأت ذراع إيران الى استغلال الخلافات البينية على النفوذ والجبايات والمناصب لتصفية بعض الشيوخ القبليين الموالين لها التي تريد الخلاص منهم حيث نجحت في قٌتل محمد الشتوي أحد شيوخ محافظة عمران على يد القيادي الحوثي مجاهد قشيرة وهو أحد قياداتها من أبناء مديرية ريدة بمحافظة عمران، ولم يمر على الحادثة من الوقت كثيراً حتى لقي مجاهد قشيرة حتفه في 21 يوليو 2019 برصاص عناصر تابعة للجماعة إثر اشتباكات دامية أودت بحياة عناصر من الجانبين، ولم تكتف بذلك بل قامت بالتمثيل بجثته من خلال سحلها وتصويرها وبثها على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل اعلامها، كما فجرت منزله، بتهمة النفاق رغم أنه من الموالين لها ومن الذين شاركوا في اقتحام وإسقاط محافظة عمران.
واستكمالا لعمليات التصفية لوجهاء وشيوخ قبليين من حلفائها المخلصين بعد اختلافهم معها، اقدمت المليشيا على اعدام الشيخ علي بن علي القوزي الأمين العام للمجلس المحلي بمحافظة الحديدة وشيخ مشايخ قبائل صليل، مع تسعة من ابناء تهامة في منتصف سبتمبر/ أيلول العام الفائت بعد تلفيقها لهم تهمة الاشتراك في عملية مقتل الصريع صالح الصماد، وتمكنت مليشيا الحوثي من الخلاص من القيادي عبد القادر سفيان في مواجهات مع مسلحين تابعين لها في محافظة إب خلال شهر مايو 2019، كما اغتالت الشيخ أحمد السكني عضو المجلس المحلي بمديرية ريدة في محافظة عمران، على يد المشرف الأمني للحوثيين في منطقة صرف شرق صنعاء أبو ناجي المأربي في مطلع شهر ابريل نفس العام.
وتصاعدت مؤخرا ممارسات مليشيا الحوثي وانتهاكاتها واعتداءاتها وحملات اختطافها بحق الوجاهات وشيوخ القبائل غير المتفاعلين في خدمتها ولا يقومون بتحشيد المواطنين في فعالياتها ولا يجندون ابناء القبائل بهدف ارسالهم للقتال في صفوفها وتعمد على مصادرة أراض واسعة تابعة لهم بذرائع واهية وإرغامهم على دفع ما يُسمى “الخُمس” عن أملاكهم، وتلقي عليهم تهم الخيانة والعمالة مع من اسمته “العدوان” في اشارة الى التحالف العربي، علاوة على تأجيج الثارات والنزاعات بين القبائل بهدف اضعفها وفكفكة ترابطها مجتمعيا في اعتقاد بان ذلك يحمي كيان الجماعة.
ويرى مراقبون، ان ما يحدث من استهداف ممنهج ومنظم للوجاهات وشيوخ القبائل ناجم عن مخاوف حوثية من القبائل اليمنية كونها كانت وما زالت سلاحا ذو حدين حيث كانت اداة الامامة من أسرة “حميد الدين المتوكلية” الى أسرة “بدر الدين الحوثية” ومخزونها البشري في اخضاع اليمنيين وتثبيت الحكم، وكانت لها دور مشهود مساند لقيام الثورة والجمهورية واسقاط النظام الإمامي البائد وهو ما يدفع الحوثي لاستهداف رموزها ومشايخها واعتبارهم تهديدا لكيانه يجب تفكيكه واضعافه وتصفيته.
وأضافوا إن الميليشيات الحوثية عملت وفق خطة مدروسة ومرسومة منذ انقلابها وسيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 تتمثل بتصفية والتخلص من الشيوخ والوجاهات القبلية القديمة التي ساندتها لتتيح المجال لظهور وبروز قياداتها الشابة التي جرى تأهيلها لتدين لها بالولاء والمؤدلجة والمشبعة عقائديا بنهجها الطائفي تفاديا لأحتمالية قيادة المشايخ القدماء لاي تحرك قبلي وشعبي ضدها، ولضمان اخلاص القيادات الجديدة وولائها لزعيمها عبدالملك الحوثي ولاستكمال نفوذها والتمكين في المناطق الخاضعة لها.
وأشاروا إلى أن إصرار مليشيا إيران الحوثية على إهانة واذلال وجهاء وزعماء القبائل في اوساط رعاياهم من ابناء القبائل بهدف اسقاط مكانتهم وقيمتهم الاعتبارية والمجتمعية والقبلية لصالح قياداتها الناشئة التي تعززها بالنفوذ والمال لكسب ولاءات أبناء القبائل بغية استخدامهم لتنفيذ اجندتها وتحقيق اهدافها القذرة.