أسرار سويسرية”: خبايا حسابات القمش.. “الصندوق الأسود” وعميل “الترحيل السري
كشف تحقيق استقصائي جديد لمشروع “أسرار سويسرية*” نحو 40 حساباً في بنك “كريدي سويس” مملوكة لأكثر من 12 شخصية استخباراتية من جميع أنحاء العالم.
جميعهم متورطين بقضايا فساد. بينهم رجل الاستخبارات اليمني اللواء غالب القمش.
إلى جانب القمش، تظهر البيانات ثلاثة مديرين لأجهزة مخابرات هم: الأردني المشير عمر خير، والمصري عمر سليمان والباكستاني الجنرال أخطر عبد الرحمن.
يعرض هذا التحقيق الذي أعدته “منظمة تعقب الفساد المنظم والجريمة العابرة للحدود OCCRP”. بالتعاون مع “صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية” حالة التشابه التي شهدتها مسيرتهم المهنية.
يقول التحقيق، إنه “منذ أواخر سبعينات القرن الماضي بدءً من الحرب في أفغانستان إلى ما بعد الحرب على الإرهاب في 11 أيلول/ سبتمبر 2000، اعتمدت استراتيجية حرب الظل الأميركية على شخصيات استخباراتية بارزة من أنظمة متهمة بالفساد والتعذيب.
القاسم المشترك بين عدد من هؤلاء الرجال وعائلاتهم هي العلاقات مع بنك “كريدي سويس”.
يذكر التحقيق، أنه توصل لهذه المعلومات من مجموعة ضخمة من البيانات المصرفية المسربة الخاصة ببنك “كريدي سويس”. وتغطي البيانات المصرفية لهذا البنك من الأربعينات حتى نهاية العقد الماضي.
كما يوضح، أن مصدرا غير معروف منح هذه المعلومات لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” التي شاركتها مع “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP.ORG و46 مؤسسة إعلامية شريكة في المشروع.
يقول المصدر، الذي سرب المعلومات، “أعتقد أن قوانين حماية السرية المصرفية في سويسرا غير أخلاقية.
استخدام ذريعة حماية الخصوصية المالية هو مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاون مع المتهربين من الضرائب. كما يسمح هذا الوضع بالفساد ويحرم البلدان النامية من الإيرادات الضريبية التي تشتد الحاجة إليها”.
كما يشير التقرير، إلى إدارة اللواء القمش والثلاثة الآخرين، “أجهزة وكانت تحت سيطرتهم موازنات “سود” ضخمة كانت خارج إطار رقابة السلطات التشريعية والتنفيذية. وأن هذه الشخصيات جميعاً أو أعضاء من أسرها، امتلكوا حسابات شخصية بمبالغ كبيرة من دون مصادر واضحة لتفسير الثراء”.
كما يفيد التحقيق، الذي نشر أيضا في منصة “درج” أنه “في وقت من الأوقات، عمل الأربعة مع جهاز الاستخبارات الأميركي “سي أي ايه”. وارتبطت أسماؤهم بصراعات سياسية بدأت مع تدخل الاستخبارات الأميركية في أفغانستان بداية عام 1970، مروراً بحرب الخليج الأولى عام 1990، وما سمي بعدها بـ “الحروب اللامتناهية” التي سادت أفغانستان والعراق منذ 2001.
ويبيّن التحقيق، أن “غالب القمش وسليمان والمشير خير، كانوا يديرون مؤسسات عرف عنها أنها انخرطت في التعذيب. وأن ثمانية من أفراد أسرهم كانت لهم أيضاً حسابات في كريدي سويس”.
وينوه التحقيق، إلى رفض بنك “كريدي سويس” التعليق، متذرعاً بالسرية المصرفية التي يوفرها القانون. لكن أحد المديرين التنفيذيين السابقين في البنك قال لـOCCRP وشركائه، “في حالة رئيس جهاز استخبارات مثل سعد خير (الأردني)، فإن فتح حساب كهذا هو علامة حمراء ولن تقبله بنوك كثيرة في سويسرا، لكن بنك كريدي سويس سيفعل ذلك.
غالب القمش: “الصندوق الأسود”
يذكر التحقيق، أنه “بينما كانت وكالة الاستخبارات المركزية والجنرال أخطر يتعاونان في أفغانستان، بدأ اليمني غالب القمش صعوده المهني”.
ويضيف: “بحلول عام 1980، ترأس اللواء القمش جهاز الأمن الوطني اليمني، المعروف باسم جهاز الأمن السياسي. وكما كان يفعل الجنرال أخطر في باكستان، فقد نسق اللواء القمش عملية تجنيد اليمنيين الجهاديين في الحرب الأفغانية ضد السوفيات”.
ويتابع: “كانت شخصية اللواء القمش تطغى على جهاز الأمن اليمني لعقود، كمنفذ رئيسي للمهمات المطلوبة من الرئيس القوي علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد من عام 1978 إلى عام 2012. عندما قصفت القاعدة المدمرة الأميركية “يو أس أس كول” ميناء عدن اليمني عام 2000، كلف الرئيس السابق علي عبد الله صالح اللواء القمش الذي كان متردداً في البداية بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية في ملاحقة المشتبه بهم”.
وينقل مشروع “OCCRP” معد التحقيق، عن ثلاثة ضباط عملوا تحت قيادة اللواء القمش في جهاز الأمن السياسي اليمني، قولهم: “كان اللواء القمش هو المسؤول الأمني الأكثر إثارة للرعب في البلاد”. كما وصفوه بأنه “الصندوق الأسود” للرئيس صالح.
المصادر الثلاثة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أبلغت “OCCRP”، أن “اللواء غالب القمش كان يملك “ميزانية أولية تتكون من ملايين الدولارات” للتصرف بها كما يحلو له”.
ويقول التحقيق: “بحلول الوقت الذي أصبح فيه اللواء القمش كبير رجال المخابرات في اليمن، ومساعداً للأميركيين على تفكيك الخلايا الإرهابية في أوائل القرن الحادي والعشرين.
كان لديه ملايين الدولارات التي لا يمكن معرفة مصادرها مخبأة في بنك كريدي سويس السويسري.
ويوضح، أن “أحد حساباته، الذي تم فتحه في عام 1999، أي قبل عام من الهجوم على المدمرة كول، كان يحوي ما يقرب من خمسة ملايين فرنك سويسري، بحلول عام 2006، وهو العام الذي فر فيه بعض المشتبه بهم في حادثة “كول” من سجن يمني. وقدر راتب اللواء القمش بما يتراوح بين 4000 و5000 دولار شهرياً، بما في ذلك بدل العلاوات والمكافآت”.
وبحسب التحقيق، فإن القمش “اتُهم بانتهاكات مختلفة، بما في ذلك المشاركة في برنامج التسليم الاستثنائي الأميركي (الترحيل السري)، الذي شهد إنفاق الملايين من أموال وكالة الاستخبارات المركزية على المسؤولين في الدول الحليفة لتعذيب مشتبه بهم بالإرهاب واستنطاقهم”.
وتظهر الوثائق الرسمية، وفقا للتحقيق، أن “مبالغا مالية ضخمة دفعت إلى البلدان التي استضافت المواقع السود، وإلى الشركات التي قامت برحلات جوية، وأولئك الذين قاموا بالتعذيب والاستجواب”.
كما ينقل التحقيق، عن روث بلاكلي من مشروع الترحيل السري- مشروع يضم مجموعة من الأكاديميين البريطانيين الذين حققوا في البرنامج الأميركي، قولها: “إذا كان هناك دليل على أن كبار مسؤولي الاستخبارات كانوا يتكسبون مالياً من التواطؤ في برنامج الترحيل والاعتقال والاستجواب الذي قادته وكالة الاستخبارات المركزية، فإن ذلك يستدعي إجراء تحقيق شامل”.
ويوضح التحقيق، أنه “بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية “مواقع سوداء” في البلدان الحليفة حول العالم -سجون سرية حيث يحتجز فيها المشتبه في أنهم إرهابيون بمعزل عن العالم الخارجي.
كما أسند الأمريكيون مهام الاستجوابات إلى أنظمة قمعية مثل مصر والأردن واليمن.
حيث تعرض المحتجزين للتعذيب للحصول على معلومات لتعزيز الحرب على الإرهاب.
كشف التحقيق التاريخي الذي أجراه مشروع الترحيل السري بقيادة الأكاديميين بالتعاون مع مكتب الصحافة الاستقصائية عام 2019، عن أدلة مستفيضة حول 60 “مسار” لطائرات الترحيل السري شملت أكثر من 120 عملية تسليم فردية”.
ويضيف: “إذا كان بنك “كريدي سويس” قد شكك في مصدر أموال اللواء القمش أو ملاءمته كعميل، فإن ذلك لم يمنع البنك من التعامل معه. استمرت حساباته لفترة طويلة بعد تورطه في برنامج التسليم السري وفي قمع المعارضين السياسيين اليمنيين”.
يقول أحد كبار الضباط ممن خدم مع اللواء القمش: “من خلال جهاز الأمن السياسي، كان (القمش) مسؤولاً عن اعتقال جميع العناصر التي كان يُنظر إليها على أنها معارضة لنظام صالح”.
في حين أضاف آخر: “لم يكن أحد يعرف كيف أنفقت أموال جهاز الأمن السياسي”. طبقا لما أورده التحقيق.
كما يذكر التحقيق، أن “علاقة اللواء القمش مع الرئيس صالح، تراجعت عندما بدأ الرئيس في إعداد ابنه لتولي مسؤولية البلاد. كما أنشأ صالح وحدة استخبارات محلية جديدة، هي جهاز الأمن القومي عام 2002، تحت قيادة ابن أخيه”.
ويشير التحقيق، إلى السرعة التي طغى فيها جهاز صالح الجديد على جهاز الأمن السياسي. وأن “الزعيم (صالح) بدأ ببطء في سحب البساط من تحت قدمي اللواء القمش”.
كما ينوه إلى “نجاة اللواء القمش حين تمت الإطاحة بصالح عام 2012، ولكن يبدو أنه أدرك أن الكتابة كانت على الحائط وأنه كان في طريقه لفقدان منصبه”. في إشارة إلى تخليه عن صالح وانضمامه إلى علي محسن الأحمر الذي أيد ثورة 11 فبراير.
ويقول التحقيق، إن “القمش كان قد سحب آخر أمواله من كريديت سويس – 3,834,643 فرنك سويسري – في كانون الثاني/ يناير 2011. بينما كانت الحشود تنزل إلى شوارع عدن عشية إطلاق أول شرارة للربيع العربي.
أقيل من منصبه كرئيس لجهاز الأمن السياسي في عام 2014 من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي. الذي كان قد وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس على صالح.
الرئيس منصور عين اللواء القمش برتبة سفير في الخارجية. لغاية اليوم لم يتم تعيينه رسمياً في أي مكان، إلا أن اسمه يظهر على قائمة السفراء العاملين”. كما ذكرت مصادر ديبلوماسية يمنية لـOCCRP.
وطبقا للتحقيق، فإن القمش، “في الوقت الحاضر، يعيش في اسطنبول في عقار قام بشرائه. وفي السنوات الأخيرة، بقي بعيداً من الأضواء. لكن أبناءه لا يزالون نشطين في الأعمال التجارية في اليمن والبحرين والبرازيل وتركيا”.
كما تقول الصحيفة الألمانية، “زود دويتشه تسايتونغ“، إن “غالب مطهر القمش، الذي ترأس جهاز المخابرات اليمنية لمدة ثلاثة عقود. ويوصف بأنه “الرجل الأكثر رعباً في اليمن”، كان أيضا مسؤولاً عن التعذيب والاعتقالات التعسفية واختفاء المعارضين السياسيين للرئيس السابق صالح. من غير الواضح كيف تمكن من كسب الأصول المودعة لدى البنك السويسري ” كريدي سويس” حيث أنه لم يرد على أي سؤال”.
ووفقا للتحقيق، فإن مصدر ثروات رجال الاستخبارات قد لا يكون معروفاً نهائياً. لكن الخبراء يقولون إن حالات مثل القمش وعائلة اللواء سليمان، “تثير شكوكاً حول كيفية استفادة قادة الاستخبارات من مخالفة القانون”.
كما ينقل التحقيق، عن العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذي خدم في الشرق الأوسط روبرت باير قوله: “لا تنسوا أن مبارك (الرئيس المصري الأسبق) أراد من جنرالاته ورؤساء الاستخبارات أن يسرقوا الأموال. لأنه لا يمكن الوثوق بأي شخص لا يجني أموالاً في مناصب كهذه. فهؤلاء هم الأشخاص الذين يقومون بانقلابات”.
ويلفت التحقيق، أيضا، إلى حسابات أخرى، (في البنك السويسري) ارتبطت بشخصيات استخباراتية من اليمن والعراق والجبل الأسود ونيجيريا وباكستان.
ويعد اللواء القمش، من أكثر الأشخاص الذين “أسهموا بقوة في تأمين نظام صالح. وفي عهده اكتسب الجهاز الأمني طابعه المؤسسي بالاستفادة من خبرات عربية أرادت لهذا الجهاز أن يكون رأس حربة في مواجهة القوى اليسارية في الشمال وسلاح إشارة في مقاومة الخطر الماركسي في اليمن الجنوبي”. كما يقول الكاتب والصحفي سامي غالب.
ويضيف غالب، أنه “بدأت في العهد “القمشي” سياسة “بولسة” مؤسسات الدولة الإدارية والتعليمية والقضائية. وبانصرام السنوات صارت كلمة “الأمن الوطني” هي العليا في تقرير مصائر اليمنيين في الشمال. بدءً من التعليم وانتهاء بأعلى هرم الإدارة العامة. وفي عشرية التسعينات (خصوصا ما بعد حرب 94)، تدخل جهاز “القمش” في المجتمع المدني والإعلام والنشاط النقابي بشكل رسمي. وصار للجهاز مندوبيه الرسميين في أنشطة تقع في صميم المجتمع المدني”.