العام الأول لرحيل صاحب الطلقة الأولى: الحديث المنسي عن عدنان الحمادي
المرسى – تعز
“من هذا البطل المثخن بجراحات الدنيا، المحارب المثقف والمغمور بتعز والوطن الكبير والبطل الجسور في معارك الأعداء ومعركة التلون الحزبي، فلاح المشاقر ومزارع أشجار البن، صاحب الضوء الأكثر توهجا الراحل كمسيح مصلوب بالغدر”.
هذا إشعاع في الذكرى الأولى لاغتيال العميد ركن عدنان محمد محمد الحمادي، قائد اللواء 35 مدرع ، صاحب الطلقة الأولى، الضابط القادم من الحجرية يدافع عن عدن ولحج من “لبوزة” ويحلق إلى المطار القديم، حيث أول مترس للجمهورية ضد الأمامة الجدد وجحافل إيران وهي تسقط صنعاء وتتخطى عتبات ألوية عسكرية هشة.
في المادة حديث شجي يرويها رفاقه الضباط، وآخرى من أفواه الحراسة المرافقين وشهادات لأبطال معركة الوعي.
التفاصيل المدفونة
و”رأينا الموت معاً وصنعنا النصرَ في كثيرٍ من المواقع والجبهات وبصمات اللواء 35 وافراده ومنتسبيه محفورة في كل المناطق المحررة وسيذكرها التاريخ في انصع صفحاته”.
يسرد العقيد فؤاد الشدادي، رفيق الحمادي في إعادة بناء وتأسيس اللواء 35مدرع شرعية في الحجرية محطات معركة أمنية مدفونة بعد إصابة عدنان في قدمه وسقوط معسكره في المطار القديم. مسرح 28 معركة دامية تحت حصار الصواريخ والقذائف والقناصة والدبابات وكل ما اخذه الحوثيين من معسكرات الدولة.
واثناء حصار اللواء2015 كان الشدادي ضمن عدة قيادات تبحث عن طريقة فك الحصار أو تخفيفه، تولى أحمد الوافي مع مجموعة ناشطين أطباء إدخال الدواء والغذاء وعند دخوله تحت النار أكد وجود جرحى و شهداء بينهم ضابط برتبة عقيد أسمه “محمد الحجراني”.
هذا الضابط المنسي هو محمد عبدالله الحجراني، عمل في جزيرة كمران، وكان متحمساً للدفاع عن تعز والوطن الكبير فالتحق باللواء فور انطلاق الشرارة الأولى، والتقى بعدنان الحمادي وأخبره انه ضابط متخصص مدفعية، سمح له بالمشاركة والقتال، والتحق بقطاع المدفعية مباشرة واصيب بقذيفة واستشهد بعد نزيف لأيام في مترسه بسبب حصار الحوثيين لكل جهات معسكر اللواء 35.
في مكان ما بشارع التحرير، اتخذ عدنان غرفة عمليات مشتركة بعد خروجه من المعسكر واسقاط الحوثيين له، وجده هناك الشدادي يتوكأ بعكازاً ويعاني كسرا في ساقه.
وتولى الشدادي بعد ذلك مهمة تأمينه وإخراجه من مدينة تعز إلى الحجرية، حيث يصدر الطلائع الأولى لجيش التحرير، لكن الطريق كان قد كبل بالقيود والمنافذ مسدودة و الانقلابيون يطوقون كل الطرق ويضعون في كل نقطة ومفرق أو تقاطع أفراداً من اللواء 35 مدرع الموالي لذراع إيران ، ويعلق صورة عدنان الحمادي ورفيقه فؤاد على رأس اخطر المطلوبين.
كان الحوثيون يدركون أن العميد عدنان مازال حيَّاً وأنه داخل المدينة وسيعود إلى مغادرتها باتجاه قريته الحجرية المكان الأكثر أمناً فوضعت ألة للبحث والتفتيش على مدار الساعة.
يقول الشدادي: كنا نحرص على تغيير أماكن تواجد القائد الحمادي لدواعي واحترازاتٍ أمنيةٍ فإننا كنا نقوم بتغيير شرائح تواصلاته الهاتفية بين الحين والأخر لأكثر من شهر وقررنا في نهاية المطاف اخراجه من مدينة تعز خوفاً من أي طارئ.
في ليلة عيد الفطر حدد كتوقيت عبور على متن باص أجره، أخبرته حينها أنا الليلة قائدك ، وعليك أن تمشي وفق اوامري وتوجيهاتي.
ضحك عدنان : ماشي نتحملك ساعتين وأمرنا لله .
اضاف الشدادي: كنا اربعتنا في باص التهريب، محمد الحريبي وزوجته في الكرسي الأمامي، وانا والقائد في الكرسي الوسط على أساس أن معنا عائلة ولن يفتشها الحوثيون وكان الاخ محمد الضبيع راكب قدام في الكرسي الامامي، مررنا بالنقاط جميعها ، ولم يفتشنا أحد إلا نقطة ال 30 سيئة الصيت، وكنت قد ضربت حساب بأبلاغ أفرادنا المقاومين من كتائب عبدالرقيب عبدالوهاب في الجبل الأسود قبالتها على إشارة متفقة باستهداف النقطة لتفريق العناصر الحوثية وعبرنا بسلام وتمكن أخيرا الحمادي من الخروج من كماشة الملاحقة الأمنية وزيارة أسرته وخط تاريخ جديد في معادلة التحرير الكبير.
حل الحمادي
الضابط رائد الحاج في اللواء 35 مدرع والذي التحق في النصف الأول من عام 2015م عند أعادة تجميع وبناء القوات بالمعافر يروي حدث تعامل عدنان في تجاوز فترة شحة الدعم، والإمكانيات والتي أوصلت الشيخ سيف عبد الرحمن النعمان، و فواد الشدادي لجمع الذخيرة بأوعية قرطاسية من السوق.
وقد بادر بالتبرع بسبيكة ذهب كأول ضابط يتبرع بذهب زوجته، فكان رد الحمادي: سوف اشتري لها شبكة أفضل منها وسأكتب عليها اللواء 35، حد قول الحاج.
ويتابع ساردا موقف آخر: في أحد المرات جاء أحد قيادات مجلس الدعم والإسناد للمقاومة يتوسط لمحبوس متحوث، وتجمعه بالوسيط علاقة زمالة قديمة فقال له: اشتيك تطلق لي سراح فلان.
رد عدنان: بقصاصة ورق بعبارة” الوساطة عمل غير شريف”.
ومد بها للوسيط الذي سلمها لي ولازلت أحتفظ بها داخل برواز زجاجي على الطقم العهدة الذي بحوزتي.
مواقف آخر وقد أثار حينها هزة بالرأي العام بعد استهداف دار النوبة للشيخ المؤتمري عادل الزغير الاصبحي بصاروخ كتف إثر شحن وتحريض إعلامي على إحيائه أربعينة مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ورغم مضاعفات ذلك إلا أن الحمادي: أنا قائد لابد ما أتحمل أخطاء ضباطي.
وأوضح : لاحقاً رتب لقاء جمعني بالشيخ الأصبحي عند محافظ تعز الحالي، نبيل شمسان، وكان لا يعرفني شخصياً فسلمت عليه وهمست بإذنه “معك رائد الحاج يا شيخ”… فإذا به يصيح داخل الديوان أمام المحافظ، والقائد:غريمي”، وضحك وانتهاء اللقاء بود. حتى أن الشيخ الأصبحي قال: عفى الله عما سلف..هدفنا استعادة الجمهورية.
ذاكرة المرافقين
المرافق الشخصي للحمادي، فتحي الحمادي يقول أنه التحق بالمقاومة الشعبية أثناء حصار اللواء 35 مدرع في المطار القديم، وهناك التقى بالقائد في المطار القديم وشارك في معارك فك الحصار المفروض وعندم كان اللقاء الأول بالعميد عدنان الحمادي، كنت في حالة يأس لكن مشاهدته وهو يلقي أوامره، ويقوم بالتوزيع العسكري، واعطائنا التخطيط للهجوم، أحسست بحجم الدولة، وأمل لتحرير.
وتابع: أول مهمة كلفت بها هي أنه أرسلني ضمن مجموعة أفراد تعزيز إلى مديرية المسراخ للالتفاف على القناص المتواجد في منطقة دار القبة الذي كان يعرقل عملية التحرير، وتم بحمد الله إنهاء العملية بنجاح، وتم تحرير مديرية المسراخ، وعدنا إلى معسكر النشمة الذي بدأ تأسيس اللواء فيه.
لازم فتحي قائده عدنان بعد ذلك طويلا، يشير إلى أنه لم يكن يسمح بأي عنصرية فيما بيننا المقاتلين، والضباط وبنا جيشاً وطنياً حديثاً بعيداً عن المصالح الحزبية، والأمراض المناطقية فقد ظل يوصينا بالزمالة، والأخوة، وترك الحزبية للسياسيين فنحن رفاقاً في سلك عسكري هو اللواء 35 مدرع، ولسنا أخوة أو رفاقا في حزب من الأحزاب.
أما الجندي صابر عبد الرحمن أحمد، عمل مرافق لعدنان لفترة يستذكر موقفه الأول أنه كان في أول يوم يفتح فيه معسكر العين
وقد اشتكى من شحة السلاح، لكن الحمادي تبسم ورد:
سلاحك بيدك هو الذي سيدافع عن أرضك ووطنك.. صحيح أنه ليس لدي سلاح في اللواء، ولكن سلاحي هو أنتم الشباب.
يؤكد صابر أن عدنان كان أفضل القادة في مواجهة المليشيات الحوثية، فهو لا يعود إلى الخلف ويخطط بذكاء عند كل هجوم ويفضل أن يكون مباغت ومن جميع الاتجاهات.
كما كان مخلقا مع الضباط خاصة الأفراد الجنود، لم يسب يوم أو يشتم فرداً أو قد جرح مشاعر أي عسكري. وكان أباً للجميع ويمزح مع الأفراد ويرفع روح معنوياتهم.
شهادات إعلام اللواء
أحد إعلام اللواء 35 مدرع فواز الحمادي ، يشير إلى أنه عرف عدنان الحمادي عبر المهندس خالد الحمدي الذي عرفنا على بعضنا، ومنذ تعارفنا بقيت على تواصل معه.
وبعد سقوط معسكر اللواء بيد المليشيات عقب معركة المطار التاريخية التي سطر فيها ورفاقه ملحمة بطولية، طلبني يدعوني القدوم إليه بجبهة الضباب.وصلت إلى مفرق جبل حبشي، وقد كلفت في الجانب الإعلامي إلى جانب الزملاء الذين كانوا في الجبهة أتذكر منهم على سبيل المثال الشهيد محمد القدسي.
وخلال السنوات التي كنت قريب من القائد، كان يتعرض لحملات إعلامية مسعورة من ناشطين يتبعون حزبا معروفا لكنه بالمقابل ظل يرفض الإساءة إليهم، أو الرد عليهم بالمثل، وكان دائما يوجه إعلاميي اللواء إلى عدم الانجرار للحملات الإعلامية المسعورة، ويوجهنا إلى تقديم خطاب اعلامي مهني متزن يراعي ظروف الحرب، ويوجه ناحية العدو الإنقلابي.
وبرغم ذلك لم تتوقف الحملات الاعلامية الظالمة ضد القائد، واستمرت تكيل إليه الإتهامات بشتى أنواع التهم، وتلفيق القصص المفبركة، والإدعاءات الكاذبة التي لو وجه نفصفها للعدو الحوثي لأسمعنا العالم مدى قبحه، وإجرامه.
إلى ذلك، يروي عبد الحليم صبر الذي عمل مستشارا سياسيا لعدنان الى جانب عمله كمصور واعلامي أنه اللقاء بعدنان كان صورة تجسد القائد المثقف قارئ الرواية والقصة والكتاب والفلسفة والأغنية والناي والموسيقى بعيدا عن البندقية والبارود والنياشين والرتب.
وفي آخر لقائي به قبل يوم من اغتياله أهداني كتاباً في القانون الدولي، وقبله أهداني ”عود” عراقي، وعند آخر زيارتي معه إلى مصر، اشترى لي روايات وثمانية كتب في الاجتماع والسياسة.
يقول صبر: كان لديه مكتبة خاصة، فيها الكتب الثقافية، الأدبية، السياسية، الفلسفية، الدينية، القانونية، العسكرية، الحضارات، وأيضاً، أرشيف يضم كل الاتفاقات والمعاهدات اليمنية…
وتابع: عدنان الإنسان والمثقف عرفه القليل فقط، من كان يبحث عن القائد الإنسان والمشروع الوطني، أما من كان يبحث عن السلاح والمال ــ وهم كثيرون ــ اكتفوا بمدحه في تلك اللحظات، ولمجرد انتهى هذا اللقاء تلاشت اللحظات والمواقف وسط المصالح.
أما حمزة مصطفى يقول: كان صديقاً يدفعك للخجل، وقائداً ذو حضور مرعب وصوت جهور وبعيداً عن الجيش والعسكرة كان انساناً مجتمعياً من الطراز الرفيع، قائد عسكر، وفلاح مزارع، عامل، وانسان اجتماعي يحب خدمة الأخرين.
وأضاف مصطفى أن الحمادي أخبره مرات كثيرة عن أعماله في المجال المجتمعي، وكيف أدخل الكهرباء إلى قريته وإعادة تأهيل المستشفى، وعن توجيه المزارعين في اختيار التربة المناسبة لحفر أبار المياه.