تصفية المشايخ.. سلاح الحوثي لزج أبناء القبائل بمحارق مأرب
المرسى – وكالات
ما بين قمع واغتيالات تعمل مليشيا الحوثي الإرهابية على إذلال القبائل اليمينة وتفتيتها في مسعى لإجبارهم على زج أبنائهم بمحارق معركة مأرب.
وتعمل مليشيا الحوثي على تثبيت وضع اجتماعي جديد في مناطق قبائل شمال اليمن عبر تصفية القيادات القبلية والاجتماعية المؤثرة في أوساط الناس أو تجريدها من ثقلها، ومنحه لأحد الموالين لها ليسهل إدارتها للقبائل.
ولم يحقق الإرهاب الحوثي أكثر من تعزيز لحمة القبائل، حيث عبروا صراحة عن عدم ثقتهم بالمليشيا واتهموها بالغدر بالشيوخ، مؤكدين أنه لن يتم استخدامهم وقودا لحربهم وأجندتهم الإرهابية.
الحوثي يعوض خسائره بقصف المدنيين في قرى مأرب باليمن
ففي قلب منطقة مطار صنعاء الأمنية المغلقة، نفذ الحوثيون عملية اغتيال زعيم قبلي بارز موال لهم وينتمي لقبيلة “بكيل” أكبر خزان بشري شمال اليمن.
ولم تكن عملية اغتيال “الشيخ مهلهل ضبعان” هي الأولى، فخلال أسبوعين صفّت مليشيا الحوثي الشيخ “علي أبونشطان” مع 3 من أولاده وشقيقته في صنعاء، ضمن توحش مرعب يستهدف تحذير بقية زعماء القبائل من ذات المصير حيال أي معارضة لمطالبهم.
ويعد “ضبعان” أحد زعماء قبيلة “سفيان” في محافظة عمران، فيما “أبو نشطان” من زعماء قبيلة “أرحب” بصنعاء، والقبيلتان تنتميان لقبيلة “بكيل” الأم والتي كانت أول هدف للحوثيين لكسب تعاطفها خلال نشأة الجماعة قبل عقدين، مستغلين خصومتها التاريخية مع شقيقتها قبيلة “حاشد” المنحدر منها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ذات سياسة التصفيات، طالت مطلع فبراير/شباط الجاري، زعيما مواليا للمليشيات من قبيلة “حاشد” وهو “الشيخ مصلح الورواري” واغتاله الانقلابيون مع نجله بكمين مسلح في بلدة “ذو غيثان” بعمران، وهي أحدث نماذج لحرب تصفيات يشنها الحوثيون تزامنا مع التعبئة للتجنيد وزج أبناء القبائل في محارق معركة مأرب.
وقال زعيمان قبليان لـ”العين الإخبارية” إن رئيس الاستخبارات العسكرية للمليشيات الإرهابي “أبوعلي الحاكم” طلب من زعماء قبائل صنعاء وعمران في اجتماعاته الأخيرة الأيام الماضية عدم الانشغال بالقضايا القبلية والتفرغ لتكثيف التواصل بالجنود من قبائلهم المنخرطين في الجيش والمقاومة لإعادتهم من مأرب إلى مناطقهم.
وكشف المصدران، اللذين شاركا في هذه الاجتماعات، أن “الحاكم” رفض تبريرات باسم زعماء القبائل قدمها “الشيخ فارس الحباري” الذي يعمل لصالح الحوثيين، مفادها صعوبة التأثير على الجنود في صف الجيش والمقاومة من أبناء قبائلهم وعدم قدرتهم مغادرة مأرب.
واطلعت ” العين الإخبارية” على تسجيلات مرئية لعدد من زعماء القبائل ممن عبروا صراحة عن عدم ثقتهم بالمليشيا الحوثية واتهموها ضمنيا بالغدر بالشيوخ وعدم التجاوب معهم، مشيرين إلى أنه يتم استخدامهم وقودا لحربهم وأجندتهم الإرهابية.
وتغطي قبيلتا “حاشد” و”بكيل” الغالبية القصوى من سكان أقصى شمال اليمن بما فيه صنعاء وصعدة، أما الحوثيون فهم من خارج بنية القبيلة الجوهرية ويعدون أقلية هاشمية درجوا كأسر محايدة معزولة السلاح تحت حماية القبائل قبل أن تفوح عنصرية سلالتهم وأطماع الحكم بادعاء “الحق الإلهي” ومخطط تجريف المخزون البشري لقبائل اليمن لخدمة مشروع “ولاية الفقيه” في المنطقة.
ولفت المصدران إلى أن مليشيا الحوثي تعمل على تثبيت وضع اجتماعي جديد في مناطق قبائل شمال اليمن عبر تصفية القيادات القبلية والاجتماعية المؤثرة في أوساط الناس أو تجريدها من ثقلها ومنحه لأحد الموالين لها ليسهل إدارتها للقبائل.
وأكدا أن نهج الحوثي قائم منذ كانوا مجاميع متمردة في صعدة، إذ بدأوا باستهداف أبرز زعماء القبائل منها ابن صعدة وزير الزراعة السابق الشيخ عثمان مجلي ورئيس هيئة الأركان بالجيش اليمني الفريق ركن صغير بن عزيز أبرز مشائخ سفيان وقبيلة “بكيل”.
وتحدث الزعيمان بشكل منفصل لـ”العين الإخبارية” أن مليشيا الحوثي لم تعد تستثني حتى الشيوخ المنخرطين بصفوفها عبر تجنيد خصومهم لتصفيتهم وزرع الثارات والخلافات الداخلية وتجنيد البعض كجواسيس ضد بعضهم بعضا.
تصفيات ممنهجة
يعتقد الزعيم القبلي الشيخ طارق زمام أن مشاركة القبائل وحضورهم اجتماعات القيادي الحوثي أبوعلي الحاكم ليست عن قناعة لكنه خوف من غدره، مشيرا إلى أن الحوثي لديه موظفون بالقبائل لكن السواد الأعظم مكرهون أو بقوا في بيوتهم يعانون كل المشقة كما بقية أبناء اليمن.
ولفت الزعيم القبلي في تصريح لـ”العين الإخبارية” إلى أن مليشيا الحوثي تشن حملات ترهيب وتزييف للحقائق وتطالب أبناء القبائل بإعادة أبنائهم من جبهات مأرب، وأن لهم الأمان والواقع أنه ليس لهم عهد ولا ذمة ولم يوفوا بعهد أو اتفاق قطعوه.
وأشار إلى أن مليشيا الحوثي تقوم بتجنيد الأطفال والأغبياء في القبيلة كغيرهم من الحركات الدينية السياسية وإذا قتلوا في المعركة ليسوا ذوي أهمية لهم، وإذا حاولوا الهروب من الجبهات تقوم المليشيا بتصفيتهم من الخلف.
وقال إن “بعض المشائخ الذين هرولوا إلى صف المليشيا الحوثية وليس لهم انتماءات عقائدية تمت تصفيتهم، ويستغل الانقلابيون الخلافات الداخلية بين القبائل وبين الأسر وجندت البعض ضد الآخر وحولوا الناس من مواطنين إلى جواسيس على بعضهم داخل البيت والقرية والقبيلة.
وأضاف: “صفت المليشيا الكثير من المشائخ لأنها تعتبر الاعتراض عليها جريمة ونوعا من الكفر ويتعاملون مع الناس باعتبارهم منافقين وأخرجوهم من الدين والانتماء للوطن لمجرد معارضتهم”.
ووصف الزعيم القبلي الحوثيين بـ”داعش الشيعة” وأن حال اليمنيين في مناطق سيطرتها كارثية وأنه ليس لدى المليشيا أي مانع في إبادة القبائل واليمنيين بشكل عام مقابل أن يعيش زعيم الحوثيين كملالي طهران.
ودعا الزعيم القبلي التحالف العربي بقيادة السعودية إلى دراسة المتغيرات على الأرض ومواجهة ودعم من يواجه هذه الأفكار الطائفية، كون سيطرة الإيرانيين على اليمن يشكل خطرا على كل المنطقة.
الإذلال ونصر مأرب
منذ دشن الحوثيون هجوم مأرب مؤخرا فقدوا الكثير من المقاتلين غالبيتهم من أبناء القبائل، وقد كشفت المعركة بالفعل مأزق الانقلابيين والذين لجأوا للبطش بزعمائها في مسعى لإجبارهم على تجنيد المزيد.
ورغم مشاركتهم في المعارك لا يزال يتمتع زعماء القبائل باستقلالية نسبية خارج قرار المليشيا ويشكلون الشبكة الأكبر من حجم القوة البشرية للحوثيين كعامل مهم لفرصة تحول في موازين المعركة في مأرب للنصر عبر إشراك الجيش اليمني والمقاومة الوطنية والتحالف العربي لدعم تماسك القبائل ضد الانقلابيين.
ويرى الكثير من القادة العسكريين وزعماء القبائل، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن إشراك رئيس أركان الجيش اليمني الفريق ركن صغير بن عزيز، أحد أبرز شيوخ “بكيل” بجانب قائد المقاومة الوطنية العميد ركن طارق صالح وشقيقه “عمار” الأكثر قدرة على إعادة نسج شبكة علاقات القبائل خصوصا في قبيلة “حاشد” سوف يعمق أزمة الانقلابيين بالفعل في مأرب ومع القبيلتين الرئيسيتين.
على مدى العام الماضي، استطاع بن عزيز إعادة ترتيب دفاعات الجيش اليمني بجانب قبائل مأرب، وقد يعزز مع قبيلة “عبيدة” خط التماسك والعلاقة مع قبائل بكيل في الجوف وطوق صنعاء، وبالمثل ينظر لطارق صالح للمشاركة مع قبائل مراد والبيضاء ونقل المعركة لعمق الحوثيين في أقصى الشمال، وفقا لخبراء.
وخلال 6 أعوام من سياسة الإذلال واستراتيجية “فرق تسد” التي اتبعها الحوثيون عوضا عن انتهاك المقدسات القبيلة من قبيل تفجير البيوت وهتك الأعراض والاغتيالات وسحل جثث الزعماء المتمردين، والتجويع الممنهج للقبائل تصاعد الغليان القبلي بشكل واسع.
وتفاقمت علاقة الحوثيين والقبائل عقب انتفاضة واغتيال المليشيا للرئيس اليمني السابق في ديسمبر/كانون الأول 2017، وقد خاضوا بعدها نحو 86 معركة مع القبائل حتى نهاية 2020، وقمعها الانقلابيون بشكل مفرط بما فيه الصواريخ الباليستية، حسب آخر تقرير للمنظمة الدولية “ACLED” لرصد النزاعات.
بحسب شيخ مشائخ قبائل “حجور”، رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في حجة الشيخ فهد دهشوش، فقد تعمدت مليشيا الحوثي إذلال وإهانة الشخصيات الاجتماعية المؤثرة ومن ضمنها المشائخ والقادة والأعيان كجرائم معروفة يعاني منها مختلف شرائح الشعب اليمني.
وأرجع الزعيم القبلي، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أسباب قيام الحوثيين بهذه الجرائم بهدف كسر هيبة الشيخ أمام قبيلته وإرهاب المواطنين بما سيقع لهم إن هم حاولوا رفض واقع الذل والعبودية.
كما يعد تكتيك تسلط باعتبار “المشائخ والأعيان هم قادة المجتمع الطبيعيون المختارون من الناس، وهم لا يريدون إلا البقاء مع أذرعهم بقوة السلاح على رؤوس الناس”.