النفط قد يصل لـ500 دولار.. سيناريوهات كارثية تنتظر أسواق الطاقة
المرسى – تقارير
تنفلت قيود أسعار الطاقة سريعاً منذ بداية العام الجاري، فبعد أكثر من شهر على بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وصلت أسعار النفط إلى نطاق الـ120 دولاراً، فيما قفزت أسعار الغاز لما يزيد عن 10 أضعاف سعره السنة الماضية.
وتتجه أسعار الطاقة نحو مزيد من الارتفاع في ظل المساعي الأوروبية لحظر الطاقة الروسية والتوقف عن الاعتماد عليها بشكل تدريجي، ضمن جداول زمنية وضعته بعض الدول مثل بريطانيا وألمانيا، وتعتزم دول أخرى إعلانها قريباً، في محاولة جادة لحصار موسكو اقتصادياً.
لعل ما يزيد الأزمة تفاقماً تكثيف جماعة الحوثيين المتمردة في اليمن من هجماتها على المنشآت النفطية في الأراضي السعودية، وإعلان الرياض عدم مسؤوليتها عن أي توقف لإمدادات النفط الخام جراء هذه الهجمات.
البداية من حرب روسيا
بدأت هذه المؤشرات كلها فور اندلاع شرارة الحرب الروسية ضد جارتها الغربية أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، لترتفع حينها أسعار النفط الخام متجاوزة الـ100 دولار لأول مرة منذ العام 2014.
وبعد ذلك واصلت أسعار النفط الارتفاع تدريجياً لتصل إلى 139 دولاراً للبرميل، ليكون هذا الرقم أعلى مستوى منذ العام 2008، ونتج ذلك عن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية حظر صادرات الطاقة الروسية.
وخلال الأسبوع الأخير، تحرك سعر التداولات الآجلة لخام برنت صعوداً وهبوطاً حول مستوى 120 دولاراً للبرميل، قبل أن يغلق الجمعة على 120.65 دولاراً.
وهذا الرقم مرشح للارتفاع فالتطورات المرتبطة بالعقوبات الغربية ضد روسيا ما زالت متواصلة وهجمات الحوثيين ضد السعودية لم تتوقف.
حظر الطاقة الروسية
ولعل من أبرز التطورات التي شهدها العالم خلال الأيام الماضية، إعلان بريطانيا، في 8 مارس الجاري، اعتزامها وقف واردات النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية بحلول نهاية العام 2022.
وفي بيان الجمعة 25 مارس الجاري، قالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنها قررت تخفيض اعتماد البلاد على موارد الطاقة الروسية بشكل حاد وسريع باستغنائها عن واردات الفحم بحلول الخريف، والنفط بحلول نهاية العام.
وفي اليوم ذاته، أعلنَت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيلَ فريق عمل للحد من اعتماد أوروبا على الوقود الروسي.
وتهدف المبادرة التي أعلَنها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، في مؤتمر صحفي ببروكسل، إلى إمداد واشنطن للدول الأوروبية بـ15 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي المسال هذا العام.
وحسب الاتفاق الأوروبي الأمريكي، فإن الاتحاد الأوروبي سيزيد الواردات من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى 50 مليار متر مكعب في السنة على المدى الأطول.
اليابان كذلك أعلنت وقف استيراد النفط الخام من روسيا بمجرد انتهاء العقود الحالية، حسب بيان لمصفاتي النفط الرئيستين في البلاد صدر في 24 مارس الجاري.
الهجمات الحوثية
كما أعلنت السعودية للمرة الثانية توالياً خلال أسبوع واحد فقط، أنها لن تتحمل المسؤولية عن نقص إمدادات النفط في الأسواق العالمية الناجم عن هجمات الحوثيين على منشآتها النفطية.
وجاء الإعلان السعودي على لسان مصدر مسؤول في وزارة الطاقة بالمملكة نقلته وكالة الأنباء الرسمية (واس)، في أعقاب هجوم جديد للحوثيين على منشآت تابعة لشركة “أرامكو” عملاق النفط العالمي.
وذكر المصدر أن محطتين لتوزيع المنتجات البترولية في جدة وجازان تعرضتا لهجمات بالصواريخ، الجمعة 25 مارس 2022.
وكانت وكالة الأنباء السعودية قد نقلت، الاثنين 21 مارس 2022، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية قوله إن الهجمات التي تتعرض لها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما من قبل الحوثيين تترتب عليها آثار وخيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير، وسيفضي ذلك إلى التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، الأمر الذي يهدد أمن واستقرار إمدادات الطاقة.
واستناداً لهذه المعطيات فإن أسواق الطاقة الدولية تواجه تهديداً بوقف إمدادات الطاقة الروسية والسعودية في وقت واحد.
%20 من نفط العالم
وعند استعراض بيانات الطاقة الروسية والسعودية يمكن الاستنتاج أنه في حال توقفت هذه الإمدادات ستشهد أسواق الطاقة أعلى موجة صعود في تاريخها.
فروسيا تعد ثالث أكبر بلد منتج للنفط في العالم، بعد الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
ومن بين 11 مليون برميل من النفط الخام تنتجها روسيا يومياً تصدر ما يزيد عن 5 ملايين برميل، أكثر من 60% منها تذهب لأوروبا.
ويشار إلى أن أوروبا تستورد نحو 40٪ من غازها الطبيعي من روسيا.
وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي والفحم والنفط القادمة من روسيا نحو 17 مليار يورو (نحو 18.7 مليار دولار) منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي.
ووفق بيانات مركز أبحاث الطاقة والهواء النقي في أوروبا، فإن هذا الرقم سجل منذ 24 فبراير وحتى 21 مارس الجاري.
وشكل الغاز الطبيعي المسال نحو 10.6 مليارات يورو، والنفط نحو 5.7 مليارات يورو، والفحم 435 مليون يورو.
وخلال الفترة المذكورة بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي والفحم والنفط من روسيا ما يقرب من 680 مليون يورو يومياً.
أما السعودية فهي تملك ثاني أكبر احتياطي مؤكد للنفط بالعالم بأكثر من 270 مليار برميل، وتشكل احتياطاتها 17.3% من الإجمالي.
كما تعتبر السعودية ثالث أكبر منتج للنفط الخام بالعالم بمتوسط يومي 10.2 ملايين برميل، وأكبر مصدر له بمتوسط 6.9 ملايين برميل يومياً، وتلبي الرياض 10.7% من الطلب اليومي على الخام عالمياً، وفق المصدر ذاته.
وبناء على ذلك يمكن الاستنتاج أن السعودية وروسيا تلبيان نحو 20% من الطلب اليومي على النفط الخام عالمياً، وتوقف هذه الإمدادات أو تعطل جزء منها سيشكل بالتأكيد صدمة قوية لأسواق الطاقة.
5 سنوات لتعويض الطاقة الروسية
وفي تقرير مشترك لبنكي جيه بي مورجان الأمريكي وبنك أوف أميركا، صدر الجمعة 25 مارس 2022، توقع أن تصل أسعار برميل النفط ما بين الـ180 إلى 250 دولاراً للبرميل في حال الاستغناء عن جزء من النفط الروسي.
ورأى التقرير أن أوروبا سيكون أمامها 5 سنوات على الأقل لتعويض وقف إمدادات النفط والغاز الروسي.
وفي توقعات أكثر تشاؤماً توقع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، في تصريحات صحفية له في 21 مارس الجاري، أن تصل أسعار النفط لـ300 أو 500 دولار للبرميل في حال توقفت الدول الغربية عن شراء الخام من موسكو.
ولكن هل بالفعل تستطيع أوروبا التخلي عن مصادر الطاقة الروسية؟ يرد محلل سياسات الطاقة الأمريكي بين مكويليامز، في تصريحات لقناة “بي بي سي” البريطانية قائلاً: “سيكون من الأيسر العثور على بدائل للنفط منها للغاز”.
وأضاف مكويليامز: “قد ترتفع أسعار غاز التدفئة المرتفعة أصلاً بشكل كبير في حال توقفت إمدادات الغاز الروسي ولو جزئياً”.
ورأى أنه إذا نضب هذا المصدر فستجد ألمانيا وإيطاليا (أكبر مستوردي الغاز الروسي) نفسيهما في وضع صعب للغاية.
فجوة بالإمدادات الدولية
وفي قراءته لمستقبل أسواق الطاقة وأسعار النفط لا يستبعد الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، أن تتجاوز أسعار النفط كل التوقعات في حال تم الاستغناء عن الطاقة الروسية أو توقفت الإمدادات السعودية.
وأضاف سيف الدين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “الاستغناء عن الغاز والنفط الروسي سيقود لفجوة كبيرة في الإمدادات، ومن ثم ارتفاع هائل في الأسعار، فمن غير المستبعد أن تزيد أسعار النفط حينها عن 200 أو 300 دولار، وأن تتضاعف أسعار الغاز عدة مرات عن سعرها بالوقت الحالي”.
وتابع: “من العسير استبدال الغاز الروسي لأن أوروبا تعتمد عليه بشكل حيوي، وستقع بأزمة طاقة ضخمة حال حدث ذلك”.
أما حال تعطلت إمدادات النفط السعودي إلى العالم بسبب الهجمات الحوثية المتواصلة مثلما حدث بالعام 2019، فإن أسعار النفط ربما تتجاوز الـ300 دولار وصولاً إلى 400 و500 دولار؛ لأنها ستكون بذلك فقدت 20% من إيراداتها من النفط السعودي والروسي في وقت واحد، حسب الخبير الاقتصادي.
لكن سيف الدين استبعد أن تسمح السعودية بوقف إمداداتها من النفط الخام، إضافة إلى أنه سيكون هناك ضغوط دولية قوية على الحوثيين لوقف هجماتهم.
ورأى أن” أوروبا لن تستطيع في الوقت الحالي الاستغناء عن الطاقة الروسية خاصة الغاز، لذلك كل ما يحدث هو من قبيل الضغط على موسكو”.