هل تدرك جهود السلام المتعثرة غايتها قبل أن يتفكك اليمن
المرسى – العرب
تكثّفت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة الجهود الدولية والأممية لوقف الحرب الدامية في اليمن، في ظلّ مخاوف من أنّ المسار السلمي البطيء والمتعثّر قد لا يبلغ غايته النهائية المنشودة، قبل أن يكون البلد قد تفكّك بفعل التكاثر الفوضوي للكيانات السياسية والعسكرية وبسطها سيطرة ميدانية على الأرض.
وتقدّمت المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في مواجهة المتمرّدين الحوثيين، مؤخّراً، بمبادرة لوقف إطلاق النار، في خطوة وصفت ببالغة الأهمية، في سياق تهدئة الصراع تمهيداً لإطلاق عملية سلام أشمل في اليمن.
وجاء ذلك في وقت كثّفت فيه الأمم المتحدة والولايات المتّحدة عبر مبعوثيهما إلى اليمن والمنطقة، مارتن غريفيث وتيم لندركينغ، من جهودهما لتقريب وجهات النظر بين الشرعية اليمنية والحوثيين وجلبهما إلى طاولة الحوار.
لكنّ تشدّد الحوثيين المرتبطين بدائرة القرار الإيراني وتمنّعهم عن الاستجابة لتلك الجهود، كشف حجم الصعوبات التي تواجه إطلاق عملية سلام في اليمن، بقدر ما مثّل نموذجاً عن تمسّك فرقاء الصراع كلّ بمكاسبه، خصوصاً وأن تلك المكاسب لا تقتصر على الجوانب السياسية، بل هي أيضاً مكاسب ميدانية وسيطرة حقيقية على الأرض، وهو أمر لا ينطبق على الحوثيين وحدهم، بل ينسحب على عدّة أطراف حاضرة في رقعة الشطرنج اليمنية ومن بينها جهات منخرطة ضمن الشرعية نفسها مثل حزب الإصلاح الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين.
وأثار تقرير نشر حديثاً على موقع معهد بروكينغز، سيناريو تفكّك اليمن بين الكيانات الفرعية التي نشأت فيه وتمكنت من بسط سيطرتها على مناطقه.
وقال غريغوري دي جونسن، في التقرير المعنون “بحكم الفوضى: نهاية اليمن”، إنّه بعد ست سنوات من الحرب والآلاف من الصواريخ والقنابل ومئات الآلاف من القتلى وأسوأ أزمة إنسانية في العالم، انقسم اليمن إلى درجة أنّه من غير المرجح أن تتم إعادة تشكيله كدولة واحدة.
ورجّح الباحث في شؤون الحرب والسلام الذي سبق له العمل ضمن فريق الخبراء المعني باليمن في مجلس الأمن الدولي، أن يتجاوز تفكّك اليمن مجرّد التقسيم الثنائي الذي كان قائماً قبل وحدة سنة 1990 على أساس شمال وجنوب إلى تجزئة متعددة وكيانات صغيرة ومناطق سيطرة تابعة لعدد متزايد من الجماعات المسلحة ذات الأهداف والمسارات المتباينة.
فالحوثيون تمكنوا بعد بسط سيطرتهم على أجزاء واسعة من شمال اليمن حيث توجد غالبية السكان وبعد إزاحتهم من المشهد حليفهم الظرفي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من إيجاد كيان واضح المعالم لهم في مناطق سيطرتهم تصعب إزالتهم منه، وتتعسّر في وجوده إعادة توحيد اليمن.
ويضيف دي جونسن، على طول ساحل البحر الأحمر يقود طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، مجموعة من المقاتلين المتمركزين في مواجهة الخطوط الأمامية للحوثيين بمحافظة الحديدة.
وتُعرف تلك المجموعة بالمقاومة الوطنية، وقد أعلنت الأسبوع الماضي عن تشكيل حامل سياسي لها وصفته في بيان صحافي بأنه “ضرورة وطنية تواكب تطورات المشهد اليمني في معركته المصيرية”.
لكن صالح لا يعلن إلى حدّ الآن خروجه عن سلطة الشرعية اليمنية التي يمثّلها الرئيس هادي، وقد ألمح في كلمة له عقب قراءة بيان تأسيس المجلس الجديد، إلى رغبته في لعب دور داخل الحكومة الشرعية شبيه بدور المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي تعز جنوبي الحديدة، يسيطر الحوثيون على الجزء الشمالي من المحافظة، بينما يسيطر حزب الإصلاح على المدينة التي تمثّل مركز المحافظة وتحمل نفس الاسم وعلى أجزاء من ريفها، بعد أن تمكنّوا من هزيمة اللواء 35 مدرع وكتائب أبي العباس.
أما في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، فيسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات العسكرية التابعة له، في ظل عاملين ثابتين معلنين بوضوح من قبل قيادات المجلس وهما رفض سيطرة جماعة الإخوان المخترقة للشرعية، والعمل على استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل مطلع التسعينات من القرن الماضي.
وفي لحج شمال عدن، تنشط جماعة أخرى هي كتائب العمالقة ذات التوجّهات السلفية، وهي مختلفة مع المجلس الانتقالي في عدّة قضايا وملفات.
أما في مأرب، المحافظة الواقعة شرقي العاصمة صنعاء والتي يخوض الحوثيون في الوقت الحالي قتالاً شرساً للسيطرة عليها نظراً لغناها بالنفط والغاز، فيبسط حزب الإصلاح سيطرته رافعاً في الوقت نفسه يافطة الانتماء للشرعية كغطاء صوري لمنطقة نفوذ حزبي بامتياز.
وفي المهرة، المحافظة الهادئة على الحدود الشرقية لليمن، تسيطر القبائل المحلية التي يتوزّع ولاؤها بين السعودية وسلطنة عمان.
وما يجعل وجود جميع تلك الكيانات عاملاً دافعاً بشكل شبه مؤكّد نحو تفكيك اليمن أنّها لا تتمتع جميعها بالقوة الكافية لبسط سيطرتها وفرض إرادتها على مختلف أجزاء البلاد، لكنّها في المقابل تمتلك ما يكفي من الرجال والذخيرة للعمل كمعطّل لأي اتفاق سلام تشعر بأنه لا يراعي مصالحها.
وبحسب تقرير معهد بروكينغز، فإنّ قلّة الموارد واعتماد اليمن بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز الموجودين في رقعة محدودة من البلاد، يمثّلان وصفة لاستمرار الصراع في المستقبل، وعرقلة تحقيق السلام المنشود، حيث ستقاتل مجموعات تتزايد أعدادها يوماً بعد يوم على موارد تتضاءل ويتقلّص حجمها باستمرار.
وهذا ما هو قائم بالفعل في مأرب، حيث يعلم الحوثيون أنهم سيحتاجون إلى عائدات تصدير النفط من أجل البقاء ككيان مستقل في مناطق شمال البلاد.
وعليه لا يبدو أن أيّا من جهود السلام المختلفة، سواء تلك التي تضمّنها العرض السعودي بوقف إطلاق النار، أو تلك التي يبذلها المبعوثان الأممي والأميركي، تعني الحوثيين الذين يرغبون في أن يكونوا هم الدولة لا جزءاً منها، ولذلك هم غير مستعدين ليخسروا على طاولة المفاوضات ما كسبوه في ساحة المعركة.